يلعب على خلق مشاعر متناقضة لدى المشاهد «ليست مهمتي ان أعلم الناس كيف يفكرون ولا ان اقول للاخرين ماذا يفعلون، الافلام لا تبرر المواقف ولكنها تخلق مشاعر متناقضة؛ الحب والكراهية، الفرح والبكاء.. أردت بهذا العمل ان أقول إن ثمة تاريخا مشتركا بين الجزائروفرنسا، علينا ان نشتغل عليه بكثير من الحذر لبداية صفحة جديدة بدون عقد». بهذه الكلمات ختم المخرج والسيناريست قوسطا قفراز حديثه المقتضب معنا دقائق قبل بداية عرض فيلم «سيدي العقيد» وكأنه كان يهيّئنا لاستقبال هذا العمل القابل لأكثر من قراءة على أكثر من وجه. «سيدي العقيد»، فيلم فرنسي أنتج بالاشتراك مع بلجيكا وتعاون جزائري، عرض اول امس بقاعة الموقار عشية زيارة ساركوزي الى الجزائر وقبل بداية عرضه بالقاعات الفرنسية بداية من 15 نوفمبر الحالي. قصة الفيلم مأخوذة عن رواية بنفس العنوان للكاتب الفرنسي «فرانسيس زامبوا» الصادرة عن منشورات «أكت سود» والتي أثارت يومها الكثير من النقاش في فرنسا. القصة التي أخرجها الى السينما "رولون هيربت" في اول تجربة له مع الافلام الطويلة وصور بين باريس وعدة مناطق بالجزائر: البليدة، قسنطينة وسطيف (جميلة والعلمة أو سانت آرنو سابقا). الفيلم يروي حكاية أب فرنسي "شارل أزنافور" يعيش على ذكريات فقد ابنه الملازم في حرب الجزائر الى ان يظهر العقيد الذي كان مسؤولا عنه في الجيش الفرنسي، العقيد الذي يصر خلال حصة تلفزيونية على تمجيد وتبرير جرائم التعذيب التى ارتكبها الجيش الفرنسي في حق الجزائريين. فجأة يقرر أب الملازم قتل العقيد برصاصة في الرأس لأنه سبق وأن وصف ابنه بالخائن للدولة الفرنسية و"ليس هناك من يأسف على قتله". حبكة الفيلم تنطلق عندما يعثر المحققون على العقيد مقتولا في شقته بباريس عام 1995 وتبدأ مجريات التحقيق في التعقد عندما تصل رسائل مجهولة الهوية تقول إن العقيد "قتل في سانت ارنو عام 1957 وذهب ضحية مجازره في حق الجزائريين"، الرسائل كانت تأتي مرفقة بمذكرات الملازم التي يروي فيها يومياته في حرب الجزائر وكيف رفض الامتثال لأوامر العقيد الذي يرغمه على تنفيذ القتل والتعذيب في حق السجناء الجزائريين وقبل ان يختفي في ظروف غامضة يرسل اليوميات الى والده في باريس عن طريق معلم فرنسي شيوعي التوجه كان متعاطفا مع الثورة الجزائرية. قصة الفيلم رغم بساطتها لكنها استندت الى سيناريو محكم كتبة رجل يعرف جيدا الجزائروفرنسا وحجم ثقل التاريخ النائم بين البلدين، لذلك كان قافراز حذرا في تعامله مع أحداث الفيلم الذي سار على اعطاب التاريخ فقدم عملا يستجيب لكل المقاييس الفنية والعمل السينمائي، لعبت فيه الكاميرا باحترافية عالية على مشاعر المشاهدين والممثلين واستغلال تاريخية الأمكنة التي استنطقها قافراز عبر الوجوه والأضواء التي عجزت، برغم ذلك، ان تذهب بعيدا في إنارة كل الجوانب المعتمة من ذاكرة التاريخ. قافراز في سيناريو الفيلم لم يستطع التخلص من فرنسيته دفعة واحدة ويحمل الفرنسيين مسؤولية ما حدث في حرب الجزائر. ورغم إدانته من الناحية الانسانية للجرائم التي وقعت خلال الحرب، لكنه أصر ان مسألة ما حدث في الجزائر هو مسؤولية مشتركة بين البلدين وكأنه يقول: ما جدوى أن تطالب الجزائر من فرنسا الاعتذار عن ما حدث بالأمس وفي صفوف الثورة من كان يتعاون مع المستعمر ويقر على إخوانه في أولى جلسات المساءلة. فالجرائم المرتكبة في الجزائر لم يقدمها هيربت كساسية فرنسية لكنها جرائم معزولة كانت وراءها القوات الخاصة التي كانت تلقى الدعم كما لقيت أيضا معارضة من قبل الساسيين وحتى العسكريين. "سيدي العقيد" فيلم عن حرب الجزائر قابل لأكثر من قراءة، كان فيه قافراز ذكيا في التعامل مع التاريخ الثقيل بين الجزائروفرنسا وخلق مشاعر متناقضة لدى المشاهد بحيث يجد الفرنسي ضالته بعدم الشعور بعقدة الذنب تجاه ما حدث في الجزائر مادام في صفوف الفرنسيين من دعم وناصر الثورة، كما يجد الجزائري نفسه مضطرا لإعادة طرح الأسئلة حول الماضي الثوري وعدم النظر إليه كأسطورة وهذا ما أراده السيناريست تماما وأكده خلال حديثة مع الصحافيين لإعادة قراءة التاريخ بموضوعية وإتاحة الفرصة أمام الأجيال اللاحقة للعيش بدون عقدة التاريخ، خاصة وأن الإخراج تم إسناده الى واحد من الفرنسيين الشباب الذين لم تكن لهم علاقة بحرب الجزائر. وربما ليس هذا العمل إلا بداية لمحاولة كسر جدار الصمت بين الذاكرتين الفرنسية والجزائرية مازال الحذر في التعامل معها سيد الموقف، فقد رفض كل من قافراز وهيربت الإجابة على أسئلة الصحافيين المتعلقة بالسياسة وزيارة ساركوزي الى الجزائر أو حتى اعتبار الفيلم إجابة لقانون 23 فيفري بصراحة. زهية. م