النقاش حول قانون تجريم الاستعمار تجاوزه الزمن يتحدث رئيس حزب الحرية والعدالة، الذي هو قيد التأسيس، محمد السعيد، في هذا الحوار الصريح مع "الفجر"، عن الأسباب التي حالت دون منح وزارة الداخلية الاعتماد لحزبه تعيين ولد قابلية أمر إيجابي ومنع اعتماد الأحزاب لأسباب سياسية تجنّ على الإرادة الشعبية الإبراهيمي طلق السياسة ولم أتمرد عليه وعلاقتي به أحسن مما كانت عليه سابقا وما وصفه التناقض في التصريحات بين وزير الداخلية السابق يزيد زرهوني والحالي دحو ولد قابلية، إضافة إلى جوانب تتعلق بالحياة السياسية في البلاد وانتشار الفساد وسبل مكافحته، وخاصة بعد الإعلان عن إنشاء ديوان مركزي لمحاربة الفساد، بعد انتظار دام سنتين، بالإضافة إلى علاقته برفيق دربه والرجل المقرب منه، أحمد طالب الإبراهيمي، وجوانب أخرى تكتشفونها في هذا الحوار. لنبدأ من ملف اعتماد حزب الحرية والعدالة المودع لدى وزارة الداخلية منذ أكثر من سنة، والأخذ والرد الحاصل بينكم وبين الوزارة الوصية. في رأيكم ما هي الأسباب الحقيقية التي تعيق منحكم الاعتماد؟ لقد سبق وأن تحدثت للرأي العام الوطني حول مسألة رفض وزارة الداخلية منح الاعتماد لحزب الحرية والعدالة، والكل يعلم أنني تعاملت مع وزارة الداخلية بشكل قانوني وفق قانون الأحزاب الساري المفعول، الذي يحدد شروط اعتماد الأحزاب السياسية، وهي شروط احترمتها، وتوفرت لدى كافة الأعضاء المؤسسين لحزب الحرية العدالة، إضافة إلى احترامي الآجال القانونية، لكن للأسف رفضت وزارة الداخلية تطبيق قانون هو في الأصل مازال جاريا العمل به. ولقد أطلعنا الوزير السابق للداخلية، يزيد زرهوني، في إحدى تصريحاته، بأن الملف الإداري لحزب الحرية والعدالة تشوبه نقائص، لكن ردي كان في حينه على الوزير زرهوني، حين وجهت له رسالة وطلبت منه إطلاعي على الوثائق الإدارية الناقصة في ملف حزب الحرية والعدالة، لكنه لم يفعل، وهذا دليل واضح على أنه مبرر مفتعل من طرف زرهوني للحيلولة دون منح الاعتماد للحزب. والغريب في كل هذا أن الوزير الذي خلف زرهوني على رأس الداخلية، دحو ولد قابلية، كانت له تصريحات مغايرة تماما لما قاله سلفه زرهوني، بل تناقضها تماما وتكذبها، حيث أوعز ولد قابلية عدم منح الاعتماد لحزبي وأحزاب أخرى إلى أسباب سياسية، وأنا شخصيا أعتبر أن موقفه كان صريحا وواضحا أكثر من سلفه زرهوني، رغم أن التصريحات التي أدلى بها ولد قابلية تدخل في إطار رغبة السلطة، إما في المزيد من الغلق السياسي أو أنها تعتزم فتح الساحة السياسية على مصراعيها، وهذا التصريح في حد ذاته هو تجن من الوزير ولد قابلية على الإرادة الشعبية، ونص الدستور، وهو كما يقول المثل العربي "رب عذر أقبح من ذنب". إلى ماذا ترجعون هذا التناقض في التصريحات بين وزير الداخلية السابق والحالي حول الأسباب التي حالت دون منحكم الاعتماد؟ في اعتقادي أن الوزير السابق، يزيد زرهوني، ليست له خبرة في مجال التسيير الإداري، ولم يسبق له وأن تعامل في السابق بالقانون، بحكم طبيعة تكوينه العسكرية، بينما الوزير الحالي، دحو ولد قابلية، عمل ومنذ الاستقلال في المناصب الإدارية المدنية، وتعامل بالقانون، فهو ابن الإدارة ويعرفها جيدا، عكس زرهوني الذي يتصرف بعقلية الرجل الذي تربى على عدم احترام القانون، وأنا شخصيا أرى أن تعيين شخص ولد قابلية على رأس الداخلية أمر إيجابي وفيه بصيص أمل. سبق وأن أعلنتم عن الشروع في عملية تنصيب هياكل الحزب على مستوى الولايات تحسبا للشروع في النشاط، إلى أين وصلت هذه العملية؟ فعلا، لقد قمنا في خطوة أولى بتنصيب المكاتب التنسيقية الجهوية وعددها 7 مكاتب، والتي بدورها تضم مكاتب الولايات المجاورة، حيث لم يتبق إلا المكتب الجهوي لخنشلة، الذي يضم ست ولايات مجاورة، وتنصيبه سيكون في النصف الثاني من شهر سبتمبر الجاري على أقصى تقدير، على أن تتبعها عملية أخرى، هي تنصيب المكاتب الولائية عبر ولايات الوطن ال48، حيث نحن الآن بصدد التحضير لاجتماع المكاتب الولائية في النصف الثاني من شهر سبتمبر في العاصمة، ومن خلال هذا الاجتماع سنقرر تاريخ عقد الندوة الوطنية الأولى لإطارات حزب الحرية والعدالة. بعد إعلان محمد السعيد عن الشروع في تأسيس حزب الحرية والعدالة في جانفي 2009، قيل حينها بأن محمد السعيد قبل بدخول معترك انتخابات 9 أفريل الرئاسية، بعد تلقيه وعودا وتطمينات من السلطة بحصوله على الاعتماد مقابل المشاركة في الرئاسيات، ما قولكم؟ أنا لم أتلق وعودا صريحة بمنح الاعتماد لحزب الحرية والعدالة، لكنني استخلصت من قراءتي واتصالاتي مع المسؤولين ومع كل مؤسسات الدولة، أن فتح الساحة السياسية سيكون لامحالة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هذا الأمر كان بمثابة المحفز بالنسبة لي، وأنا شخصيا أرى أن فتح المجال السياسي في الجزائر سيتحقق، وهو أمر وارد جدا قبل انقضاء العهدة الحالية للرئيس بوتفليقة، خاصة وأن قرار إعادة النظر في قانون الأحزاب يعتبر مؤشرا إيجابيا على وجود نية لدى السلطة في فتح الساحة السياسية. لذلك فنحن نعمل في حزب الحرية والعدالة من أجل أن نكون جاهزين يوم تفتح الساحة السياسية، فنحن نريد أن نوظف الوقت للعمل حتى لا نضيع سنوات أخرى في عملية بناء الحزب. على ذكر العمل السياسي، كيف يرى محمد السعيد الحياة السياسية والحراك السياسي من نشاط الأحزاب وعلاقتها بالبرلمان والحكومة وغير ذلك؟ أنا لا أرى أي وجود لحياة سياسية في الجزائر حاليا، وإنما هو مجرد تهريج سياسي في ثوب حياة سياسية، فهناك أحزاب سياسية لكنها على الورق فقط، ومغلوب على أمرها، والدليل على ذلك أنها لم تتخذ جميعها أي موقف في مسألة رفض الداخلية اعتماد أحزاب جديدة، ولم تجرؤ حتى على التصريح برأيها، رغم أنني راسلتها جميعا وطلبت منها اتخاذ موقف لكنه لم يصدر موقف من أي حزب كان، والحال لا يختلف كثيرا خلال الاضطرابات والاحتجاجات التي يشنها المواطنون محاولين افتكاك حقوقهم بالقوة، وهذا دليل على غياب هذه الأحزاب، وعلى أنها مقطوعة الصلة بالجماهير، ما لا يدع مجالا للشك بأنها تابعة للإدارة والسلطة السياسية. محمد السعيد، الإعلامي السابق، كيف يقيّم وضع الإعلام في الجزائر، وخاصة الصحافة المكتوبة المستقلة؟ بحكم ممارستي للمهنة سابقا، أرى في الصحافة الجزائرية نقاط قوة ونقاط ضعف، فنقاط قوتها وإيجابياتها تتلخص في تعدد المنابر أو العناوين الصحفية، ما يتيح للقارئ نوعا من الحرية والتنوع، إضافة إلى أنه ضمن هذه العناوين الكثيرة، هناك بعض الجرائد القليلة التي تمثل بحق معبرا حقيقيا عن رأي ونبض الشارع والمواطن الجزائري، أكثر مما تكون وساطة للدعاية للسلطة، وهي تعاني حاليا لكنها بقيت صامدة وجريئة جرأة الصحافيين الجزائريين، في الوقت الذي انبطحت فيه الطبقة السياسية في الجزائر. وحسب تجربتي، فالجرائد في الجزائر حاليا صارت تؤدي الدور الذي يجب أن تلعبه الأحزاب السياسية، فالصحافة الوطنية يمكن القول إنها تلعب دور المنور للرأي العام وفضح الفساد وغيرها، إضافة إلى أنها تسد الفراغ الذي عجزت الأحزاب السياسية عن سده. أما السلبيات فتتلخص في عدم وجود هيئة للدفاع عن أخلاقيات الصحافة، وأضيف لها في العام 2001 مادة في قانون العقوبات تقضي بحبس الصحفي، والتي هي في رأيي مجرد وسيلة لحماية رؤوس الفساد المالي والإداري، وكذا عدم وجود نقابة قوية موحدة تدافع عن الحقوق المادية والمعنوي للصحفي الجزائري، إضافة إلى نقص تكوين الصحفيين الجزائريين الذي من الممكن أن تقوم به الدولة الجزائرية وعلى نفقتها، لكن إجمالا، فالصحافة الجزائرية يمكن لنا أن نفتخر بها على الأقل في محيطنا وانتمائنا الإقليمي. قيل الكثير عن مقترح قانون تجريم الاستعمار والجدل الدائر بين الأحزاب المؤيدة من جهة والبرلمان والحكومة من جهة أخرى. ما موقفكم من هذا القانون؟ في رأيي النقاش حول قانون تجريم الاستعمار تجاوزه الزمن والأحداث، فالشعب الجزائري جرّم الاستعمار وكشف عن جرائمه الفظيعة، والمتتبع للخطاب السياسي منذ الاستقلال يلاحظ أن تجريم الاستعمار تحصيل حاصل ولا أحد في الجزائر يرحم الاستعمار أو يبرر جرائمه. والملاحظ أن مقترح قانون تجريم الاستعمار، الذي جاء كخطوة متأخرة عن قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار، والذي أقره البرلمان الفرنسي، وولادته كانت ولادة غير طبيعية، فمن المنطقي إذن أن يصطدم بالأخذ والعطاء ويجمد في أدراج الحكومة والمجلس الشعبي، لكن موقفي من قضية تجريم الاستعمار هو أنه لا مفر منه والاستعمار هو جريمة ضد الإنسانية، لكن لا ينبغي أن نقف عند هذه المسألة لتغطية عجزنا عن مواجهة المشاكل اليومية التي يعاني منها المواطن الجزائري من بطالة وفساد وضياع القيم والأخلاق، يجب أن يبقى مطلب تجريم الاستعمار واحدا من بين القضايا العديدة التي تشملها العلاقات الثنائية بين الجزائروفرنسا، من أرشيف وتجارب نووية و تنقل الرعايا وغيرها. وكيف ترى راهن ومستقبل العلاقات الجزائرية - الفرنسية في ظل هذه التجاذبات؟ العلاقات مع فرنسا لا يمكن أن تكون بمنأى عن الجانب العاطفي، والعاطفة في السياسة لا تفيد ولا تنفع، والعلاقات بين البلدين يجب ألا تكون طبيعية، بحكم التاريخ وبحر الدماء الذي بيننا. صادق مجلس الوزراء مؤخرا على عدة قرارات، من بينها بعث الديوان الوطني لمكافحة الفساد. كيف ترون هذه الخطوة، وبرأيكم لماذا وصلت الجزائر إلى هذه الوضعية المتردية في انتشار الفساد؟ إن ديوان مكافحة الفساد كان موجودا في الأصل، لكنه توقف فجأة، والقوانين كانت كذلك موجودة، أعتقد أن قضية إنشاء ديوان مكافحة الفساد قضية موجهة فقط للاستهلاك الخارجي لا أكثر ولا أقل، ومحاولة من السلطة لتلميع صورتها في الخارج للأسف، لأن مكافحة الفساد لا تحتاج لانتظار مدة 10 سنوات، ورغم توفر أجهزة قائمة وقادرة على مراقبة المال العام، كمجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، إلا أنه خلال كل هذه الفترة، توسع الفساد وعشش في مختلف القطاعات والمستويات، والسؤال المطروح هو من المسؤول عن تفشي الفساد، بقرار غير معلن وبتجميد عمل مجلس المحاسبة، خاصة وأن الفساد لم يقتصر فقط على الفساد المالي، بل امتد إلى الفساد الأخلاقي وانهيار القيم، وأكاد أجزم بأن درجة التعفن التي وصل إليها الفساد في الجزائر تحتاج إلى معجزة حتى نتمكن من التقليص منها. وهل ترون أن السلطة جادة في مسعاها لمكافحة الفساد؟ حتى وإن كانت السلطة جادة في مكافحة الفساد فهي عاجزة عن مواجهته، لأن محاربة المفسدين يجب أن يقوم بها رجال نزهاء، ومادامت مستويات عديدة في السلطة متهمة بالفساد فمن ذا الذي سيقوم بعملية التطهير، وهنا تأتي مرحلة تصفية الحسابات بين أصحاب المصالح والنفوذ، وهذا خطر حقيقي على البلد. أما إذا تم تعيين نفس الأسماء المتهمة بالفساد في عملية مكافحة الفساد، فهذا مجرد ذر للرماد في العيون، والسلطة مخطئة إذا اعتقدت أنها بذر الرماد في العيون ستكسب ثقة الشعب، فالشعب واع ولا يمكن أن تضحك عليه السلطة. سؤال أخير أستاذ محمد السعيد.. هناك من قال إنكم قررتم الشروع في تأسيس الحزب بعد أن تلقيتم الضوء الأخضر من رفيق دربكم والشخص المقرب منكم، أحمد طالب الإبراهيمي، وبالمقابل هناك من قال بأن محمد السعيد تمرد على طالب الإبراهيمي وقرر خوض تجربة سياسية منفردة، ما هو ردكم؟ التمرد يكون على شخص قائم، كأن يكون من الموظف على مديره، لكن التمرد لا يكون على شخص مستقيل، وأنا اشتغلت مع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي منذ 45 سنة، وأؤكد لكم بأن علاقتي به اليوم أحسن من الأمس ومن أي وقت مضى، ولا تشوبها شائبة ولم يتغير أي شيء. أحمد طالب الإبراهيمي قرر أن يطلق العمل السياسي نهائيا، أما أنا فقررت أن استمر في العمل السياسي وهذه قناعتي، وأعلمته منذ البداية بما أريده، وهو بدوره شجعني على ذلك، وقام بعدها باستدعاء كافة إطارات حزب الحرية والعدالة إلى بيته في جوان 2008، وقال لهم أنتم أحرار اليوم لقد طلقت السياسة، فمن أراد أن يستمر في السياسة فله ذلك، ومن أراد تطليقها فله ذلك أيضا، وبالفعل هناك من إطارات حركة الوفاء والعدل من طلقوا السياسة نهائيا، ومنهم من التحق بتوجهات سياسة أخرى، ومنهم فئة قليلة التحقت بحزب الحرية والعدالة بعد أن قمت بجولة في الولايات، وغذيت الحزب بأعضاء من حركة الوفاء والعدل، إضافة إلى الوجوه الجديدة التي شكلت غالبية إطارات الحزب. إذن فالطلاق بيني وبين أحمد طالب الإبراهيمي، أعيد وأؤكد، أنه لم يحدث بالأمس، وسوف لن يحدث في المستقبل، وأنا أعتبر أن المعركة معركة واحدة، فهو من جيل الثورة قد أدى ما عليه، وأنا من جيل الاستقلال استلمت المشعل لأؤدي ما علي تأديته.