المعلومة ليست غالبا في متناول الإعلاميين المستشار الإعلامي، المكلف بالاتصال أو الناطق الرسمي، كلها تسميات تطلق على الشخص الذي يفوض مهمة الاتصال والإعلام وحلقة الوصل والتواصل بين مختلف الهيآت وبين وسائل الإعلام بكل أنواعها. * * هو منصب أصبح يصنف ضمن مناصب إطارات الدولة، تابع في تركيبته الهيكلية إلى الدواوين إذا تعلق الأمر بالدوائر الوزارية، وحتى رئاسة الجمهورية، ويقع تحت العناية الخاصة للمنصب الأعلى في الشركات والمؤسسات الكبرى، إذا تعلق الأمر بالمؤسسات الاقتصادية، ويلحق بالهيئة التنفيذية عندما يتعلق الأمر بالأحزاب السياسية... امتيازاته تشرح الصدور، غير أن نجاعته وفاعليته كمنصب وظيفي ضمن أي هيئة تفتح أبواب الاستفهام واسعا... فهل المستشار الإعلامي أو المكلف بالإعلام وظيفته توفير المعلومة وتسهيل وصولها وتمهيد الطريق أمامها حتى تلقى طريقها وتساهم في تنوير الرأي العام، أم هي وظيفة، تعد بمثابة الممهلات، و"جدران عازلة" تحول دون تسرب المعلومة، وممارسة "التضليل الإعلامي" في ظل إرادة مبيتة لممارسة "الغلق المحكم" على المعلومة والحيلولة دون وصول الحقيقة للباحث عنها، ودليل ذلك عشرات التوضيحات والتكذيبات التي تصل قاعات التحرير،رليس لأن الصحفي يرفض البحث عن الحقيقة والتقصي فيها ولكن نظرا لاستحالة وصول المعلومة. * الكل يلجأ للإعلام والصحافة عندما يريد الترويج لإيجابياته سواء كان شخصا مسؤولا أو مؤسسات أو شركات اقتصادية، وبنفس طريقة هؤلاء في عرض بضائعهم وسلعهم، تروج مؤسسات الدولة ودوائرها لإنجازاتها الإيجابية، غير أن كل هؤلاء يرفضون الخوض في الجوانب السلبية للسياسات والقرارات، وعند هذه المحطة التي تحتاج إلى إرادة في إخفاء "السلع الفاسدة" تبدأ مهمة من يفترض فيهم تسهيل وصول المعلومة، وهم المكلفون بالإعلام على اختلاف تسمياتهم، وعوض الحرص على تحقيق نسب من التساوي والعدل بين المعلومة الإيجابية بالنسبة لهم طبعا والسلبية فإن الواقع يقول غير ذلك. * المستشار الإعلامي هو منصب لا وجود له إداريا، غير أنه وجد حيزه في التقسيم الهيكليللهيآت الدولة ومؤسساتها، إذ أن هذا المنصب يقابله في هياكل مؤسسات الدولة ودوائرها ما يصطلح عليه بالمكلف بالدراسات والتلخيص، هؤلاء يعينون بمرسوم رئاسي، هذا المرسوم الذي يعتبر ضربة حظ بالنسبة للعديد منهم، لأنه يرقيهم لمصاف إطارات الدولة، ومعلوم أن لقب إطار الدولة يطبعه "البريستيج" وتصاحبه الامتيازات وتحميه الأجور العالية وتكون خير راع له، لكن لماذا تتحمل الدولة والخزينة العمومية أعباء هؤلاء لتوصيل المعلومة أم لمنعها؟ولصالح من يمارس "التضليل" ونتيجة لإرادة أي جهة...؟ ولماذا توجه أصابع الاتهام للصحفي والإعلامي عندما يجانب بعض جوانب الحقيقة على أنه يسعى للتشويش وضرب الاستقرار وأحيانا التحريض؟ * في الولاياتالمتحدةالأمريكية يجوز للصحفي، وبقوة القانون أن يحضر اجتماعات الحكومة، كما يحق له طلب الإطلاع على أي ملف، مادام لا يحمل الطابع الأمني الذي يجعل الإطلاع عليه تهديدا للأمن القومي، ووحدة الأمة، في الجزائر أي معلومة وعلى بساطتها تدخل في خانة السري للغاية، فهل يحق لنا أن نلوم المكلفين بالإتصال على أدوارهم كممهلات وجدران عازلة، أم نلوم الأكثر منهم مسؤولية على "مركزية القرار" والسلطة معا من دون أي تفويضات. * * الوصول إلى مصدر المعلومة غاية لا تدرك * وزارات يصعب اختراقها وأخرى تتعامل بالرسميات فقط * تحتل بعض القطاعات الوزارية الصدارة في صدّ أبوابها أمام وسائل الإعلام من خلال مكلفيها بالإعلام، الذين كثيرا ما يتحولون إلى حائل يصعب اختراقه من أجل الوصول إلى المعلومة أو مصدر الخبر، رغم حساسية تلك القطاعات وصلتها الوثيقة بالمواطن، وهو ما يتطلب ضرورة تفتحها على العالم الخارجي، وان لا تبقى مجرد علبة مغلقة يجهل ما بداخلها. * ويمكن تصنيف الوزارات وكذا المؤسسات العمومية من ناحية صعوبة الوصول إلى مصادر الخبر بها، انطلاقا من كيفية تعاملها مع وسائل الإعلام، وكذا من خلال انتقائها للمعلومات التي تسربها للصحف، التي لا تخرج عادة عن النشاطات الرسمية للوزراء، من بينها الاجتماعات التي يعقدونها على مستوى دوائرهم الوزارية، وكذا اللقاءات التي تجمعهم بنظرائهم الأجانب أو بالوفود التي تأتي من الخارج، في إطار تبادل الخبرات والتجارب، أو التوقيع على الاتفاقيات المشتركة. * ووفقا لهذه المعايير يمكن اعتبار وزارات الداخلية والعدالة والصحة والنقل والتجارة والمالية والتربية والصناعة وكذا وزارة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، من أصعب القطاعات الوزارية التي يمكن اختراقها، والتعامل بسهولة مع مكلفيها بالإعلام، من أجل استقاء المعلومات الوافية حول ملفات تتعلق باهتمامات المواطن وانشغالاته، غير أن تحقيق هذا المبتغى يبقى مستحيلا بالنظر إلى جملة الحواجز التي يجابهها الصحفي، حينما يرفع سماعة الهاتف ويريد مكالمة أحد المكلفين بالإعلام بتلك الوزارات، سواء من أجل تأكيد أو تفنيد معلومة، أو الحصول على تفاصيل إضافية لإثراء موضوعه. * ولا يخرج الرد الذي يتلقاه الصحفي عن إطار محدد، وكأن تلك الوزارات اتفقت فيما بينها على صيغة محددة في تعاملها مع الصحافة، ومن ضمن الردود التي يتلقاها الصحفي، ضرورة إرسال طلب يتضمن فحوى السؤال، قصد توجيهه إلى الجهات المعنية للإجابة عنه، أو أن المعطيات لا يمكن جمعها فورا، لذلك ينبغي انتظار أسبوع كامل، ولا يهم إن كان الموضوع لا يحتمل التأجيل، وقد لا يرد المكلف بالإعلام أصلا حينما يتبين له بأن الاتصال مصدره صحيفة محددة. * وفي الواقع فإن كل تلك الردود تصب كلها في سياق واحد هو التكتم والتعتيم على الخبر، في ظل استمرار اللبس والغموض حول سبب إصرار تعامل المكلفين بالإعلام لتلك الوزارات بهذا الأسلوب. * * بعضهم "راڤدة وتمونجي" وبعضهم "فيزيبلات" لحماية المسؤولين * هواتف مجانية، أجور مغرية وقروض بلا فوائد مقابل اللاّإتصال * يتقاضى المكلفون بالإعلام والاتصال على مستوى الهيآت العمومية أو المديرين المكلفين بالدراسات والتخليص حسب ما تعرفهم الجريدة الرسمية أجورا مغرية وامتيازات تضاهي امتيازات إطارات الدولة السامين، ما يُثير شهية الكثير من الطامحين والطامعين في حمل حقيبة المستشار الإعلامي أو المكلف بالاتصال والعلاقات العامة وتسيل لعاب المتزلفين الذين لا يجتهدون إلا من اجل افتكاك امتيازات المنصب دون أداء المهام والواجبات التي يمليها ذات المنصب. * وأشارت مصادر