انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضغوط لم تؤثرعلى الجزائر لأن مواقفها ثابتة
نشر في المستقبل يوم 04 - 07 - 2009

دولة صغيرة في المنظومة العالمية، خرجت منتصرة من حرب تحريرية عسيرة ضد إحدى أعتى القوى الاستعمارية همجية ووحشية، والمدعمة بحلف عسكري هو الأكبر في تاريخ البشرية، تحدت لوحدها جميع الإمبراطوريات الاستعمارية رغم ضعفها الاقتصادي والعسكري، إلا أن زخم ثورتها الذي وصل صداه كل أرجاء العالم، جعل قوى الاستكبار الدولي تهاب صولتها.
لم تأبه بالضغوط ولا بالتهديدات، وفتحت أبوابها لجميع حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وحتى في أوروبا، وصارت قبلة يحج إليها الثوار من كل الأصقاع، هزمت الاستعمار الفرنسي وأجبرته على التخلي عن معظم مستعمراته حتى يستطيع مجابهة عظمتها، وأطاحت بالدكتاتورية السلازارية في أوروبا وأنهت الاستعمار البرتغالي في إفريقيا بعد خمسة قرون من الوجود، وطردت عنصريي جنوب إفريقيا من جمعية الأمم، ووقفت بكل ثقلها مع الثورة الفلسطينية المقدسة، وساندت الصحراويين في حربهم التحررية‮ ضد‮ النظام‮ فرانكو‮ الإسباني‮ ولم‮ تغير‮ مبادئها‮ عندما‮ قرر‮ الأشقاء‮ المغاربة‮ انتزاع‮ حرية‮ الصحراويين‮.. هذا‮ البلد‮ العظيم‮ ‮ يا‮ سادتي‮ يا‮ كرام‮ ‮ اسمه‮ ببساطة‮.. "‬الجزائر‮".‬
جريدة المستقبل زارت أحد رجال الظل الذين صنعوا مجد هذا الوطن في ذلك الزمن الصعب ليحكي لجيلنا قصة أحد أكبر الملاحم إثارة في تاريخ حركات التحرر العالمية ضد الاستعمار والدكتاتورية والعنصرية، هذا الرجل الذي كان مسؤولا عن حركات التحرر في جبهة التحرير الوطني والذي قلدته الدولة الجزائرية وسام الأثير لم يكن سوى البطل جلول ملايكة الذي اعترفت له مؤخرا الدولة البرتغالية بجميل صنيعه في دعم "ثورة الرند" ضد الدكتاتورية السلازارية، ليكتشف جيلنا لأول مرة كيف ساعدت الجزائر إحدى الدول الأوروبية العريقة في الخروج من جحيم‮ الدكتاتورية‮.

كيف‮ انخرطت‮ في‮ الحركة‮ الوطنية‮ قبل‮ اندلاع‮ الثورة؟
كنا شبابا واعين بوضع الشعب الجزائري الخاضع للاستعمار الفرنسي القاهر الذي تجاهل حقوق الجزائريين وحكم عليهم بالجهل والفقر والحرمان، وكانت في ذلك الوقت عدة حركات سياسية تنشط في الساحة الجزائرية مثل الحزب الشيوعي والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، فضلا عن حزب الشعب الجزائري الذي كان ينشط تحت اسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية والذي كان الحزب الوحيد الذي نص برنامجه على ضرورة تحقيق استقلال الجزائر التام، وشخصيا كان عمري في 1944 ست عشرة سنة عندما انخرطت في حزب الشعب، وألقي علي القبض عدة مرات إلى غاية اندلاع ثورة‮ التحرير‮.‬
متى‮ ألقي‮ عليك‮ القبض؟‮
عندما‮ شاركت‮ في‮ مظاهرات‮ أول‮ ماي‮ 1945‮ بالجزائر‮ العاصمة‮.‬
تقصد‮ مظاهرات‮ 8‮ ماي‮ 1945؟
لا مظاهرات 8 ماي 1945 وقعت في سطيف وقالمة وخراطة بينما وقعت مظاهرات أول ماي 1945 في الجزائر العاصمة، وألقت علي الشرطة الفرنسية القبض عندما كنت مارا في أحد شوارع العاصمة ولكنهم لم يتمكنوا من إيجاد أي إثباتات تؤكد مشاركتي في المظاهرات فأطلقوا سراحي، ولكني واصلت‮ النضال‮ في‮ حركة‮ انتصار‮ الحريات‮ الديمقراطية‮ بالبليدة‮ مسقط‮ رأسي‮.‬
قيل‮ بأنك‮ اعتقلت‮ مع‮ القيادي‮ في‮ جبهة‮ التحرير‮ الوطني‮ البطل‮ سعد‮ دحلب؟
هذه الحادثة وقعت عند اندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر 1954، حيث ألقى الدرك الفرنسي علي القبض في 11 ديسمبر 1954 مع سعد دحلب الذي جيء به من منطقة الشلالة وأنا من البليدة، وجاؤوا بنا إلى العاصمة، وبالضبط إلى أحد معتقلات التعذيب وتسمى اليوم فيلا محيي الدين بالقرب‮ من‮ قاعة‮ حرشة‮ متعددة‮ الرياضات،‮ ووجدنا‮ هناك‮ جماعة‮ كبيرة‮ من‮ المناضلين‮ من‮ كل‮ القطر‮ الجزائري‮.‬
لماذا‮ ألقي‮ عليكما‮ القبض.‬‮ هل‮ كنتما‮ حينها‮ ضمن‮ خلايا‮ الثورة؟
السلطات الفرنسية كانت تعتقد أن الحركة الوطنية هي التي فجرت الثورة، وكنا معروفين لديهما بنشاطنا السياسي وخاصة سعد دحلب رحمه الله الذي كان عضوا في اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية أما أنا فكنت عضوا نشطا في قسمة البليدة.
