اضطرت مؤسسات الدولة نهاية الأسبوع المنصرم الى التدخل لتنفي أو تكذب أخبارا نشرت في الصحافة الوطنية، وعلى رأسها الوزارة الأولى ووزارة الدفاع الوطني، وسوف لن تكون الأخيرة دون شك، مادامت قنوات الاتصال والتواصل مغيبة أو مسدودة... * ما يجعل التعتيم سيد الموقف، وبالمقابل تصبح الجرأة، التي كثيرا ما تتحول إلى "تهور"، حصان الإعلامي للوصول الى الحقيقة، في خضم تسابق محموم على اكتساب ثقة القارئ والرأي العام عموما، والمعادلة كلها تجعل من مواقف المؤسسات، على أهميتها وحساسيتها، ومن خلالها الجزائر، مجرد ردود فعل، بدل أن تكون صانعة للفعل والأثر. * الإعلاميون، قبل المواطنين، يعانون كثيرا في الوصول الى مصدر الخبر، وفي كثير من الأحيان، يدفع تساؤلهم مؤسسات الدولة الى تسجيل ملاحظة، أما الرد فأمر آخر، والأغرب أن يطلب منك المكلف بالاتصال أو الإعلام أن ترسل إليه طلبا خطيا لنقله الى المسؤول المعني، في تجاهل صارخ لأهمية الخبر وآنيته، رغم أهمية وحيوية التواصل في حياة المجتمع وتماسك مؤسساته، لأنه يؤسس لوعي ووجدان جماعي مشترك ويلغي كل الحواجز والأسوار المفتعلة من هذا الطرف أو ذاك، بل ويعتبر في كثير من المسائل جبهة متقدمة في مختلف المعارك، وهو ما أدركته دوائر صنع القرار في العواصم الفاعلة في العالم، التي جعلت من تنظيم ندوات صحفية دورية، يومية أو أسبوعبة، تقليدا راسخا في ثقافة أنظمة الحكم والمجتمع ككل. * وما يترجم هذه المعاناة وتشوق الإعلامي والمواطن الى المعلومة والحقيقة في حينها، والرد على علامات الاستفهام الحائرة والمعلقة، هو ذلك التسابق والكم الهائل من الأسئلة المطروحة المسجلة في أية فرصة تتاح لمقابلة مسؤول ما، مثلما يحدث مع ندوات الوزير الأول المناسباتية، أو خرجة وزير ما في زيارة، وخاصة وزراء السيادة، مثل، الخارجية، الدفاع، الداخلية، المالية، ويتظاهر الأمر بقوة في جلسات افتتاح واختتام الدورات البرلمانية، حيث تتحول كواليس غرفتي البرلمان الى فضاء للحوار والمكاشفة وحتى المساءلة، على غرار ما يحدث تحت قبتيهما في الجلسات الرسمية. * لقد ترك قرار إلغاء منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة، مثلا، والذي كان يعقد ندوة صحفية أسبوعية مفتوحة تعقب كل مجلس وزراء، فراغا رهيبا في مجال الاتصال والتواصل بين مؤسسات المجتمع، وهو نفس الشأن بالنسبة للندوات التي كانت تعقد في وقت سابق في وزارة الخارجية، ويرد فيها على كل الانشغالات المطروحة، حيث يصبح الإعلامي حلقة مهمة وموثوقة في تناول القضايا وصناعة الرأي العام. * ولعل من أبرز هذه التقاليد الهامة والواعية، والتي افتقدناها منذ سنوات، عقد لقاءات دورية بين مسؤولي الدولة ومديري نشر الصحف، يحدث فيها تواصل خارج البروتوكالات، وتبادل للأفكار والرؤى، يخرج فيها كل طرف من قوقعته، ليوضع في الصورة كاملة دون نقاط ظل، ولو كانت الأمور غير معنية بالنشر، ومن ثمة يتحمل كل طرف مسؤولية تناول الأفكار والانشغالات المطروحة وبشكل يتكامل مع معالجة باقي الأطراف. * ودون هذه الرؤية الواعية لأهمية الاتصال والتواصل، فإن وسائل الإعلام، ورغم اجتهادها والتزامها المعني، قد تجد نفسها في غمرة الأحداث مجانبة للصواب، بل ومصدر نيران طائشة أو عبثية، تصيب أهدافا غير مدروسة، بما فيها رصيدها من الثقة.