مطلعة بملف أجور وامتيازات من يفترض أن يكونوا في خدمة الصحافيين ورجال الإعلام إلى أن أجرة المكلف بالاتصال في الوزارات والهيآت الإدارية يتحكم في تحديدها شرطان أساسيان، يتمثل الأول في عامل الأقدمية في الإدارة الجزائرية، حيث يترقى إطار الدولة في سلم الأجور حسب مدة الخدمة والعطاء، كما يُحتسب كل يوم يمر عن صدور المرسوم الرئاسي في الجريدة الرسمية الذي بموجبه تم توظيف مدير الدراسات والتخليص في هيأة إدارية معينة لصالحه، حيث يلعب عامل أقدمية مرسوم التعيين دورا مهما في تضخيم أجرة صاحبه. * وأوضحت مصادر متطابقة أن أجرة القائمين على الإعلام والاتصال بالهيآت الإدارية تتراوح ما بين 40 ألف دينار جزائري و100 ألف دينار جزائري، فضلا عن استفادتهم من قروض بلا فوائد وطويلة الأجل تصل إلى 800 ألف دينار جزائري، وهي الميزة التي يتقاسمونها مع مختلف إطارات الدولة، كما تمنحهم الإدارة الجزائرية هواتف متعددة الوسائط مجانا مزودة بخطوط هاتفية لإجراء مكالمات مجانية تُسدد تكلفتها خزينة الإدارة، وفي الأصل، هذه الامتيازات وُضعت لتسهيل مهمة القائمين على الاتصال لخدمة الصحافيين، إلا أن أغلب المكلفين بالإعلام يغلقون هواتفهم في أوجه الصحافيين رغم أنهم استفادوا منها مجانا خصيصا لإبقائهم على إتصال دائم بممارسي مهنة المتاعب. * أما أجور المكلفين بالإعلام في المؤسسات الخاصة فتخضع إلى قواعد السوق الرأسمالية، حيث تتجاوز في بعض الأحيان عتبة 500 ألف دج، في حين يتمتعون بامتيازات خيالية كسيارة مهداة من رب العمل وجهاز كمبيوتر محمول وما خفي كان أعظم!. * * متقاعسون في منح المعلومات و"شاطرين" في التوضيحات * ..عفوا إن رقم مراسلكم لا يرد أو خارج مجال التغطية * إن رقم مراسلكم لا يرد، تتكرر الأسطوانة مع كل اتصال، هذا إذا امتنع المكلف بالإعلام عن الرد في هاتفه النقال المجاني، فيما تتكفل السكرتيرة بمهمة الهاتف الثابت بقولها "عفوا إن مسؤولي غير موجود .. إنه في اجتماع"، وإذا ما أجاب المكلف بالإعلام عن هاتفه بعد 70 اتصالا فإن جوابه لن يخرج عن دائرة "لا يمكنني الحديث دون أمر المسؤول الأول، ابعث لنا بفاكس وانتظر الرد". * سواء كان المكلف بالإعلام على مستوى الوزارة، أو منظمة أو مؤسسة رسمية، فإن عناءنا كصحفيين يكمن في التأكد من صحة بعض المعلومات التي تصلنا، لكننا غالبا ما نصدم بالأرقام الهاتفية للمكلفين بالإعلام والتي لا ترد إطلاقا، فمسألة امتلاك الصحفيين لأرقام هواتف المكلفين بالإعلام لم تعد ذات منفعة عامة، حيث لا ترد أرقام هؤلاء، فيما يضطرون لغلقها عندما يتعلق الأمر بحدث مطروح بقوة في الساحة الإعلامية، ويزداد الأمر سوءا إذا ما رد المكلفون بالإعلام عن المتصل، حيث يلجأون إلى شروط تعجيزية، أكتب فاكس، وعليه توقيع رئاسة التحرير، وابعثه وانتظر الجواب، طبعا الجواب الذي يمشي بسرعة السلحفاة، إذ تؤجل الكثير من المواضيع إذا ما تعلق الأمر بالتأكد من صحة معلومة إلى أكثر من أسبوع، يكون عندها السبق الصحفي قد أصبح في خبر كان. * لكن قناة البحث عن التأكد من صحة المعلومة لا تسلك سرعة السلحفاة إذا ما تعلق الأمر بالتوضيح أو الرد السريع، فربما قبل أن يصل الصحفي إلى مكتبه يكون في انتظاره رد موقع من