كم‮ بقيت‮ في‮ المعتقل؟
11 يوما،‮ كما‮ بقي‮ سعد‮ دحلب‮ عدة‮ أيام‮ في‮ المعتقل‮ ثم‮ أطلق‮ سراحه،‮ وبعد‮ هذه‮ الحادثة‮ التحقت‮ مباشرة‮ بالثورة‮ في‮ الجبال‮.‬
أين‮ بالضبط؟
في نواحي المتيجة بالبليدة في المنطقة الثانية للولاية الرابعة (إقليم وسط الجزائر) التي كانت تحت قيادة سويداني بوجمعة من الرعيل الأول للثورة، وكذلك الشيخ بن يوسف بن تركي الذي كان مناضلا كبيرا وكان عضو اللجنة المركزية في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واستشهد‮ الرجلان‮ ولكن‮ الثورة‮ بقيت‮ مستمرة‮.‬
رقيت‮ إلى‮ رتبة‮ مسؤول‮ عسكري‮ في‮ الولاية‮ الرابعة‮ فما‮ هي‮ أبرز‮ العمليات‮ التي‮ قمتم‮ بها‮ ضد‮ العدو‮ الفرنسي؟‮
قمنا‮ بعمليات‮ عسكرية‮ كبيرة‮ وأنشأنا‮ خلايا‮ فدائية‮ داخل‮ المدن‮ كانت‮ مهمتها‮ القيام‮ بعمليات‮ فدائية‮ وتصفية‮ العملاء‮ والحركى،‮ ولكن‮ في‮ 1957‮ كلفت‮ بمهمة‮ خارج‮ الوطن‮.‬
ما‮ هي‮ هذه‮ المهمة؟
كلفت بالاتصال بالقيادة في الخارج، واتصلت هناك بعبان رمضان وسعد دحلب ويوسف بن خدة وكريم بلقاسم، لأبلغهم ما خرج به الاجتماع الذي عقده سي امحمد بوقرة الذي أصبح بعد ذلك قائدا للولاية الرابعة، وقد خرجت إلى المغرب رفقة العقيد سي الصادق دهيلس الذي مازال على قيد الحياة‮ وقطعنا‮ جبالا‮ وجبالا‮ للوصول‮ إلى‮ قيادة‮ الثورة‮ في‮ الخارج‮ (‬لجنة‮ التنسيق‮ والتنفيذ‮) لإعلامها‮ بالوضعية‮ الداخلية‮ للولاية‮ الرابعة‮.‬
كانت‮ في‮ وضعية‮ صعبة؟
بل‮ في‮ وضعية‮ صعبة‮ جدا،‮ بسبب‮ نقص‮ السلاح‮ والأسلاك‮ الشائكة‮ وحقول‮ الألغام‮ لذلك‮ لم‮ يكن‮ من‮ السهل‮ إدخال‮ السلاح‮ عبر‮ الحدود‮ الشرقية‮ أو‮ الغربية‮.‬
من‮ 1957‮ إلى‮ 1962‮ كنت‮ في‮ المغرب‮ فما‮ هي‮ المهام‮ التي‮ أوكلت‮ إليك‮ هناك؟‮
أصبحت أنشط في وزارة التسليح والتموين "المالغ" (مخابرات الثورة) التي كان على رأسها عبد الحفيظ بوصوف، وكنت تحت المسؤولية المباشرة للمجاهد منصور بوداود وبقيت هناك إلى غاية الاستقلال وانتخبت كنائب في أول مجلس تأسيسي للجزائر المستقلة.
متى‮ عينت‮ مسؤولا‮ عن‮ حركات‮ التحرر‮ العالمية‮ في‮ حزب‮ جبهة‮ التحرير‮ الوطني؟
في‮ 1964‮ كنت‮ حينها‮ مسؤولا‮ مع‮ الرئيس‮ أحمد‮ بن‮ بلة‮ ومع‮ محمد‮ مغراوي‮ وجلول‮ نميش‮ ‮ رحمهما‮ الله‮ ‮ وبعدها‮ التحقت‮ كمسؤول‮ عن‮ قسم‮ حركات‮ التحرر‮ العالمية‮.‬
ما‮ هو‮ دور‮ هذه‮ اللجنة‮ بالضبط؟‮
كانت‮ تقدم‮ كل‮ ما‮ يمكنه‮ مساندة‮ حركات‮ التحرر‮ العالمية‮ والدفاع‮ عنها‮.‬
الجزائر‮ كانت‮ حينها‮ حديثة‮ العهد‮ بالاستقلال،‮ فكيف‮ تحدت‮ ووقفت‮ في‮ وجه‮ الإمبراطوريات‮ الاستعمارية؟
لأن الدولة الجزائرية كانت ترى بأن دعم حركات التحرر في العالم وفتح الأبواب لها من واجباتها، لأنه عند اندلاع ثورة التحرير في 1954 لم تكن هناك سوى ثلاث دول فقط مستقلة في القارة الإفريقية على شساعتها، وهي مصر والحبشة (إثيوبيا) ومنروفيا، وعندما اندلعت الثورة الجزائرية المباركة فتحت الأبواب لكل هذه الشعوب التي كانت تعيش تحت نير الاستعمار لتتشجع وتنتفض ضد الاحتلال، وكان الاستعمار البرتغالي أكثر من عمّر في إفريقيا لمدة تزيد عن خمسة قرون، وكان يحتل أنغولا والمزنبيق وغينيا بيساو وجمهورية الرأس الأخضر وجمهورية ساوتومي برانسيب، وكل هذه الشعوب كانت مقهورة قهرا كبيرا، فلما قامت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي أعطى ذلك أملا لبقية الشعوب المستعمرة في إمكانية الثورة على المحتل، خاصة وأن الجزائر كانت تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراب الفرنسي، وكان ذلك منصوصا عليه في الدستور الفرنسي الذي قسّم الجزائر إلى ثلاث مقاطعات (وهران، الجزائر، قسنطينة) لكن تونس والمغرب كان وضعهما أفضل لأنهما محميات ولا يعتبران مقاطعات فرنسية، لذلك فاندلاع ثورة كبيرة في الجزائر زعزعت أركان الاستعمار العالمي وليس الفرنسي فقط، فإفريقيا كانت تضم الاستعمار البريطاني‮ والفرنسي‮ والبرتغالي،‮ العنصريين‮ في‮ جنوب‮ إفريقيا‮.‬
هل‮ صحيح‮ أن‮ الثورة‮ الجزائرية‮ كانت‮ سببا‮ رئيسا‮ في‮ استقلال‮ تونس‮ والمغرب‮ والكثير‮ من‮ مستعمرات‮ فرنسا‮ في‮ إفريقيا؟‮
أجل لأن فرنسا لم يكن بإمكان جيشها أن يغطي كامل مستعمراتها في ظل قوة الثورة الجزائرية، مما دفعها إلى تسريع عملية الاعتراف باستقلال المغرب وتونس والعديد من الدول الإفريقية، فبفضل الثورة الجزائرية بدأت الشعوب الإفريقية تتحرك للسعي لنيل استقلالها، وفتحت الثورة الجزائرية مراكزها لحركات التحرر الإفريقية لتدرب رجالها على حرب العصابات، كما أن الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون منديلا استقبل في الحدود الجزائرية المغربية قبيل الاستقلال، ولكن عند عودته إلى بلاده ألقي عليه القبض.
