هو من مخلفات ظاهرة "الرُجلة"التي عششت في المجتمع في سبعينيات القرن الماضي، تزوّج في سن العشرين ومع ذلك صاحَب الخمر وكان يؤمن بأن كل ممنوع مرغوب فيه... يكفي أن تقول له هذا حرام أو هذا ممنوع حتى يمارسه في الحين... تعوّد في زمن الرجلة أن يتحدى المجتمع بالإفطار العلني. كانت السنوات تمضي والكل يتغيّر إلا عمي رمضان الذي ظل يتحدى رمضان إلى أن لبسته عقدة نفسية جعلت من صومه الشهر الفضيل من سابع المستحيلات... يقول، مباشرة بعد أن خرج من السجن على خلفية جنحة شجار مع الجيران وقرر أن يتوب وقد جاوز سن الستين من العمر... لقد كان رمضان بالنسبة لي في شبابي أشبه بالعيد، حيث كنت أتمتع وأنا أتعدى عليه بالأكل وبالشرب أمام الملأ... كنا شلة من مُدعّي الرجلة نجوب الشوارع وكأنها ملك لنا نعتدي على الحرمات ونتباهى بأن الناس تخافنا، خاصة إذا زرعنا أسماعهم بالكلام الفاحش والكُفر بالخالق، نريد دائما أن نسبح ضد التيار إلى درجة أن الصحوة الإسلامية التي هبت نسائمها على الجزائريين في الثمانينيات لم تحرك مني ساكنا، ظللت على ضلالي فكان الجميع يذهب للصلاة وأرفض أن أسجد ليس لضعف إيماني ولكن لمرض غريب لم أفهمه ولم أتمكن من معالجته... وعندما كبر أبنائي تمسكت بضلالي عن سبيل الرشاد، فلم أكن أفطر علنا ولكني آكل وأشرب في نهار رمضان رغم أنني أحيانا لا أكون جائعا أو عطشانا... وبدأت حياتي تتغير مع كبر أبنائي ولكني لم أتغير... ومن الغرائب أني صلّيت مدة زمنية طويلة وعندما حل الشهر الفضيل توقفت عن الصلاة وتعديت على حرمة الله، ومن الغرائب أيضا أني توقفت عن شرب السجائر بعد أن طالتني أمراض صدرية وتوقفت عن تعاطي القهوة ولم أتوقف عن الاعتداء على رمضان، ومن الطرائف أن الجميع يحافظ على توازنه وتركيزه في رمضان وأفقد لوحدي أعصابي وأثور كما حدث منذ عامين في رمضان 2009 عندما تشاجرت مع الجيران فحملت ساطورا أرعبتهم به وأرعبت أبنائي ومنهم أكبرهم المتزوج الذي يقطن معي رفقة أبنائه... كل النصائح التي وصلتني من كبار الدعاة بمن فيهم المرحوم محمد الغزالي الذي زرته ببيته في قسنطينة لم تنفع، إلى أن عدت في رمضان الماضي منهكا إلى البيت ليبادرني حفيدي أسامة »جدو راني صايم«... كان فرحا بصومه وهو يفتح فاه ليريني لسانه الأبيض وقلبه الأبيض، أحسست في تلك اللحظة أنني أصغر من حفيدي وأحقر من الحشرات، دخلت غرفتي وبكيت بحرقة أصغر أحفادي وحينها قررت أن أصوم لأول مرة في حياتي مع حفيدي البِكر... وصرت أواظب على صوم أيام الخميس والاثنين أما حفيدي فهو حاليا قرة عيني وقد نكون مع بعضنا البعض في العمرة.