المكلف بالإعلام، بل أن الكثير من هؤلاء، تجده في مقر الجريدة طالبا كتابة التوضيح، إذا ما كان موضوع الصحفي يصب في خانة تشوه صورة مسؤوله لدى مسؤوليه. * وهناك أمر آخر يبعث على الدهشة عندما يتدخل بعض المكلفين بالإعلام في الندوات الصحفية التي يديرها مسؤولوهم، فهم يصرون على كتابة الجوانب الإيجابية وفقط، وهناك من المسؤولين من يقعون في زلات لسان، أو يعطون أرقاما مخيفة عن قطاعهم، ننقلها نحن كصحفيين وإذ بنا نفاجأ بسرعة الرد والتوضيح الذي يطالب برد الاعتبار للمسؤول، لأنه لم يكن يقصد ما قال. * * السياسيون يجففون منابع المعلومة خوفا من الانقلابات وحركات التصحيح * أحزاب تربط ألسنتها وأخرى مصابة بالإسهال و"الثرثرة" الاتصالية * تتباين مواقف الأحزاب السياسية وردودها من مختلف القضايا المطروحة عليها من قبل وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، في وقت تسهل الاتصالات بهم سواء بالمكلفين بالإعلام أو بالناطقين الرسميين الذين هم في العادة قادة الأحزاب، ويجمعهم التخوف من انفلات المعلومة التي تغذي الحركات التصحيحية بداخل هياكلهم. * ويشكل التجمع الوطني الديمقراطي، ما يمكن تسميته "الظاهرة" من حيث تجاوبه مع ممثلي وسائل الإعلام، حيث يغلق كل منافذ التواصل، رغم أن سرعة رن هاتف مكلفه بالإعلام، ميلود شرفي، فائقة غير أن التجاوب والتوضيح منعدم وسببه دوما الرجوع إلى هياكل الحزب والمكتب الوطني والأمين العام في مناقشة مختلف القضايا حتى أبسطها. وفي نقيضه، يقوم سعيد بوحجة، المكلف بالإعلام بحزب جبهة التحرير الوطني، بالرد على كل الاستفسارات ساعة الاتصال دون الإرجاء، غير أنه يعطي دوما صورة على أن "الأفلان" محق دوما في قراراته المختلفة. * أما، محمد جمعة، المكلف بالإعلام بحركة مجتمع السلم، فيحاول دوما لعب دور الناطق باسم الحركة والمحافظ على صورتها التي تأسست على يد الراحل، محفوظ نحناح، وبالأخص مع الأزمة الناشبة، ببيت "حمس" حول الصراع على القيادة، والذي يقوده جناح معارض دوما لوجود أبوجرة سلطاني، كخليفة لنحناح رغم تمكن هذا الأخير من تسيير أزمات وافتكاك حقيبة وزير دولة. * حزب العمال يتصدر طليعة المتجاوبين، حتى أيام الجمعة، ويسهم في إعطاء مواقف وبشكل واضح، غير أنه عادة ما تكون الإجابة، على لسان القيادي، جلول جودي، مقتضبة وبجمل قصيرة في القضايا الحساسة التي تتعلق بقرارات سيادية تتخذها السلطات، حيث يبقى التفصيل لما بعد انعقاد هياكل الحزب. * أما حزبا المعارضة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية " الأرسيدي" وجبهة القوى الاشتراكية "الأفافاس"، فيلعبان على وتر التواصل الإعلامي لإبراز وجودهما على ساحة المعارضة ضد النظام القائم، حيث يدرك الدكتور، محمد خندق، عن الحزب الأول، أهمية ودقة نقل المعلومة، فيحرص دوما على إبلاغ الصحفيين وتزويدهم بالمعلومات الضرورية. ونفس الشيء يقوم به الناطق باسم "الأفافاس" والسكرتير الأول، كريم طابو، فيما يقوم، موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، بالرد على استفسارات الإعلاميين في إعلان مواقف "الأفانا" من القضايا السياسية المطروحة في الساحة، ويحرص في ذلك على الحد مما يمكنه تزويد التمردات داخل