إذن‮ آخر‮ زيارة‮ لمانديلا‮ قبل‮ اعتقاله‮ كانت‮ الجزائر؟‮
نعم‮ كانت‮ الجزائر،‮ لذلك‮ شعر‮ نظام‮ الأبرتايد‮ بخطورة‮ هذا‮ الرجل‮ فألقي‮ عليه‮ القبض‮.‬
كيف‮ لُقِّبت‮ الجزائر‮ بكعبة‮ الثوار‮ بالرغم‮ من‮ أنها‮ بعيدة‮ نسبيا‮ عن‮ إفريقيا‮ السوداء؟
عندما تكون الإرادة الصادقة تتقلص الأبعاد الجغرافية، نظرا للصيت الكبير الذي تركته الثورة في إفريقيا وغيرها، ولهذا اللقب قصة حدثت في الجزائر خلال ندوة صحفية نشطتها مع الزعيم الإفريقي الكبير "أميكال كابرال" من غينيا بيساو في فيلا بومعراف (مقر منظمة المجاهدين حاليا) في 1968، وأكدت في كلمتي على تأييد الجزائر لحركات التحرر العالمية وبعدما أنهيت كلمتي أمام عدد كبير من الصحافيين العالميين فسألني صحفي أمريكي: ما هو نوع السلاح الذي تقدمونه لحركات التحرير؟ لكن أميكال كابرال أخذ الكلمة وخاطب الصحفي الأمريكي قائلا: هذا السؤال يوجه إلينا وليس إلى الجزائر.. خذ قلمك، وبقي جميع الصحافيين في انتظار أن يخبرهم كابرال بنوع السلاح الذي يستلمونه من الجزائر، لكنه قال لهم "المسيحيون يحجون إلى الفاتكان والمسلمون يحجون إلى مكة المكرمة أما الجزائر فهي كعبة الثوار".
ما‮ هي‮ حركات‮ التحرر‮ التي‮ كانت‮ تحظى‮ بدعم‮ الجزائر‮ المادي‮ والمعنوي؟‮
جنوب‮ إفريقيا،‮ أنغولا،‮ جزر‮ الرأس‮ الأخضر،‮ ساوتومي‮ برانسيب،‮ زيمبابوي‮ التي‮ يرأسها‮ موغابي‮ حاليا‮ والتي‮ كانت‮ مستعمرة‮ إنجليزية‮.‬
هل‮ كانت‮ لموغابي‮ علاقات‮ بالجزائر‮ خلال‮ حرب‮ التحرير‮ في‮ زيمبابوي؟‮
أجل‮ فقط‮ جاء‮ موغابي‮ إلى‮ الجزائر‮ عدة‮ مرات‮ وكنا‮ ندعمهم،‮ إذ‮ أنه‮ كان‮ في‮ زيمبابوي‮ حزبين‮ قويين‮ وكنا‮ ندعمهما‮ عسكريا‮.‬
وهل‮ هذا‮ الدعم‮ العسكري‮ لحركات‮ التحرر‮ جعل‮ الجزائر‮ تتعرض‮ لضغوط‮ معينة‮ من‮ بريطانيا‮ أو‮ البرتغال‮ أو‮ فرنسا؟‮
هذه الضغوط لم تكن تؤثر على الثورة أو الدولة الجزائرية لأنها كانت لديها مواقف جعلت بقية الدول الأخرى تهابها وخاصة بعد انتصارها على فرنسا وعلى الحلف الأطلسي الذي كان يؤيد فرنسا ضد الثورة الجزائرية، مما أكسب الجزائر زخما عالميا كبيرا، ورغم محاولاتهم الضغط على الجزائر لكنهم لم يستطيعوا وقف الدعم الجزائري لحركات التحرر. وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي كان وزير الخارجية الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ناشطا بشكل ملفت دفاعا عن حركات التحرر سواء في جمعية الأمم المتحدة أو المنظمات التابعة لها، وعندما ترأس عبد العزيز بوتفليقة جمعية الأمم (1974) استطاع التأثير على الدول الأعضاء ونجح في طرد ممثل النظام العنصري لجنوب إفريقيا، وكانت هذه ضربة قوية لجنوب إفريقيا التي عملت بعدها على إيجاد حلول لقضية الميز العنصري وأطلق بعدها سراح نيلسون مانديلا والذي أصبح بعدها رئيسا لجنوب‮ إفريقيا،‮ .‬
هذا‮ يعني‮ أن‮ الضغط‮ الدبلوماسي‮ الجزائري‮ كان‮ أحد‮ أسباب‮ خروج‮ مانديلا‮ من‮ السجن؟
الضغط الجزائري كان تأثيره عالميا وحتى على الدول الأوروبية التي كانت تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان ولكنها لم تطلب ولا مرة طرد العنصريين من جمعية الأمم ، لكن الجزائر ممثلة في عبد العزيز بوتفليقة رئيس جمعية الأمم أنذاك استطاع التأثير على أعضائها وطلب من جمعية الأمم‮ المصادقة‮ على‮ قرار‮ طرد‮ جنوب‮ إفريقيا‮ من‮ الجمعية‮ العامة‮ للأمم‮ المتحدة‮ فصادق‮ أغلبية‮ الأعضاء‮ على‮ هذا‮ الطلب‮.
قبل‮ أن‮ نتحدث‮ عن‮ تكريم‮ البرتغال‮ لك‮ لدعمك‮ ثورتهم،‮ نريد‮ أن‮ نعرف‮ بالضبط‮ خلفيات‮ هذه‮ الثورة‮ الداخلية‮ في‮ أرض‮ أقدم‮ مستعمر‮ لشعوب‮ إفريقيا؟‮
كانت البرتغال خاضعة لنظام دكتاتوري بقيادة "سلازار"، وعانت الحركات التحررية في المستعمرات البرتغالية بإفريقيا قمعا وتعذيبا شديدين، وكل من يحمل راية التحرر إلا ويسجن، وكانت لهم شرطة متوحشة معروفة باسم "لبيت" وكانت منتشرة سواء في المستعمرات البرتغالية أو في البرتغال‮ نفسه،‮ وكانت‮ تقمع‮ بشدة‮ كل‮ شخص‮ لديه‮ أفكار‮ تقدمية‮ وتلقي‮ عليه‮ القبض‮ وتخضعه‮ للتعذيب،‮ وبعد‮ استقلال‮ الجزائر‮ في‮ 1962‮ رفضت‮ أن‮ يكون‮ لها‮ أي‮ علاقات‮ دبلوماسية‮ مع‮ النظام‮ الدكتاتوري‮ في‮ البرتغال‮.‬
ما‮ هو‮ موقف‮ الدول‮ الأوروبية‮ آنذاك‮ من‮ النظام‮ الدكتاتوري‮ في‮ البرتغال‮ والتي‮ تسعى‮ حاليا‮ لنشر‮ الديمقراطية‮ وحقوق‮ الإنسان‮ في‮ الوطن‮ العربي‮ وإفريقيا؟‮
على العكس من ذلك تماما، فالدول الأوروبية التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان كان لها علاقات طبيعية مع البرتغال ونظام سلازار الدكتاتوري وتعاملت بلا مبالاة من القمع والانتهاكات الممارسة ضد الشعب البرتغالي، ولكن الجزائر التي خرجت منتصرة بثورتها العظيمة في حربها التحررية ضد فرنسا رفضت بشكل قطعي إقامة أي علاقات مع الحكم الديكتاتوري لسلازار، وكانت الدولة الوحيدة تقريبا في ذلك الوقت التي رفضت إقامة أي علاقات دبلوماسية مع البرتغال، وبفضل موقفها المبدئي جاءت عدة شخصيات برتغالية إلى الجزائر تنتمي إلى أحزاب تقدمية مثل الحزب الاشتراكي، الشبيبة التحررية، الحزب الشيوعي، وفتحنا لهم مكتبا في الجزائر سمّيناه منظمة تحرير البرتغال، وبعد إسقاط النظام الديكتاتوري كان نائب رئيس البرلمان البرتغالي "مانويل أليغري" لاجئا سياسيا في الجزائر خلال الحكم الدكتاتوري.
كيف‮ تم‮ إسقاط‮ النظام‮ الدكتاتوري‮ في‮ البرتغال؟‮ عن‮ طريق‮ ثورة‮ شعبية‮ أو‮ انقلاب‮ عسكري‮ أم‮ مظاهرات‮ شعبية؟‮
كانت هناك ثورة في البرتغال وكان "مانويل أليغري" في تنسيق مع حركات التحرر في المستعمرات البرتغالية في المزمبيق وزيمبابوي وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر وساوتومي برانسيب، وكانت الجزائر خصصت لهم ساعة يوميا في إذاعة الجزائر التي كانت متوجهة للشعب البرتغالي، مثل الدور الذي لعبته إذاعة صوت العرب أثناء الثورة الجزائرية، ومنها يتوجه الزعماء الأفارقة إلى شعوبهم لاستنهاض الهمم لمقاومة الاستعمار، وكان مانويل أديبا معروفا ويملك شخصية قوية وله وزن في البرتغال لذلك كان يتوجه بنداءات عبر الإذاعة الجزائرية رفقة شخصيات أخرى‮ للشعب‮ البرتغالي‮ وللجيش‮ البرتغالي‮ لينتفض‮ ضد‮ حكم‮ "‬كيتانو‮" الدكتاتوري‮ الذي‮ خلف‮ سالازار‮ بعد‮ وفاته‮.‬
وهل‮ كانت‮ هناك‮ عمليات‮ مسلحة‮ ضد‮ الحكم‮ الدكتاتوري؟
أجل‮.. كانت‮ هناك‮ عمليات‮ مسلحة‮ ضد‮ النظام‮ الدكتاتوري‮ وكان‮ الثوار‮ يُعتَبرون‮ إرهابيين‮.‬
ومتى‮ انهار‮ النظام‮ الدكتاتوري‮ في‮ البرتغال؟
في‮ 1975‮ وقع‮ التغيير‮ في‮ البرتغال‮.‬
كيف‮ وقع‮ التغيير؟‮ ما‮ هي‮ تفاصيل‮ ذلك؟
كما قلت لك فإن الزعماء البرتغاليين المعارضين والمقيمين في الجزائر بما فيهم ماريو سواريس الذي أصبح رئيسا للبرتغال من الحزب الاشتراكي والذي كان أستاذا بجامعة السوربون بفرنسا وكان نائبه مانويل أليغري مقيما في الجزائر وأثروا بقوة شخصيتهم في الشعب وفي الجيش، لإن الذين قاموا بالانقلاب هم من الضباط الشباب، وسميت ب"ثورة الرند" ولم تسم انقلابا عسكريا، ولهذا فإن تأثير الأحزاب البرتغالية في الجزائر على الشعب البرتغالي وضباط الجيش بدعم من الجزائر هو الذي دفع إلى إحداث هذا التغيير في النظام.
