الدكتور أمين الزاوي أقول للرئيس إن مثقفي بني وي وي المحيطين به لن ينفعوه عاد مؤخرا الدكتور أمين الزاوي إلى الساحة الأدبية بعملين، أحدهما بالعربية عن الدار العربية للعلوم "حادي التيوس" وآخر بالفرنسية عن دار البرزخ "اليهودي الأخير لتمطيط".. "الشروق" التقته للحديث عن العملين فكانت مناسبة تحدث خلالها الزاوي عن رؤيته لعلاقة المثقف بالسلطة وإشكالية الكتابة واللغات، كما عاد إلى تقييم تجربته بالمكتبة الوطنية وعلاقته بالمحيط الثقافي وفاعليه، وفي مقدمتهم الراحل الطاهر وطار، فكان صريحا كالعادة ومستفزا للبرك الراكدة في التفكير وواسع الصدر في تقبل الأسئلة المستفزة وحتى تلك التي كانت بنوايا مبيتة. * * تعدو للساحة الأدبية بعملين احدهما بالعربية والثاني بالفرنسيةا على أي أساس يوزع الزاوي موضوعاته على اللغات؟ * - لا أعتقد أن مغامرتي مع الكتابة تخضع لاعتبارات اللغة العربية أو الفرنسية، وليس هناك خيارا مسبقا لأعمالي، لكني وفي للموضوعات بكل ما فيها من تكسير سواء بالعربية أو الفرنسية، وأنا أعتقد أن رواية "حادي التيوس" أكثر شجاعة وجرءة من رواية "اليهودي الأخير" بالفرنسية، لأن الرواية بالعربية تطرح إشكالية معاصرة تتعلق باعتناق الإسلام والاستشراق وغيره من الإشكاليات التي تواجه الإنسان المعاصر، لكن الرواية الأخرى بالفرنسية تطرح التاريخ وإن كانت تساءل التاريخ والتسامح وحوار الأديان لكنها تستند على التاريخ كعلم ووقائع، واعتمدت فيها على وثائق وقرأت لها كثيرا بالعربية والفرنسية والاسبانية، واعتمدت على مخطوطات، كل هذا جعلني حذرا تجاه موضوع لم تطرحه الرواية الجزائرية من قبل كانشغال أساسي، ولذا كنت حذرا من مسألة توظيف التاريخ لأن توظيفي للتاريخ ليس كعلم لكنه توظيف روائي مثل علاقة بنت سيدي عبد الرحمان الثعالبي والمغيلي في حين أن العلاقة مبنية على وقائع تاريخية، لذا فالموضوعات لا اختارها من اجل لغة لكنها تجيء هكذا، وقد حاولت أن أنقل رواية "حادي التيوس" إلى الفرنسية وكتبت حوالي أربعة فصول وتوقفت لأن الموضوع ليس رهين لغة، بل هو الذي تمليه الحساسية الفنية للرواية والسياق. * * أنت كاتب محسوب على التيار المعرب، لمن تكتب بالفرنسية، يعني هل تضع في ذهنك المتلقي ساعة الكتابة؟ * - أحب أن أكون مقروءا في الجزائر وأحب البحث عن القارئ الجزائري، لكن بقدر ما تترجم أعمالي إلى اللغات الأخرى أشعر بنوع من الاطمئنان لتوسع خارطة القراء، رغم انني احن إلى قارئ جزائري، وأريد أن تصل أعمالي إليه، لكن ليس في ذهني صورة معدة مسبقا لقارئي، فأنا لا ابحث عن جغرافيا معينة لقارئ. * * بقدر ما تحضى أعمالك بالفرنسية بالاحتفاء والقبول النقدي خاصة في الغرب تصادر أعمالك بالعربية في العالم العربي وتتعرض لقراءات مسبقة، كيف تتعامل مع هذه الإثنية في التلقي؟ * - نحن نعاني من مشكلة كبيرة في العالم العربي وهي وجود وصاية تفرضها مؤسسات تقرأ نيابة عن القارئ، فصناعة القارئ في العالم العربي هي صناعة مؤسساتية، فنحن لم نخلق قارئا مبدعا بقدر ما خلقنا قارئا منسجما مع قناعات المؤسسات المختلفة دينية كانت أو سياسية واجتماعية، وهذا يؤثر على مخيال الكاتب نفسه حتى صار الكاتب العربي يراهن على توصيل كتبه بتقديم تنازلات ونوع من البيع والشراء للمؤسسة حتى لو كانت متخيلة في ذهنه. * صحيح أن رواياتي بالفرنسية تحضى بقبول