حزبه. * ومن جانب المنظمات الوطنية، فإن الاتصال مع الأسرة الثورية يتم بسرعة في حالات المساس بالقضايا التاريخية وماضي الكفاح المسلح، ويكون جيد مع "الباترونا" عند حاجة هذه الأخيرة لرفع تظلم من ارتفاع الضرائب. أما المنظمات العمالية وعلى رأسها المركزية النقابية فإن المكلف بالإعلام، رشيد ايت علي، يثبت ما يصرح به الأمين العام وتبقى مستجدات المعلومة دوما من صلاحيات الأمين العام. * * مسؤولو الاتصال بالوزارات والهيئات والشركات لا يعرفون طبيعة مهامهم * أجرت "الشروق" عدة اتصالات مع مكلفين بالإعلام على مستوى مصالح عديدة لطلب معلومات حول بعض الموضوعات، فكانت الأمور سهلة في بعض الأحيان مكنتنا من إنجاز العمل بمرونة بالغة، وتعثرت في أحيان أخرى لدرجة أننا أجبرنا على التنازل عن الموضوع أو كتابة الخبر بما توفر لدينا من تفاصيل، وحتى ناقص في بعض الأحيان أو خاطئ والسبب فيها مكلفون بالإعلام ترفعوا عن ممارسة مهامهم ومنهم حتى من لا يعرف حقيقة مهنته ولا أين تبدأ ولا تنتهي، فيتنصل من التكفل بأسئلة الصحفيين والبحث لهم عما يحتاجون إليه من معلومات بحجة أن الأمر يتجاوزه. * ولمن لا يعرف طبيعة الحقيبة التي يحملها أصحاب هذه المهنة، فهم وجدوا في هذه المناصب خصيصا ليكونوا حلقة الوصل بين المصالح والوزارات والهيئات التي يمثلونها ووسائل الإعلام من أجل تزويد الصحفيين والإعلاميين بالمعلومات التي يحتاجونها ويجيبوا على أسئلتهم في حدود احترام "سرية" ما لا يريدون الإفصاح عليه من أخبار. * وعلى سبيل المثال نذكر المكلفة بالإعلام بوزارة التضامن الوطني والأسرة والجالية بالخارج التي اتصلت بها الجريدة لطلب معلومات حول موضوع المهاجرين السريين "الحراڤة"، وبدل البحث وتزويد الصحفي بما يريد، ارتبكت السيدة من الإدلاء بأي تصريح، وأكد أنها لا تملك معلومات، وكانت إجابتها غريبة، إذ قالت إنها اطّلعت على موضوع "الحراڤة" الجزائريين العالقين في سفينة تركية على القناة الفضائية "أورو نيوز". * أما المكلف بالإعلام في الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات فأصبح لا يجيب مؤخرا بأمر من وزارة التربية التي منعته من التحدث للصحافة، حيث أصبح يتعذر استقاء المعلومات من لدنه ويجب الاتصال بالوزارة من اجل أي موضوع، ويعلم الجميع أن الاتصال بالمكلف بالاتصال بوزارة التربية ليس بالأمر الهين، حيث لا يتوانى السيد المعني في رفض التحدث إلى الصحفيين عبر رقم خط هاتفه النقال ويحيل الجميع على رقم مكتبه حتى لو كان غائبا عنه لتتكفل سكرتيرته بتسجيل الطلبات وانتظار أن يتصرف حتى لو كان الأمر مستعجلا ولا يتحمل الانتظار. * من جهته يعرف المكلف بالإعلام لوزارة الصحة المرونة في التعامل، رغم انه سهل مهمة صحفي "الشروق" بطريقة جد مهنية يوم الجمعة ورغم أنه كان يؤدي صلاة الجمعة وأغلق الهاتف في وجه الصحفي، إلا أنه عاود الاتصال بعد الصلاة وقام بكل ما يستطيع من اجل مساعدة الصحفي. * أما المكلف بالإعلام بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ورغم انتقاله من قبة البرلمان إلى سلك الموظفين، إلا انه يحاول أحيانا جاهدا الوفاء بالتزاماته المهنية، بتوفير ما يحتاجه الصحفيون من معلومات وأخبار تتعلق