من‮ هم‮ هؤلاء‮ الضباط‮ الشباب‮ الذين‮ استطاعوا‮ إسقاط‮ نظام‮ دكتاتوري‮ استمر‮ لعقود؟
هؤلاء‮ الضباط‮ لم‮ يكونوا‮ معروفين‮.‬
وسلم‮ الانقلابيون‮ العسكريون‮ السلطة‮ للسياسيين‮ ببساطة؟
أجل‮ بمجرد‮ نجاح‮ الانقلاب‮ سلمت‮ مقاليد‮ السلطة‮ للسياسيين‮.‬
من‮ هم‮ السياسيون‮ الذين‮ استلموا‮ السلطة‮ على‮ طبق‮ من‮ ذهب‮ من‮ أيدي‮ الانقلابيين‮ الشباب؟‮
ماريو‮ سواريس‮ الذي‮ أصبح‮ رئيسا‮ للجمهورية‮ البرتغالية‮ في‮ عهد‮ الديمقراطية‮.‬
كان‮ أول‮ رئيس‮ ديمقراطي‮ يحكم‮ البرتغال‮ بعد‮ سقوط‮ النظام‮ الدكتاتوري؟
لا‮ بل‮ كان‮ ثاني‮ رئيس‮ يحكم‮ البرتغال‮ في‮ عهد‮ الديمقراطية‮.‬
هل‮ صحيح‮ أن‮ الشعب‮ البرتغالي‮ عدل‮ الدستور‮ مادة‮ بمادة‮ ولم‮ يعرض‮ مشروع‮ تعديل‮ الدستور‮ دفعة‮ واحدة‮ كما‮ هو‮ الحال‮ في‮ دول‮ العالم‮ الثالث؟
لأن‮ الشعب‮ البرتغالي‮ عانى‮ بشكل‮ كبير‮ من‮ القهر‮ التسلطي‮ وعاش‮ تحت‮ أقدام‮ دكتاتورية‮ ضاغطة،‮ ولهذا‮ كان‮ تطبيق‮ الديمقراطية‮ بشكل‮ ساهم‮ فيه‮ الشعب‮ ككل‮ ونجحوا‮ في‮ تأسيس‮ نظامي‮ انتخابي‮ ديمقراطي‮ تقدمي‮ حر‮.‬
والجزائر‮ اعترفت‮ لأول‮ مرة‮ بالنظام‮ الديمقراطي‮ الجديد‮ في‮ البرتغال؟‮
طبعا، مباشرة بعد إحداث التغيير ربطت الجزائر علاقات دبلوماسية مع البرتغال لأول مرة منذ استقلالها، وأول زيارة لوزير خارجية البرتغال إلى الخارج كانت إلى الجزائر اعترافا لها بدورها في مساعدة الشعب البرتغالي في التخلص من الدكتاتورية، وشكرها وزير الخارجية البرتغالي‮ كثيرا‮ على‮ مساندتها‮ ودعمها‮ للثورة‮ البرتغالية،‮ وقد‮ استقبل‮ بومدين‮ شخصيا‮ هذا‮ الوزير‮.‬
ما‮ اسم‮ هذا‮ الوزير؟‮
"‬مينو‮ تيناس‮"‬،‮ كان‮ من‮ بين‮ الضباط‮ الشباب‮ الذين‮ شاركوا‮ في‮ الانقلاب‮ على‮ النظام‮ الدكتاتوري‮.‬
ما‮ هو‮ الدور‮ الذي‮ لعبته‮ شخصيا‮ في‮ دعم‮ "‬ثورة‮ الرند‮" في‮ البرتغال؟‮
كان دورا تنسيقيا بين الزعماء الأفارقة والزعماء البرتغاليين التقدميين، وفي الحقيقة هو دور الجزائر التي كنت أمثلها لدعم حركات التحرر، ولم يكن عملي بيروقراطيا بل كنت مناضلا مؤمنا بانتصار حركات التحرر العالمية على الدكتاتورية وقوى الاستعمار، وهذه الأمور أخذها الزعماء‮ البرتغاليون‮ بعين‮ الاعتبار‮.‬
مؤخرا‮ كرمتك‮ الدولة‮ البرتغالية‮ على الدور‮ الذي‮ لعبته‮ في‮ تحقيق‮ انتصار‮ الثورة‮ البرتغالية‮ على‮ الدكتاتورية‮ السلازارية‮ والكيتانوية،‮ كيف‮ تقرأ‮ هذا‮ التكريم‮ بعد‮ أكثر‮ من‮ ثلث‮ قرن‮ على‮ هذا‮ الانتصار؟‮
في الحقيقة كان هذا الأمر مفاجئا بالنسبة لي، فقد حضرت حفل عيد الثورة والاستقلال الذي نظمته السفارة البرتغالية في الجزائر (ماي 2009)، ولم أكن أعرف شيئا عن هذا التكريم، ولما أخذت الكلمة القائمة بالأعمال في السفارة البرتغالية وأمام عدد كبير من الشخصيات الدبلوماسية‮ والسياسية‮ والإعلامية‮ قالت‮ بأنها‮ تُعلم‮ الجميع‮ بأن‮ الحكومة‮ البرتغالية‮ قررت‮ تكريم‮ جلول‮ ملايكة‮ نظرا‮ لشهادات‮ من‮ مناضلين‮ برتغاليين‮ حول‮ مساهمته‮ ونضاله‮ من‮ أجل‮ دعم‮ الثورة‮ البرتغالية‮.