نقدي أكثر من نظيرتها بالعربية في الجزائر وخارجها، وهذا يعود إلى طبيعة القارئ، فالقارئ بالفرنسية مرتبط بمؤسسة فيها حرية أكثر من العربية، لذا يجب علينا كأدباء أن نساهم ليس فقط في صناعة النصوص، لكن أيضا علينا أن نساهم في صناعة القارئ سوسيولوجيا بالمشاركة في الإعلام وتنشيط دور الجامعة، لأننا فشلنا حتى الآن في إيجاد قارئ نقدي قارئ واع يسائل ما يقرأ * * أنت دائما تؤكد في لقاءاتك أنك تشتغل على تراث عربي بكل ما يحمل من حرية وإبداع وإرث، كبير لكن في تقديمك لهذا الإرث بالفرنسية ألا تشعر بأنك تتنازل عن شيء، ما فأنطونيو غرامشي يقول "التنازل عن المواقع اللغوية إنما هو في مقام التنازل عن المواقع السياسية والحضارية"؟ * - لا مطلقا، بالعكس عندما نكتب التراث العربي بالفرنسية يصير أسهل للتقديم، فما كتبته مثلا في إحدى رواياتي بالفرنسية كان تفكيكا لتاريخ الحجر الأسود كما قاله البغدادي، ولو كتبت ما كتبت في هذا الكتاب بالعربية لربما حُكِم عليّ بالكفر وقيل انني اشوه التراث رغم أنني لم افعل أكثر من كوني ساءلت التراث بكل ألقه وتألقه، لذا فتقديم التراث العربي بكل تناقضاته بألقه وتألقه بالفرنسية أسهل من العربية، لأننا نجد أنفسنا بالعربية في مواجهة الممنوع والتلفيقي في الكتابة. * - مقالك حول المتنبي وابن خلدون في "الشروق" أثار عاصفة من ردود الأفعال حتى أن البعض اتهمك بمعاداة الثقافة العربية، ما كان هدفك يومها من إثارة هذا الموضوع؟ * - كتابتي حول ابن خلود والمتنبي كانت تدور حول إشكالية أساسية هي كيف تحطم الأصنام، ففي الإبداع كما في السياسة لا يوجد صنم، الصنم موجود فقط في الدين، ففي النهاية كل الديانات خرجت من الصنم، أما الكتابة فمرتبطة بالاجتهاد وتحطيم الإيقونات التي تحتاج إلى قراءة جدية حتى تصير إيقونة أكثر، ومقالي حول ابن خلدون والمتنبي يدخل في إطار سلسلة من مقالات حول شخصيات وأشياء أخرى لإعادة قراءة هذا المصنف في رؤوسنا، وهذا يدخل أيضا في إعادة صناعة القارئ، لا أريد قارئا إيمانيا لأعمالي بقدر ما أريد قارئا يطرح أسئلة ويخرج بسؤال آخر، لا أريده أن يخرج متوضئا بصلاة، والذين هاجموني من حقهم لأنني مصنوع من قبول الرأي الآخر، لكنني أطالب في المقابل أن يكون رأيي مقبولا في إطار آداب الحوار والجدال الفكري. * * أينما مررت تثير عاصفة من النقد والانتقاد، ألا يتعبك أن تكون دائما شخصا مستفزا؟ * - الاستفزاز الموجود عندي مرده المجتمع الذي يستفزني بما هو راكد فيه وأقفاله، وهذا يستفزني ككاتب، ويبدو لي أصله من بنيات المؤسسات القائمة والصورة التي يعكسها عن ذاته، لذا أقول إن رواياتي تدخل في إطار ثقافة التحريك والاستفزاز الراكد، مؤسسة على وجوب النظر في مرآة الذات وبمستويات معينة، ونحن في العادة لا ننظر في مرآة أنفسنا، حتى أنا لا استطيع أن أواجه نفسي في المرآة أكثر من ثلاث دقائق، ويجب أن يعترف المجتمع انه قبيح، ولكن يمكن أن يكون شيئا آخر ويصلح نفسه، الاستفزاز الذي اكتبه لا اكتبه خارج القراءات الشخصية، كل ما هو موجود من استفزاز هو مؤسس على تراث وإرث وقراءات، لأنني ضد الاستفزاز المجاني والسب المفتعل، وأنا أعتقد أن القارئ لما تقدم له نصوصا مستفزة ومبنية على خلفية يتقبلها حتى وإن صدمته في البداية، لكنه بمرور الوقت يتقبلها ويشغل أسئلته حولها. * * ألا تعتقد أن جزءا من أزمة صناعة القارئ في العالم العربي التي تحدثت عنها تعود إلى تنميط هذه الأقطار ومحاولة جعلها نسخة عن بعضها، خاصة أنك إبان الأزمة بين مصر والجزائر رافعت لصالح إعادة قراءة العلاقات الثقافية بين المشرق والمغرب العربي؟ * - هذا صحيح، يبدو لي بعد دخولنا في جغرافيا سياسية جديدة وأسئلة جديدة سلبا وإيجابا مع الآخر يتحتم علينا إعادة قراءة الجغرافيا البشرية اللغوية، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، وأعتقد انه حان الوقت ككتّاب ومثقفين أن نقدم صورة أخرى للاختلاف الذي هو إضافة ضرورية للخروج من هيمنة الشرق، وهي مسألة أساسية، فابن عربي كان من الأوائل الذين افتخروا بمغاربتهم أمام الشرق وشعر بنوع من الابوية المشرقية على الأندلس والمغرب والتجربة المغاربية في الفلسفية وعلوم اللغة وثلاثية اللغة في الإبداع المغاربي: العربية والامازيغية والعربية حان الوقت لنقدم الصورة الجدية لإخوتنا في المشرق، انتهى عصر الجزائري الذي لا يحسن العربية وانتهت الاسطوانة التي تقول إن اللهجة الجزائرية غير مفهومة، فالذين لا يعرفون الحديث بالعربية هم المشارقة، لأن المصرية واللبنانية لا يمكن أن تكون لغة المحاضرات في الجامعة، لا يمكن فرضها على أساس أنها هي لغة عربية فالانتلجانسيا المغاربية مدعوة لإعادة تقييم الإنتاج الثقافي، وأنا متأكد أننا نحتاج إلى مجموعة من الندوات لحوصلة ما تم انجازه على مستوى الانتلجانسيا على مساوئ الترجمة سينصف المغاربيين في هذا البعد. * * كنت من الذين انتقدوا العام الماضي جائزة البوكر، هل يعنى هذا أن الجوائز لا تهمك؟ * - الجوائز بالمنطق العربي السائد لا تعنيني مطلقا، كان لنا أمل كبير في البوكر لكنها للأسف لم تمشي في الاتجاه الذي كان يتمناه المبدع العربي، وإن كان لم يفت الوقت لاستدراك مجموعة من آليات الجائزة ونقدها، ليس من منطلق تحطيمها بقدر ما هو تنبيه لوجوب احترام معايير تقييم الإبداع والمبدعين والذهاب بها بعيدا والارتفاع بقيمتها المعنوية خاصة عربيا ودوليا، لأننا بحاجة لأن نرتقي بهذه الجائزة لتصير جائزة كل المبدعين العرب وليست جائزة جماعة أو شلة لهذا، بقدر ما يهمني أكيد أن تحضى أعمالي بالجوائز أعتبر نفسي غير معنى مطلقا بالجوائز بالمنطق العربي. * * روايتك "السماء الثامنة" أحرقت في سيدي بلعباس في ثمانينيات القرن الماضي بسبب مقال حول الشيخة الرميتي، هل يمكن أن تعود بنا إلى تفاصيل الحادث؟ * - عرفت الشيخة الرميتي حيث كنت أول من حاورها في جريدة "الجمهورية" وكنت حينها طالبا في الجامعة ومتعاونا في "الجمهورية"، وجاءت هي باكية إلى مقر الجريدة، وصادف يومها تواجدي في التحرير فسجلت معها حوارا، وكانت تشكو من الذين سطو على حقوقها وأغانيها، وأذكر أنها غنت لنا وتجمع حولها الصحفيون، وأذكر أيضا أنها قالت لي "يا ابني هذا الوشم سلم عليه بومدين ودوغول" نشرت المقال تحت عنوان "الرميتي والقصاصبة" وحكيت حكايتها مع الأزمة التي تعيشها، في اليوم الثالث لصدور الحوار صودرت الجريدة من الأكشاك وكان المد الديني حينها قد بدأ فتم الاعتداء عليّ ليلا حيث أدخلت المستشفى لمدة يومين، هذه كانت قصتي مع الرميتي التي حولتها إلى رواية، وأكيد أنها لم تعجب البعض رغم أن الرميتي لا تقل أهمية عن "ألفيس بريسلي" ولها حق الاعتراف الرمزي. * * أخذ البعض على أمين الزاوي أنه كتب عن رحيل وطار في جريدة "ليبرتي" بطريقة مخالفة عن ما كتبه في "الشروق"، الأمر الذي اعتبر تناقضا من طرفك؟ * - وطار مثقف مزاجي ولا صديق له، ومن يعتقد انه صديق وطار هو واهم، الطاهر وطار دون شك روائي كلاسيكي كبير، وقد كتبت هذا في الصحف وأنجزت حصتين ضمن برنامج "جواهر" حول روايته "اللاز" واعتبرتها إلى جانب "التطليق" لرشيد بوجدرة و"نجمة" لكاتب ياسين علامات فارقة في الرواية الجزائرية في صناعة التمرحل في الكتابة الروائية، وقد هاتفني وطار مباشرة بعد نهاية الحصة، لكن في مقابل ذلك لي الحق في الاختلاف معه، وهذا ليس غريبا ولا جديدا، وكتبت للطاهر وطار فاكسا في يوم من الأيام، وعبد العزيز بوباكير سبق أن نشره كاملا في "الخبر الأسبوعي" وأبديت له موقفي مباشرة منه في أحد حواراته لما أقيل من الإذاعة في عهد حكومة غزالي، قال إن هؤلاء أبناء دشرة واحدة، فقلت له إن المثقف والكاتب الذي يعتبر رمزا لا يقول هذا الكلام، وكنت يومها بعيدا عن المؤسسات، ورغم الاختلاف في الرؤى بيننا استضفته في وهران عدة مرات وكرمته في المكتبة الوطنية وأعطيناه شيكا ب 10 ملايين سنتيم ولم نعطها لأي احد، وأقمنا له معرضا من أجمل المعارض في المكتبة، لكن من حقي أيضا أن يكون لي رأي في وطار، لأنه ليس نبيا ولم يكن يقول انه نبي، لكن الصغار هم الذين جعلوا منه نبيا. * رأيي في وطار عبرت عنه في "ليبرتي" و"الشروق" وحتى في "الجزيرة" وقلت انه جنت عليه حماسته الزائد للعروبة وهو الذي جعله يتخذ موقفا من جاووت، أما الذين قالوا إنني حاولت تصفية حساباتي مع وطار بعد وفاته هم مخطئون لأنهم يعرفون موقفي من وطار يوم كان حيًّا، لكان الاحترام كان دائما موجودا بيننا، وما زلت إلى اليوم اقدر في وطار روائيا كلاسيكيا كبيرا ومزاجيا كبيرا في الثقافة الجزائرية. * * قلت يوما في أحد تصريحاتك إن القارئ المعرّب قارئ عنيف، على أي شيء استندت يومها في إطلاق حكمك؟ * - نعم القارئ المعرب عنيف وكسول أيضا، لأن المؤسسات جعلت منه قارئا مؤمنا بالبديهيات لا يسأل، وأيضا خاضعا وغير مبدع، ولكن القارئ المعرب بشكل عام قارئ غير متأمل يدخل النص بنية مسبقة وبحكم مسبق على الكاتب، لم يخرج من فلسقة الكلمة وقراءة الجرائد إلى قراءة النص الأدبي، ما يزال القارئ المعرب هو قارئ الجرائد وليس قارئ الكتب، ولم نستطع الخروج به إلى النصوص المبدعة، وبقي يدور في الفراغ وقراءة الجرائد حتى يدفن فيها، في حين القراءة بالفرنسية للأسف أولحظ أن الجزائري هو قارئ نصوص، وهناك ظاهرة لا نجدها عند قراء العربية أن الجيل الجديد يقرأ الآن بالفرنسية ونلمس هذا في معارض الكتب واللقاءات الجامعية. * * لم يكن مرورك على المكتبة الوطنية عاديا، حيث تركت خلفك عواصف من الإشاعات والآراء والجدل أيضا، هل أنت نادم على قبولك منصب المدير في المكتبة؟ * - لا أبدا، أنا قمت بواجبي وأنا سعيد وأفتخر مع كل الأصدقاء بما حققناه، وقمت بدوري كاملا، المكتبة لم يكن لها وجود من قبل وليس لها وجود اليوم، لأن هذا كان برؤية معينة للعمل الثقافي صارت اليوم تجربة يحتذى بها، وأنا جد سعيد أن المكتبة الوطنية الفرنسية، وهذا باعتراف مديرها جانوني، استمدت تجربة المكتبة الوطنية الجزائرية في إعارة الكتب وقامت بمراجعة قانونها الداخلي، لهذا الغرض لا وجود للمكتبة دون حياة ثقافية، مكتبة دمشق مثلا هي التي تنظم الأمسيات الكبرى