بالقطاع. * وقد سجلت التجربة أن كثيرا من الموظفين في هذه المهام أدوا عملهم بتفان وإتقان رغم الصعوبات، نذكر منهم المكلف بالإعلام بوزارة الخارجية سابقا، والشؤون الدينية، إضافة إلى مسؤول الاتصال بوزارة المالية حاليا، وبشركة سوناطراك، وكانوا أمثلة ناجحة لأشخاص فهموا طبيعة وظيفتهم في الإعلام والاتصال، مثلما توجد أمثلة لوزارات وهيئات لم تكلف نفسها عناء تعيين موظف في هذا المنصب مثل وزارة الداخلية من شدة تركيز المعلومات في شخص الوزير. * * * ليس كلّ ما يُعرف يُقال! * هل أصبحت مهمة ووظيفة مسؤولي الإعلام والإتصال والصحافة على مستوى الهيئات الرسمية والمؤسسات والإدارات والوزارات، مختزلة في الإضراب عن الكلام، وغلق هواتفهم النقالة والثابتة؟، لماذا "يتهرّب" أغلب هؤلاء من أسئلة الصحافيين، يتكاسلون ويتقاعسون عن التصريحات، ثم يسارعون ويتفننون في إرسال التوضيحات؟، هل المكلف بالإعلام وتنوير الرأي العام، يحكمه "واجب التحفظ"، أم إلزامية الرّد؟، أين ألسن أولئك، مقطوعة، أم "عڤونة"، أم تمارس مهمة الإتصال باللاّإتصال والتعتيم؟. * لا تتناطح عنزتان، في أن البحث عن المعلومة المكفولة دستوريا في إطار حق المواطن في الإعلام وحق الصحافي في الوصول إلى مصادر الخبر، تحوّلت إلى رحلة ضياع وعذاب، غالبا ما تنتهي بالإستنجاد بما يسمى بالمصادر المأذونة والموثوقة والمؤكدة والمطلعة والمتطابقة وحتى "المجهولة"، من أجل نقل المعلومات والبحث عن الأخبار والفصل فيها بالنفي أو التأكيد. * لماذا يرفض أغلب المكلفين بالإتصال الإجابة الفورية عن إستفسارات الصحفيين، التي غالبا ما تكون أسئلة المواطنين في قضية معينة؟، ولماذا يطلب بعض هؤلاء "مهلة"، هل بسبب عدم إمتلاك معلومات، أم "خوفا" من غضب الرقم واحد في المؤسسة المعنية، وتجنا لتأويلات وتخمينات وهفوات لسان وسوء تقدير قد ينتهي بالحساب والعقاب وربما الفصل؟. * ثقافة "ربط الألسن" و"قطعها" في كثير من الأحيان، تحوّل من الظاهرة الصحية إلى الظاهرة المرضية التي تغلق على المعلومة وتدفنها في مقبرة التعتيم وعدم تحمل المسؤولية، بما يُنتج التهويل والتضخيم وأخبارا "مغلوطة" و"مضللة" و"لا أساس لها من الصحة".. تهم يطلقها مجانا بعض المكلفين بالإعلام، طبعا بعد وقوع الفأس على الرأس، وبعد أن أسالوا عرق المتصل بهم!. * من الحكومة إلى البرلمان ومن الوزارات إلى المؤسسات الاقتصادية والإدارية والتربوية والمنتخبة، تبقى معظم هذه الهيئات "بلا لسان"، وهي بذلك بالنسبة للتناول الإعلامي، بيضة سهلة الإنكسار، إما الاحتفاظ بها مغلقة بأسرارها ومحّها وأحّها، وإما "تفقيسها" وإخراج ما بداخلها من "كتاكيت" و"روائح"!. * وعكس أغلب الدول التي يعقد مكلفوها بالإتصال ومن يلعبون دور الناطق الرسمي، ندوات صحفية بشكل دوري ومنتظم، أو على الأقل عندما تقتضي الضرورة والتطورات، فإن المؤسسات في الجزائر، تبقى "صندوق عجب" يذيع بالصوت والصورة كل "الإيجابيات" ويخنق "السلبيات"، ولذلك، فإن عديد مسؤولي الإتصال، يتحمّلون وزر سوء تسيير المعلومة والعجز عن ترتيبها وإتقان فنون الإتصال بعيدا عن الشمّاعة التي تخفي شمس الحقيقة بغربال الدفاع عن الأخطاء.. ومع ذلك صدق من قال: ليس كلّ ما يُعرف يُقال!.