قضية‮ أخرى‮ لعبت‮ فيها‮ دورا‮ مهما‮ وهي‮ القضية‮ الفلسطينية‮ التي‮ كان‮ موقف‮ الجزائر‮ منها‮ ثابتا،‮ فما‮ هو‮ هذا‮ الدور‮ الذي‮ لعبته؟
الجزائر فتحت أول مكتب للثورة الفلسطينية في شارع فيكتور هيغو بقلب العاصمة وهو مقر السفارة الفلسطينية حاليا، وكان يترأس هذا المكتب قائد الكفاح في حركة فتح الشهبد أبو جهاد والذي اغتيل في تونس، وكانت أول زيارة دبلوماسية لقادة الثورة الفلسطينية إلى الخارج بمساهمة الجزائر وانطلاقا منها باتجاه كوبا والصين، لأن الثورة الفلسطينية (حركة فتح) انطلقت في الأول من جانفي 1965، طبعا مساندة الجزائر للثورة الفلسطينية كانت أخوية نضالية، وكما تعلم فإن الثورة الفلسطينية بالنسبة للشعب الجزائري ثورة مقدسة لأنها ليست ثورة الشعب الفلسطيني فقط بل هي ثورة العالم العربي والإسلامي، لأن بيت المقدس أسير تحت أقدام الصهاينة ولذلك فإن مولد الثورة الفلسطينية فتح أمالا لكافة الشعوب العربية والإسلامية لأن هذه الثورة استطاعت بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تفرض وجودها على الصعيد العالمي، والجزائر‮ كانت‮ تؤيد‮ الثورة‮ الفلسطينية‮ تأييدا‮ تاما‮ سواء‮ بالسلاح‮ أو‮ بالتدريب،‮ حيث‮ أن‮ الكثير‮ من‮ الأخوة‮ الفلسطينيين‮ تدربوا‮ في‮ الجزائر‮ حتى‮ على‮ سلاح‮ الطيران‮.‬
هل‮ كان‮ السلاح‮ الجزائري‮ يصل‮ إلى‮ الأراضي‮ المحتلة‮ في‮ فلسطين؟
كان‮ يصل‮ عن‮ طريق‮ الدول‮ العربية،‮ فلا‮ يمكن‮ أن‮ يذهب‮ السلاح‮ إلى‮ فلسطين‮ مباشرة‮.‬
يقال‮ أن‮ غواصة‮ إسرائيلية‮ هي‮ التي‮ فجرت‮ سفينة‮ جزائرية‮ بميناء‮ عنابة‮ كانت‮ محملة‮ بالسلاح‮ وبالمقاومين‮ ومتوجهة‮ إلى‮ الأراضي‮ المحتلة‮ وذلك‮ في‮ 1988،‮ ما‮ صحة‮ هذه‮ المعلومة‮ التي‮ نشرت‮ في‮ عدة‮ كتب؟
لا، هذه مجرد دعايات. لم تفجر أية سفينة جزائرية، وما كتب مجرد تكهنات لكنها لم تكن الحقيقة؛ فالسلاح الجزائري كان يصل فلسطين عن طريق مصر وخاصة الأردن، والجزائر كانت تدافع عن القضية الفلسطينية في الملتقيات الدولية سواء في الجامعة العربية أو في منظمة المؤتمر الإسلامي‮ أو‮ في‮ جمعية‮ الأمم‮ المتحدة،‮ كان‮ دعم‮ الجزائر‮ كاملا‮ ولازال‮ منذ‮ الاستقلال‮ فنحن‮ نعتبر‮ قضية‮ فلسطين‮ قضيتنا‮ لأنها‮ مقدسة‮.‬
هل‮ فعلا‮ طلب‮ الرئيس‮ الراحل‮ هواري‮ بومدين‮ من‮ الشعب‮ الفلسطيني‮ إطلاق‮ رصاصة‮ الثورة‮ حتى‮ ولو‮ لم‮ يتم‮ التحضير‮ الكافي‮ لها‮ مثلما‮ فعل‮ ثوار‮ الجزائر؟‮
بومدين قال لهم "طلقة رصاص على الصهاينة أفضل من خطاب في جمعية الأمم"، وهذه الكلمة قالها بومدين قبل انطلاق الثورة الفلسطينية في 1965، وهو تقريبا نفس ما قاله الشهيد العربي بن مهيدي "ألقوا الثورة في الشارع يلتقطها الشعب".
في‮ إحدى‮ الصور‮ تظهر‮ مع‮ الزعيم‮ الراحل‮ ياسر‮ عرفات‮ كيف‮ كانت‮ علاقتك‮ بهذا‮ البطل؟
التقيت مع ياسر عرفات في العديد من المناسبات، وأينما عقدت منظمة التحرير الفلسطينية مؤتمرها سواء في الأردن أو في مصر كنت دوما أترأس الوفد الجزائري في هذه المؤتمرات، وكنت ألقي في كل مرة كلمة تأييد الجزائر للقضية الفلسطينية.