ومعرض الكتاب، ومكتبة المغرب أيضا، ومن يتحدث عن الرقمنة أقول له قبل خروجي من المكتبة أنجزت مخبر التصوير، وكونا إطارات في فرنسا لهذا الغرض، وحتى تصنيف المخطوطات ومكتبة بن شنب للرصيد الجزائري ومكتبة الإبراهيمي كان يشتغل بها عمال مصلحة التصنيف حتى أيام الجمعة، غير أن كل هذه الأعمال لم تكن تستقطب الأنظار، رغم كل هذا ما زلت أؤمن أن المكتبة هي حياة ويجب أن تعود إلى حياتها، وستعود اليوم أو غدا. * * ألا تعتقد أن مرورك بالمكتبة جنى عليك؟ * - يمكن، لأنك تعرفين طريقة التعامل وغيرت بعض الناس ودخول بعض الأشياء الذاتية، والذاتي يحطم ولكن في نهاية الأمر المناصب تذهب وتبقى الكتابة، أن تكون كاتبا لن يتبرع لك بها أحد لا من تحت ولا من فوق، ولكن المسؤولية متروكة للتوازنات والصدف. * * هل ما زال الزاوي مقتنعا أن السلطة ليست بحاجة لمثقف بني وي وي؟ * - نعم، وخاصة في هذه الظروف، السلطة ليست بحاجة لمثقف بني وي وي، وهي مجبرة لكي تصنع وجهها الديمقراطي وترتب بيتها أن تقبل بالمثقف الناقد، ولا يعني هذا أن يكون المثقف داخل المعارضة، أنا لم أكن يوما في المعارضة، لكن دور المثقف النقدي كيف يستشرف التاريخ والأزمات، وما قد تؤول إليه المؤسسات لأن السلط تذهب لكن المؤسسات تبقى، وأنا أعتقد أن الجزائر ليست بحاجة إلى مثقف بني وي وي، وأقول للرئيس ان بني وي وي الذين حوله لن ينفعوه بل الذين ينفعوه هم الذين يقدمون التوجه الديمقراطي النقدي للإصلاحات. * * على ذكر الإصلاحات، كمثقف هل أنت متفائل بمسار التغيير في الجزائر؟ * - نعم أنا متفائل لأن التغيير مسألة تاريخية لا يمكن الهروب منها، صحيح أننا نستعجل التغيير، وهذا ليس جيدا، لكن التأخير أفدح، لذا السلط الذكية هي التي تعرف التغيير في الوقت المناسب، فإذا كنا نقول الرجل المناسب في الوقت المناسب فإننا نستطيع أن نقول أيضا في الوقت والزمن المناسب. * وأنا أعتقد أن التغيير في الجزائر لم يمر عليه الوقت، صحيح أن أمن الدولة ليس لعبة والجزائر عانت كثيرا ولا يمكن أن نعود من جديد إلى الفوضى، لكن عندي إيمانا بأن التغيير الذي سيقع في الجزائر سيكون نموذجا للعالم العربي لن يكون عنيفا وليس انقلابيا، لكن تدريجي وطبيعي، وهذا هو الذي يصلح في هذه المرحلة دون تشويه ما تم تحقيقه حتى الآن ودون العودة إلى الفوضى، صحيح أن التوازنات ليست سهلة ونحن محاطون بمتغيرات إقليمية والتكالب ولن يكون الأمر سهلا، لكني أعتقد أن الوقت المناسب لتغيير هادئ ونموذجي في الجزائر. *
* * أشرفت على مؤسسة لها علاقة مع الكتاب، برأيك إلى ماذا يحتاج هذا القطاع في الجزائر؟ * - الكتاب هو أصل التغيير وأساس الثقافة، لكن يجب أن لا يتحول إلى استهلاك سياسي، كيف يمكن صناعة ثقافة الكتاب دون الحديث عن الكم لأنه يقتل الكتاب، فنحن نشرنا آلاف الكتب، كم من كتاب جيد نشرناه، علينا أن نقوم بحصيلة لما نشرناه، ما هو الكتاب الظاهرة الذي أحدث ضجة أو ترك أثرا؟ فالعبرة ليست بالكم أو الإكثار لأنه يعمل على ابتذال الكتاب ويقتله، وحتى المؤسسات التي تقوم بالترويج للكتاب هي بحاجة لأن تكون مؤسسات غير صماء، بل يقوم عليها من يوجه القارئ ويحبب القارئ في الكتاب، علينا أن نختار الكتاب الذي يترك الأثر، فالكتّاب الذي قرؤوا في الجزائر جاؤوا من الخارج، كيف يمكن أن نروج للكتاب ونحترم الكتاب لأن الكتّاب ليسوا قطيعا.