يصعب التخلي عن بعض المفاهيم الراسخة في الأذهان خصوصاً إذا تعلق الأمر بموضوع العذرية، حيث يعتبر الأمر حينها ضربا من المجازفة التي لا تحمد عواقبها في الجزائر، أو في أي بلد عربي أو إسلامي، ليس من السهل أبداً ولا من مصلحة الفتاة في شيء، أن تفقد عذريتها قبل الزواج وستكون حينئذ من الكائنات المغضوب عليها بل أكثر من ذلك تطرد عنوة من الحياة الاجتماعية. وتجنبّاً لمثل هذا الوضع تهتم الأم بابنتها منذ صغرها حتى تضمن سلامة عذريتها. لم تقعد النساء الكبيرات قديما مكتوفات الأيدي إزاء موضوع العذرية، خاصة وأن الفتيات الصغيرات أيام زمان كن معرضات إلى الاغتصاب من طرف ''عسكر فرنسا'' من جهة ومن أي غريب آخر نظرا لطبيعة الحياة الريفية في الأحياء المعزولة، فلجأن إلى حيل يعتبرها البعض من الشعوذة واللجوء إلى عالم الجن والخرافات من أجل ضمان عفة فتياتهن. فاخترعن ما يعرف ب ''ربط'' أو ''تثقيف'' الفتيات العذراوات مما يؤدي إلى حماية عذريتهن، وتلك العملية تتم باللجوء إلى السّحر والشعوذة، وتنتشر بكثرة في المناطق النائية والمعزولة التي يكثر فيها المؤمنون بهذه الطقوس. و ''الرابطات'' هن النساء اللاتي يتولين هذه المهمة. فتأخذ الأم ابنتها الصغيرة عند ''الرابطة''، وتأخذ معها عدّة ''الربيط'' التي تختلف من منطقة إلى أخرى ومن امرأة إلى أخرى. تجلس الفتاة بين أيدي الرابطة تقرأ عليها بعض الكلمات والأقوال قبل أن تمررها على مجموعة عيدان وقطع خشبية تكون مقطّعة طوليّاً. تقبع المرأة الرابطة أسفل ساقي الفتاة ومن ثمّة تقوم بغلق علبة صغيرة بالمفتاح أو تقوم بغلق أيّ شيء بواسطة قفل أو حزام وهي تردّد مرات عدة ''ربطت الكادنة... وربطت الطفلة'' أو أن تقول: ''البنت حيط وأولاد الناس خيط'' وبهذه الطريقة لا يعود ممكناً فض بكارة الفتاة إلا بواسطة المرأة ذاتها التي وحدها تعرف سرّ الكلمات الخاصة. ------------------------------------------------------------------------ ''بعض الربط لا يفك في ليلة الزفاف'' ------------------------------------------------------------------------ و لا تعتبر هذه الطريقة الوحيدة المتبعة بين جميع ''الرابطات'' بل هناك أساليب أخرى يلجأن إليها، مع ضرورة الانتباه بشدّة إلى مراحل العملية. فهناك اعتقاد شعبي بأن أيّ خطأ قد يؤدي إلى ربط الفتاة نهائياً. و هناك الكثير من القصص التي نسمعها يوميا عن حكايات الربط التي تنتشر كثيرا في المناطق الداخلية من الوطن وقد روت لنا ليندا حكايتها مع الربط الذي كلّفها الكثير. تقول إنها شهدت حالة عصبية ليلة زفافها التي مرّت بتعقيدات كثيرة كتمت الأمر ولم تجد لمن تشكو همها، خصوصاً إن أمها توفيت، إلى أن كاشفت خالتها بالأمر. تذكرت الخالة أمر ''الرّابطة'' التي كانت قد ربطتها بسلسلة حديدية قبل أعوام طويلة. صعقت ليندا لما سمعت بعد ذلك بحثت مع خالتها عن المرأة لكن الجيران أخبروها أنها توفيت. لم تعثر ليندا وخالتها على ''رابطة'' تتقن كيفية الربط بالسلسلة الحديدية، وهو ما زاد من تشنجها وخوفها. تقول ليندا إنها حدثت زوجها عن الأمر ولم يجدا حلاً سوى اللجوء إلى الطبيب النسائي الذي أنهى المشكلة التي تركت آثارا عميقة في نفسيتها. وإن كانت لينده ربِّطت بسلسلة حديد، فهناك فتيات يخضعن لهذه العملية بطرق مختلفة، مثل ربط الحزام وإخفائه في مكان لا تصله الأيدي أو ربط الكادنة أو أي أداة أخرى يمكن أن تغلق ويسهل عليهم أعادت فتحها من جديد إذا أرادوا. ------------------------------------------------------------------------ ''طقوس فرضها ظلم المستعمر'' ------------------------------------------------------------------------ ترجع النساء المتقدمات في السن اللاتي سألناهن عن حقيقة عملية الربط أن أسباب هذه الطقوس تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، الذي كثيراً ما كانت قواته تمر بالقرى الجزائرية، فيقوم الجنود بحرق الحقول والمنازل ويجندون الشباب في صفوفهم ويستبيحون النساء والفتيات. ودرءاً للتعرض لفضيحة النيل من الشرف العائلي لجأت النساء إلى مثل هذه الطريقة وظلت متداولة في بعض المناطق حتى يومنا هذا وخوفا من المستعمر الذي أجبر النساء على ممارسة هذه الطقوس انتشرت هده الأعمال واستمر الناس في ممارستها حتى بعد رحيل المستعمر واتخذوها درعا لحماية الفتيات. وانطلاقاً من الخوف على شرف الفتاة، ظلت النساء حريصات على إقامة هذا السدّ المنيع. وكثيراً ما يتداول الجزائريون أخباراً عن محاولات اعتداء تعرضت لها فتيات لكنها فشلت بسبب هذا التقليد الشعبي. وبين الموافقة على مثل هذه الطقوس الغريبة ورفضها، يبقى من الواجب حماية الفتاة بالتوعية والتثقيف أولا والابتعاد عن أمور الدجل والشعوذة.