الجزائر‮ أكثر‮ الدول‮ دعما‮ لقضية‮ الشعب‮ الصحراوي‮ لماذا‮ كل‮ هذا‮ الدعم‮ رغم‮ أن‮ البوليساريو‮ ولدت‮ في‮ ليبيا‮ وليس‮ في‮ الجزائر؟‮
قضية الصحراء الغربية قضية تحرير والبوليساريو مثلها مثل كل حركات التحرر، فمن مبادئ الدولة الجزائرية الراسخة أن كل شعب مضطهد واستطاع أن يقاوم فإن الجزائر تؤيده. تكلمنا عن جزر الرأس الأخضر أو ساوتومي برانسيب، هذه البلدان لا تضم عددا كبيرا من السكان ولكن الحرية لا تقاس أبدا بعدد أفراد الشعب، بل على حسب الأرض والوطن، والصحراء الغربية كانت مستعمرة من إسبانيا، والجزائر كانت بالتنسيق مع المغرب وموريتانيا تطالب بحق تقرير مصير الشعب الصحراوي عندما كان فرانكو (ديكتاتور إسبانيا) على قيد الحياة، ولهذا مطالب الجزائر والمغرب‮ وموريتانيا‮ كانت‮ موحدة،‮ ولو‮ رجعنا‮ إلى‮ تصريحات‮ وزراء‮ الخارجية‮ للدول‮ الثلاث‮ لوجدنا‮ أنها‮ متطابقة‮ وهي‮ التأكيد‮ على‮ حق‮ تقرير‮ الشعب‮ الصحراوي‮ لمصيره‮.‬
ولماذا‮ تغيرت‮ مواقف‮ المغرب‮ بهذا‮ الشكل‮ تجاه‮ الشعب‮ الصحراوي؟
قبل‮ وفاة‮ الرئيس‮ الإسباني‮ فرانكو‮ كانت‮ الجزائر‮ تناضل‮ مع‮ إسبانيا‮ للإسراع‮ في‮ تقرير‮ المصير،‮ لكن‮ بمجرد‮ وفاته‮ تحرك‮ المغرب‮ في‮ إطار‮ ما‮ يسمى‮ بالمسيرة‮ الخضراء‮.‬
طريقة‮ فريدة‮ من‮ نوعها‮ في‮ التحرير؟
أجل، فقد أخرجوا شعبهم في مسيرة تجاه الأراضي الصحراوية، وأصبح المغرب يطالب بمغربية الصحراء، والدليل على أن الصحراء الغربية ليست أرضه فقد اقتسمها مع موريتانيا، ولكن لما وقع انقلاب في موريتانيا، نفى النظام الجديد أن تكون الصحراء الغربية جزءا من التراب الموريتاني‮.‬
لكن‮ بعض‮ الشهادات‮ الموريتانية‮ تؤكد‮ بأن‮ الجيش‮ الموريتاني‮ خسر‮ الكثير‮ من‮ رجاله‮ في‮ مواجهاته‮ مع‮ قوات‮ البوليساريو‮ وانسحب‮ من‮ الصحراء‮ الغربية‮ مهزوما‮ وقطع‮ علاقاته‮ مع‮ الجزائر‮ احتجاجا‮ على‮ دعمها‮ للبوليساريو؟‮
ولكن الجيش الموريتاني انسحب من الصحراء الغربية بتصريح يؤكد فيه أن هذه الأرض (الصحراء الغربية) ليست أرضهم، ولكني لا أذكر حينها أن موريتانيا قطعت علاقاتها مع الجزائر، لأن الحكم الجديد الذي تشكل بعد الانقلاب هو الذي سحب قواته من الصحراء الغربية واعتبر نفسه غير‮ معني‮ بهذه‮ القضية‮.‬
دكتور‮ في‮ العلوم‮ السياسية‮ أكد‮ في‮ حوار‮ صحفي‮ أن‮ المغرب‮ وقع‮ على‮ صفقة‮ سرية‮ مع‮ إسبانيا‮ يتنازل‮ لها‮ عن‮ مدينتي‮ سبتة‮ ومليلة‮ مقابل‮ أن‮ تتنازل‮ له‮ عن‮ الصحراء‮ الغربية،‮ ما‮ دقة‮ هذا‮ التحليل؟
ليست‮ لي‮ معلومات‮ حول‮ هذا‮ الأمر،‮ ولا‮ أعتقد‮ أن‮ صفقة‮ سرية‮ وقعت‮ بهذا‮ الشكل،‮ قد‮ تكون‮ مجرد‮ تحاليل‮ لكن‮ لا‮ شيء‮ يؤكدها‮.‬
ما‮ هو‮ في‮ نظرك‮ الحل‮ لأزمة‮ الصحراء‮ الغربية‮ التي‮ أفسدت‮ ذات‮ البين‮ بين‮ الأشقاء؟
عندما يكون أي شعب مؤمن بحريته ومتعلقا بأرضه فلا بد أن يستقل، والصحراويون برهنوا على ذلك في الميدان حيث تمكنوا من أسر المئات من أفراد الجيش المغربي بسلاحهم، وهذا دليل على الإرادة القوية للشعب الصحراوي، وهو نفس الشيء بالنسبة للثورة الجزائرية مع فرنسا فقد كانت‮ لدينا‮ إرادة‮ قوية‮ للاستقلال‮ حتى‮ استطعنا‮ أن‮ نهزم‮ أحد‮ أكبر‮ الجيوش‮ العالمية‮.‬
الشعب‮ الصحراوي‮ تمكن‮ لحد‮ الآن‮ من‮ تحرير‮ ثلث‮ أرضه‮ كيف‮ استطاع‮ تحرير‮ كل‮ هذه‮ المناطق‮ رغم‮ قوة‮ الجيش‮ المغربي‮ مقارنة‮ بقوات‮ البوليساريو؟
