هي ظواهر غريبة ألقت بظلالها على المجتمع الجزائري، وتجذّرت عبر امتداد الأجيال، اكتسبها الخلف عن السّلف، فأصبحت عادة بل واجبا على كل أسرة جزائريّة بلغت بناتها سنا معيّنا، لتقوم بربطهن حتى لا يتعرّضن للاعتداء!! خوفا من أن يلطّخن شرف العائلة، لكنه ربط معنويّ يعتمد على السّحر والشعوذة. إنها قصص غريبة من عُمق المجتمع الجزائري. تعتبر ظاهرة ربط الفتيات الصغيرات عن طريق الشعوذة، شائعة جدا في مجتمعنا بحجّة حمايتهن من الاعتداءات الجنسيّة، حيث تعتقد بعض الأسر أن الفتاة إذا تمّ ربطها لن يستطيع أحد الاعتداء عليها حتى ولو حاول لأن هناك قوى غيبيّة تحفظها من كل سوء، وتلجأ إليها الأسر باختلاف طبقاتها ومستوياتها الثقافية. تذرعت بالرّبط فحملت ثم أجهضت الجنين!! من شروط الربط ألا تتعدى الفتاة سن البلوغ، لأنه إذا تجاوزت هذه السن يستحيل ربطها، وتنتشر هاته الظاهرة بكثرة في الولايات الداخلية والصحراوية، فكيف تتم هذه العملية؟. روت لنا بعض النسوة ممن ربطن بناتهن أنهن يقصدن بعض المشعوذات المختصّات في هذه الأمور، حيث تقوم هذه الأخيرة بترديد كلمات وألفاظ غريبة على شيء مُعيّن يكون غالبا مرآة صغيرة أو قفلا مفتوحا، وعندما تنتهي تقلب المشعوذة المرآة أو تغلق القفل بين رجلي الفتاة الصغيرة، وهنا تُربط تلك الفتاة. ويجب أن يُخبّأ ذلك الشيء في مكان آمن لا تصل إليه يد مخلوق واحد وإن حدث وأن ضاع فستربط الفتاة إلى الأبد، وعندما يقترب زواج الفتاة تُحضِر أسرتها تلك المشعوذة بالذات ليلة العرس، ويخرجون القفل أو المرآة لتعيد ترديد تلك الكلمات وتقلب المرآة ويفتح القفل، لتمر ليلة آمنة على العروس. عائلة من غرب البلاد قامت بربط ثلاث بنات في مرآة، تقول الوالدة " لقد اطمأن قلبي منذ أن ربطتهن، لأن والدتي هي الأخرى ربطتني في صغري". وعن فعّالية هاته الأمور وهل فعلا تحفظ الفتاة من كل سوء، تؤكد الوالدة أنها فعّالة جدا، ولو لم تكن كذلك لما لجأت إليها معظم الأسر، إلى درجة أنهن عندما يربطن بناتهن الصغيرات يبعثن بهن إلى أي مكان دون أدنى خوف عليهن، وعندما تسألهن يجبن "ابنتي مربوطة، ولن يحدث لها أي شيء". وتتذرّع بعض الشابات بالرّبط فيخرجن مع الشبان ويعرّضن أنفسهن للمخاطر معتقدات أن الربط سينجيهن من فقدان عذريتهن، ولكن ما الذي سيحصل إذا فُقد الشيء المُخبأ؟، تقول بعض الأمهات إن هذا الأمر مستحيل لأنهن يخبّئنه في صندوق محكم الغلق، وفي مكان جد آمن، ولا يخرجنه إلا عند زفاف الفتاة، ولكن ربما يُسرق من طرف بعض الحاقدات على الفتاة وهنا ستربط المسكينة إلى الأبد فلا تتزوج، وإن تزوجت فلن تنجب أبدا.. ولكن البعض أسَرَّت لنا بعدم فعّالية هذه الأمور، لأن بعض الفتيات المربوطات تعرّضن للاغتصاب وحتى الحمل، وهو حال فتاة جامعية تدرس بالعاصمة جاءت من إحدى المدن الداخلية، قد تعوّدت على مرافقة صديق لها وعندما تنصحها زميلاتها تقول" أنا مربوطة" حتى وقع المحظور وحملت ثم أجهضت الجنين. والتفسير الديني لهذه الظاهرة حسب بعض الأئمة هو أن المشعوذ أو المشعوذة يقوم بترديد بعض الكلمات والألفاظ لاستحضار الجن، وبعد أن يخبروه باسم الفتاة وإسم والدتها يأمره بحمايتها، وعندما ينوي أحدهم الاعتداء عليها، يطيع الجنيّ أمر المشعوذ ويحمي الفتاة، ولكنها ستدفع الثمن غاليا، لأن الجني يرافقها منذ صغرها وهذا خطر عليها لأنه قد يرفض الخروج من جسدها، فتصاب بالجنون، أوتصاحبها الوساوس الشيطانية دائما، مما يسبّب لها أمراضا نفسية وعضوية كثيرة، والأخطر إذا تعرّضت المشعوذة أو التي خبّأت الشيء لمكروه كالوفاة مثلا، فان سرّ حل ربط الفتاة سيُدفن إلى الأبد، وتبقى مربوطة مدى الحياة. الأئمة: ربط الفتيات سحر ودجل يحذّر الأئمة من هاته الظاهرة المنتشرة في المجتمع الجزائري، لأنها سحر ودجل يقوم بها سحرة وكهنة لكسب المال فقط، فالسحر يدخل في دائرة الشرك بالله وهو حرام قطعا، ويقع الإثم على فاعله وحامله وقاصده والمصدّق له، ولا دخل لهذه التعويذات في حماية الفتاة، لأن ما يصونها فعلا هو التربية الدينية والتوجيه الصالح والمراقبة المستمرة من طرف الوالدين والحثّ على عدم الاختلاط بين الجنسين، فلا يجوز أن تبدأ حياة فتيات صغيرات بسحر وشعوذة، قد تتسبب في تحطيم حياتهن مستقبلا. نادية سليماني: [email protected]