بعد أن منح بومدين مقراتها لشركة جزائرية يواجه أعضاء الشركة الجزائرية الخاصة لنقل البضائع (S.T.M) المتواجد مقرها بميناء عنابة، خطر الطرد من مقراتهم وضياع إستثماراتهم، بسبب حكم قضائي، أصدرته قاضية بمجلس قضاء عنابة، يُعد سابقة في تاريخ العدالة الجزائرية، على حد وصف مجموعة من المحامين، إتصلوا بالشروق اليومي لكشف تفاصيل ما وصفوه "بالمهزلة" التي تعد الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر، في تعليقهم على حكم محكمة عنابة لصالح الشركة الفرنسية "ميشلان"، المختصة في صناعة العجلات، ومنحها حق استعادة مقراتها التي هجرتها بعد استقلال الجزائر والتي سبق وأن حوّلت طبقا للمرسوم التنفيذي الصادر في 5 جوان 1966 إلى أملاك الدولة. وكشف ممثل شركة (S.T.M)، السيد مهدي درويش للشروق عن صدمته، بعد أن اطلع على وجود دعوى قضائية رفعتها ضده محامية فرنسية تدعى "كيستر كيتون"، إدعت أنها تمثل مصالح شركة "ميشلان" الفرنسية، التي تطالب عن طريق محكمة عنابة، باستعادة مقراتها السابقة التي كانت تشغلها شركة ميشلان، خلال الفترة الإستعمارية بين سنوات 1957 1960. وأوضح ممثل شركة (S.T.M) أن وضعية المقرات والأرضية التابعة لها، التي كانت خلال سنوات الخمسينيات ملكا لشركة ميشلان تمت تسويتها في 5 جوان 1966، من خلال المرسوم التنفيذي الصادر عن مجلس الثورة، وبقرار من الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي اعتبر كل الأملاك المهجورة (BIENS-VACANTS) بعد الإستقلال من طرف المعمرين سواء كانوا أفرادا أم شركات ملك للدولة. وأوضح السيد درويش، ممثل الشركة أن المقرات المذكورة، كانت تابعة لمديرية أملاك الدولة منذ سنة 1966، إلى غاية عرضها للبيع من طرف مديرية أملاك الدولة لولاية عنابة، حيث تمّ شراؤها من طرف شركة S.T.M بشكل قانوني، واستغلت الشركة عقد الملكية الخاص بالمقرات والأرضية المحاذية لها بتاريخ 4 ماي 1998، وهو العقد الذي تمّ توثيقه والإشهار به في الصحافة الوطنية. أما عن محتوى الدعوى القضائية التي رفعتها المحامية الفرنسية "كيستر كيتون" والتي اطلعت "الشروق" على نسخة منها فهي لا تستند إلى أي مرجع قانوني، حسب تأكيد محامي الشركة، لكون الدعوى القضائية مؤسسة على وثيقة هي عقد ملكية لشركة ميشلان للمقرات المذكورة، مؤرخة سنة 1957، خلال الفترة الاستعمارية، وهي لا تتوفر على أية شرعية، بعد استقلال الجزائر وإلحاق أملاك المعمرين بأملاك الدولة طبقا لمرسوم 1966. واستغرب عدد من المحامين، إطلعوا على القضية، التقت بهم "الشروق" تصرف القاضية المكلفة بالملف، والتي اطلعت على كل الوثائق القانونية المتعلقة بمقرات شركة S.T.M، التي تتوفر على عقد ملكية ممضى من طرف مدير أملاك الدولة لولاية عنابة نفسه، الذي أقر بشرعية عملية بيع المقرات المذكورة طبقا للمرسوم التنفيذي 5 جوان 1966. ورغم وجود كل الوثائق القانونية التي تؤكد كلها أن أملاك شركة ميشلان بميناء عنابة تحولت منذ سنة 1966 إلى أملاك الدولة، إلا أن القاضية لم تعترف بالمرسوم التنفيذي لسنة 1966، ولا بشرعية عقد الملكية المسلم من طرف مديرية أملاك الدولة لولاية عنابة، وأصدرت حكما، يقضي بطرد شركة S.T.M من المقرات وإجبار أصحابها على إخلائها، "باسم الشعب الجزائري" على حد تعليق أحد المحامين. وتساءل السيد مهدي درويش، ممثل الشركة عن المنطق الذي حفّز القاضية لاتخاذ هذا القرار، باسم العدالة الجزائرية، في الوقت الذي رفضت فيه الاعتراف بالقوانين والمراسيم الصادرة عن الدولة الجزائرية نفسها، معتبرا أن شركة S.T.M اشترت المقرات من الممثل الشرعي للدولة الجزائرية وهو مديرية أملاك الدولة لولاية عنابة. وأضاف السيد درويش، أن حقوق شركة ميشلان الفرنسية، لم يعد لها وجود بعد الإستقلال عندما هجرت مقراتها سنة 1960. ولدى استفسارنا لبعض القضاة المختصين في المنازعات التجارية والعقارية، استغربوا كلهم قرار القاضية واعتبروا قبول الدعوى شكلا يعد في حدّ ذاته خطأ مهنيا جسيما، لا ينبغي التسامح معه. وأكد القضاة، أن ما زاد الطين بلة وحوّل هذا الحكم إلى مهزلة، استناد القاضية إلى وثائق استعمارية، لا أساس قانوني لها، بحكم كونها مُلغاة بعد سنة 1966، بقرار من أعلى سلطة في البلاد، لا يمكن لأي قاض أن يقبلها. واعتبر القضاة اعتماد وثيقة تعود إلى سنة 1957 كمرجع قانوني لمنح حكم لصالح الشركة الفرنسية، يُعد في حد ذاته إلغاء لكل القوانين الجزائرية الصادرة بعد الاستقلال، مما يفتح الباب واسعا، ويعطي الحق في حالة تثبيت الحكم، لعودة جميع المعمرين والشركات الكولونيالية للمطالبة باستعادة أملاكها بما فيها قصر الحكومة، البنوك وثكنات الجيش. محامو الشركة الجزائرية S.T.M قرروا استئناف الحكم لدى المحكمة العليا وإخطار وزير العدل وحافظ الأختام بخطورة هذا الحكم مستقبلا، على مصالح المواطنين والدولة نفسها. نور الدين بوكراع