الجيش المغربي ليس قادرا على السيطرة على كامل التراب الصحراوي لأنه تلقى ضربات شديدة، بدليل أنه بنى الصور الذي يعزل الأراضي الصحراوية المحتلة عن الأراضي المحررة، ومادامت القضية في يد جمعية الأمم فإنه مهما طال الزمن أو قصر فسينتزع الشعب الصحراوي استقلاله بالإرادة‮ والتضحية‮.‬
الصحراويون‮ يهددون‮ بالرجوع‮ إلى‮ حمل‮ السلاح‮ في‮ ظل‮ المناورات‮ السياسية‮ المغربية‮ وتنصلهم‮ من‮ اتفاقية‮ دايتون‮ المبرمة‮ مع‮ الصحراويين،‮ هل‮ المنطقة‮ مهددة‮ باشتعال‮ الحرب‮ مجددا؟
الصحراويون‮ قادرون‮ على‮ حمل‮ السلاح‮ مجددا‮ لتحرير‮ أرضهم‮.‬
وهل‮ ستقف‮ الجزائر‮ إلى‮ جانبهم‮ في‮ هذه‮ الحالة؟‮
الجزائر‮ دعمت‮ الصحراويين‮ منذ‮ البداية‮ فمن‮ الطبيعي‮ أن‮ تواصل‮ دعمها‮ لهم‮.‬
ماذا‮ عن‮ الموقف‮ الليبي‮ الذي‮ سارع‮ إلى‮ احتضان‮ حركة‮ البوليساريو‮ ما‮ هو‮ موقفه‮ الحالي‮ من‮ هذه‮ القضية؟
لا‮ أريد‮ أن‮ أتحدث‮ في‮ هذا‮ الموضوع‮ لأن‮ الوقت‮ ليس‮ مناسبا‮ لذلك‮.‬
تظهر‮ في‮ إحدى‮ الصور‮ مع‮ الرئيس‮ الصحراوي‮ محمد‮ عبد‮ العزيز‮ ما‮ هي‮ طبيعة‮ العلاقة‮ التي‮ كانت‮ تربطك‮ به؟
كنت ألتقي به منذ بدايات تأسيس حركة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) وقبل أن يحتل المغرب موريتانيا، لأن الصحراويين بدأوا الكفاح ضد إسبانيا أولا، وكان الشهيد مصطفى الوالي هو قائد البوليساريو عندما تأسست في 1974 والتقيت به في تلك الفترة وأصبحت الجزائر‮ تعترف‮ بهم‮ كحركة‮ تحرير‮ ضد‮ إسبانيا‮ وكنا‮ نؤيدهم‮ ونساعدهم‮.‬
وهل‮ قامت‮ البوليساريو‮ بهجمات‮ عسكرية‮ ضد‮ الجيش‮ الإسباني؟
وجهوا‮ لهم‮ ضربات‮ متتالية‮ في‮ عهد‮ فرانكو‮ وعندما‮ مات‮ هذا‮ الأخير‮ وقع‮ ما‮ وقع‮.‬
كنت‮ نائبا‮ لرئيس‮ المجلس‮ الشعبي‮ الوطني‮ أيام‮ رابح‮ بيطاط‮ فماذا‮ تذكر‮ عن‮ هذه‮ المرحلة؟
كنت‮ نائبا‮ في‮ أول‮ برلمان‮ في‮ 1964،‮ وفي‮ 1977 كنت‮ نائبا‮ لرئيس‮ المجلس‮ الشعبي‮ الوطني‮ رابح‮ بيطاط‮ طيلة‮ ثلاث‮ فترات‮ تشريعية،‮ وتقاعدت‮ بعدها‮ في‮ 1992‮.‬
هل‮ فعلا‮ كانت‮ هناك‮ ديمقراطية‮ داخل‮ البرلمان‮ بين‮ مختلف‮ الحساسيات‮ السياسية‮ لكن‮ في‮ إطار‮ الحزب‮ الواحد،‮ أم‮ أن‮ الأمر‮ كان‮ كله‮ مجرد‮ ديكور‮ لحزب‮ كان‮ يرفض‮ حينها‮ أن‮ يتعدد‮ أو‮ يتبدد؟‮
كان‮ حزبا‮ واحدا‮ فعلا،‮ لكن‮ كانت‮ هناك‮ حساسيات‮ سياسية‮ مختلفة‮ داخل‮ هذا‮ الحزب،‮ لكن‮ في‮ الوقت‮ نفسه‮ كان‮ التصويت‮ بالأغلبية‮.‬
هل‮ كتبت‮ مذكراتك‮ أو‮ نشرت‮ أي‮ كتاب‮ عن‮ حركات‮ التحرر؟‮
شرعت‮ فعلا‮ في‮ كتابة‮ مذكراتي‮ منذ‮ مدة‮ وكتبت‮ منها‮ القليل‮.‬
كلمة‮ لقراء المستقبل؟
يجب الحفاظ على الاستقلال لأنه لم يأت بسهولة، هذا الاستقلال ضحى من أجله رجال بالملايين من أفراد الشعب الجزائري منذ وطئت أقدام المستعمر أرض الجزائر الطاهرة من خلال الكثير من الثورات الشعبية التي قاومت الاستعمار وكانت ثورة التحرير هي الثورة الأخيرة التي كانت أحسن تنظيما وشملت كل القطر الجزائري وكان هناك أبطال حقيقيون قهروا الاستعمار، وفرنسا في النهاية خرجت مقهورة من الجزائر لأنهم لم يكونوا يظنون أبدا بأنهم سيأتي عليهم يوم ويضطرون فيه للخروج من الجزائر، نتمنى فقط أن يكون المسؤولون حاليا ومستقبلا في مستوى طموحات هؤلاء الشباب ومختلف طبقات الشعب الجزائري من خلال رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي للشعب الجزائري لأنه شعب عظيم ولا بد له أن ينجح في كل ما تتطلبه الأمة من وحدة وديمقراطية وتوزيع عادل للثروة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.