الفتنة هي: أقوال وأعمال تخالف الشريعة الإسلامية، وتؤدي إلى انعدام الأمن، واختلال الجماعة، وحدوث الفرقة بين المسلمين. وتسمى في العصر الحاضر: الاضطرابات، والحرب الأهلية. * ولها أسباب، منها: * 1- الجهل بالدين الإسلامي بسبب إعراض الناس عن العلم، وبموت العلماء المربّين، أوتهميشهم، والاستخفاف بهم، واتهامهم بأنهم علماء السلاطين، والصحون، وعلماء الحيض والنفاس، وأنهم لا يعرفون الواقع، ونحو ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: »يُقبض العلم، ويَظهر الجهل والفتن، ويكثر الهَرْج..." رواه البخاري ومسلم. والهرج: القتل. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم هلكوا" رواه اللالكائي، وغيره. * 2- اتباع الشهوات المحرمة ومخالفة الشرع الإسلامي وضعف التمسك به. * 3- اتباع الهوى وآراء العقول وتقديمها على الشرع الحنيف، قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ مما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى" رواه أحمد. * 4- الظلم والاحتقار وأخطره ما يصدر من الحكام والسلاطين. * 5- عدم صبر الرعية على ظلم الحكام، وعلى استئثارهم بالخيرات. * 6- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو القيام بذلك بطريقة خطأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لَتَدْعُنَّهُ فلا يستجيب لكم" رواه أحمد والترمذي. * 7- الغلو في الدين وترك الوسطية. * 8- ترك المحكمات (الأدلة الواضحة من القرآن والسّنّة) واتباع المتشابهات (الأدلة المُحتملة لمعانٍ كثيرة). * 9- العجلة وترك التأني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التأني من الله، والعجلة من الشيطان" رواه البيهقي. فهناك ناس إذا رأى الغبار أقحم نفسه فيه، ولا ينتظر حتى تنجلي الأمور وتتّضح. * 10- الاستخفاف بالدم والعِرض، وكثير من هذا الاستخفاف مأخوذ في الغالب من أفلام العنف التي تُصَوّر القتل بطريقة جذابة وفاتنة. * 11- التنافس على الحكم والاقتتال على السلطة. * 12- تهييج العامة على حكامهم في الدروس والندوات والصحف، واشتغال العامة بالسياسة، وليس المتخصصين فيها. * لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفتن صباح مساء، لما فيها من أخطار ومفاسد، فمن أخطارها: * 1-انعدام الأمن، وانتشار الشك، وقلّة الثقة. * 2-أنها تَخْلِطُ الدين الصحيح على الناس. * 3-فيها خراب المجتمعات الإسلامية وتخلفها. * 4-الخضوع لضغوطات أعداء الإسلام، بسبب ضعف بُنيان الأمة الداخلي. * 5-منع الدعوة إلى الله تعالى والتضييق على الدعاة الأَكْفاء. * 6-جرأة أهل البدع على نشر ضلالهم، وجرأة الكفار على نشر كفرهم، مثل: حملات التنصير. * 7-انصراف المسلمين عن العلم بالدين الصحيح إلى الخيال والخرافة. * 8-وقوع العقوبات والقتل على من يستحق ومن لا يستحق، قال الله تعالى »واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أنّ الله شديد العقاب«. * 9-انتشار الأمراض الخطيرة كضغط الدم، والسكري، ومرض القلب... * 10-الفتنة من أقوى أسلحة الشيطان على المؤمنين. * 11-الخسران في الدنيا والآخرة. * لقد جاءت أحاديث كثيرة تبين أنّ الفتن تقع كثيرا في هذه الأمة، عقوبة على الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى »وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، وتلك الأحاديث تحذر المسلمين منها، حتى يعرفوا ما يعملونه معها، وحتى لا يقع فيها من شاء الله له السلامة منها، فينبغي على المسلمين دراسة تلك الأحاديث، ونشرها بينهم، لكن تحت إشراف العلماء، حتى تُفْهم فهما صحيحا، كما قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل أنواع الفتن، وذكر المخرج منها، حتى الفتنة الكبرى، وهي فتنة المسيح الدجال، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته وأعماله، وأمر المسلمين بعدم اتباعه، وبالبعد عنه، وأما من لقيه فعليه بقراءة عشر الآيات الأولى من سورة الكهف، حتى يحفظه الله منه، كما بيّن أن الذي يحصل له شرف قتله في فلسطين هو نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام، بعدما ينزل من السماء على المنارة البيضاء شرقَي دمشق. * كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة الخوارج، وأنهم يخرجون على الأمة في كل عصر، وأنّ من علاماتهم "يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُونَ (أي لا يقتلون) أهل الأوثان" وأنهم لا يُنصرون، وأنهم "كلما خرج منهم قَرْنٌ (جيل) قُطِعَ (انهزم)، حتى يخرج في عرصاتهم الدجال". * وكما يأخذ المسلم البيان لأنواع الفتن من الدين، والتحذير منها من السنة النبوية، فكذلك العلاج يأخذه منها، وليس من أخبار أهل الكتاب، ولا من الرؤى والمنامات، ولا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولا من التحليلات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. * فعلى المسلم قبل وقوع الفتن أن يقوم بما يلي: * 1- البعد عن أسبابها وعن كل ما يوقظها ويثيرها. * 2- المبادرة إلى الأعمال الصالحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويُمسي كافرا، ويُمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدهم دينه بعَرَض من الدنيا قليل« رواه مسلم. وقال الحسن البصري رحمه الله: في الفتنة: يصبح الرجل يُحرِّمُ دم أخيه، ويُمسي وهو يستحلّه. * 3- لزوم الجماعة والسمع والطاعة في المعروف للحكام المسلمين ولو ظلموا وطغوا، واستأثروا بالخيرات لأنفسهم وعائلاتهم، وهناك أحاديث كثيرة جدا تأمر بذلك، وكلها صحيحة، وأغلبها في صحيحي البخاري ومسلم، وهي تعني الأمراء الظالمين وليس العُدول، كما يزعم بعض الناس. فالصبر على ظلمهم مُرٌّ وثقيل، ولكنه أخف من الفتنة ومن الحرب الأهلية. وليس في هذا رضًا بالظلم والطغيان، لكنه الصبر على الشر القليل، حتى لا تقع الأمة في الشر الكبير، فتضعف أكثر، ويطمع فيها عدوها أكثر، والحل هو بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتغيير ما في النفوس مع النُّصح للحكام بطريقة لا تثير الحروب. * 4- الحرص الشديد على حقن الدماء والاحتياط للأرواح. * 5- معرفة ما يجوز فيه الاختلاف فتكون الأمة متسامحة فيه، وما لا يجوز فيه الاختلاف (الخطوط الحمراء)، فتعالجه الأمة بما لا يؤدي إلى التمزق والاضطراب. * 6- معرفة الطريقة الصحيحة لتغيير المنكر خاصة مع الحكام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده ولينصحه سرًّا، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه" رواه أحمد. * 7- تحذير الناس خاصة الشباب من الخوارج ومن الانخداع بكلامهم المعسول. * 8- ترك الكلام والحسم في الأمور العامة للعلماء، وليس لكل من هب ودب. * 9- النظر في العواقب ومآلات الأمور، قال ابن مسعود، رضي الله عنه "إنها ستكون أمور مشتبهات، فعليكم بالتؤدة، فإنك أن تكون تابعا في الخير، خير من أن تكون رأسا في الشر" رواه ابن أبي شيبة. * 10- عدم تصديق كل خبر، بل لابد من التثبت أَوّلاً، وبعدها لا يُنشر إلا الخبر النافع والصالح. * 11- عدم الثقة في نصائح الكفار، خاصة في طُرق التغيير، فإنهم لو كانوا صادقين لأعانوا إخواننا الفلسطنيين، ولحموهم من بطش الصهاينة وظلمهم وحصارهم. * 12- التعوذ بالله من الفتن، والحذر من الدعاء بالشر على البلاد والعباد، فقد كان كثير من الناس يَدْعُونَ على البلاد بالحرب والفتنة فوقعت، قال رسول الله صلى عليه وسلم: »لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسْأل فيها عطاء فيُستجاب لكم« رواه مسلم. * وأما إذا وقعت الفتنة فإنه يجب على المسلم: * 1- ترك السعي فيها، والبعد عن المشاركة فيها بقول أو فعل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يُشْرِفْ لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو مَعَاذا فليعذ به" رواه البخاري ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا"رواه أحمد. * 2- الانشغال بالعبادة، قال صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهَرْج كهجرة إلَيَّ" رواه مسلم. * 3- لزوم الجماعة و الإمام، فإن لم تكن فليعتزل، ولا يكن مع أي أحد. * 4- الرجوع إلى العلماء الربانيين الكبار، أهل الرزانة والحكمة، قال صلى الله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم" رواه ابن حبان. * 5- ترك العجلة، وعليك بالتؤدة والتبصر. فقد قال الإمام البخاري: قال ابن عيينة عن خلف بن حوشب: كانوا (أي الصحابة) يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس: * الحرب أول ما تكون فتية *** تسعى بزينتها لكل جهول * حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها *** ولت عجوزا غير ذات حليل * شمطاء يُنكر لونها وتغيرت *** مكروهة للشم والتقبيل * أي: كان الصحابة والتابعون لهم رضي الله عنهم، إذا رأوا بوادر الحرب الأهلية، قرأوا تلك الأبيات الشعرية على الناس، حتى لا يستعجلوا، لأن الإنسان في أول الأمر يحب الدخول في الحرب، لكنه بعد أن تظهر شرورها يتمنى لو لم يدخل فيها، لأنها تصير مكروهة، بسبب ما حصدت من أرواح وأموال. * 6- قبول الصلح ولو بالتنازل عن أشياء تحبها النفس، فالسلامة لا يَعْدِلها شيء، والأمن والأمان نعمة عظيمة من الله الرحيم الرحمن، قال الله تعالى: "والصلح خير" وقال تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ«، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا" رواه أحمد. * 7- كثرة الاستغفار، والدعاء، والتضرع إلى الله تعالى برفع الفتنة، وبرجوع الأمن والأمان. * اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن..