بروفيسور عبد الستار قاسم إذا كانت تظن قوى 14 آذار اللبنانية أنها ستهزم حزب الله فهي واهمة ولن تحصد للبنان سوى الخراب والهوان. كمراقب مهتم بشؤون لبنان، أرى أن هذه القوى مصرة على دفع حزب الله إلى حالة عجزت إسرائيل دفعه إليها في حرب ضروس، وهي حالة التجرد من السلاح ونبذ المقاومة والانخراط في حياة سياسية وفق المعايير الأمريكية. إنها قوى تتحدث في الإعلام عن مصلحة لبنان وتقديرها للحوار واهتمامها بوحدة الشعب اللبناني، لكن ما أراه من تصرفات سواء من قبل رئاسة الوزراء أو الأحزاب الداعمة لها يكذّب هذا الحديث. لي في هذا الصدد الملاحظات التالية: أولا: هناك تطاول واضح على السيد حسن نصر الله، على الرغم من أن السيد لم يكن يوما على استعداد للدخول في مناكفات شخصية. فقط تحدث السيد حسن بصيغة شخصية وحادة بعد ما خبره من مواقف لفئات لبنانية خلال الحرب. ثانيا: لا أجد من بين حركات المقاومة العربية، من حركة التحرير الجزائري إلى حركات المقاومة الفلسطينية والعراقية، من هو أشد حرصا على السلم الداخلي والتمسك بأخلاقيات السلاح أكثر من حزب الله. حزب الله يملك ترسانة استراتيجية تؤهله للتمختر والتكبر والتسلط، لكنه أبى بالمطلق أن تكون هذه الترسانة عنصرا من عناصر التوازنات الداخلية. ثالثا: حزب الله هو الجهة العربية الوحيدة التي ألحقت هزيمة نكراء بالجيش الإسرائيلي، وهو الذي أجبر إسرائيل على التوقف عن القتال والتخلي عن هدفها بتدميره وتجريده من السلاح. رابعا: لم يتعامل حزب الله مع اللبنانيين على أسس طائفية، وبقي تعامله على أسس سياسية ووطنية، ولم يميز بين لبناني وآخر في تقديم التعويض، بل حصل بعض غير الشيعة على أكثر من التقديرات التعويضية. على الرغم من هذا، كان رد الفعل كالتالي: أولا: لم تتوقف الاتهامات ضد الحزب بأنه عميل لسوريا وإيران، علما بأن الحزب أكّد مرارا بأنه صديق لهاتين الدولتين. ولم تتوقف الحملة ضد ما يظن البعض أنه سلاح يصل الحزب من سوريا. ثانيا: هناك إصرار من قبل جهات لبنانية كثيرة بأن إسرائيل انتصرت في الحرب، وذلك بهدف تقزيم النصر العسكري الذي تحقق. ثالثا: التنسيق مع أعداء حزب الله من أمريكيين وفرنساويين لم يتوقف. رابعا: يكرر لبنانيون مطلبهم بتوسيع صلاحيات اليونيفيل والتي تعتدي بوضوح على السيادة اللبنانية. خامسا: يصر لبنانيون على تدويل مسألة اغتيال الحريري، علما أن هذا التدويل لن يخدم سوى رغبة قوى خارجية الدخول إلى لبنان تحت غطاء دولي. سوء النية لدى العديد من اللبنانيين واضحة تماما، فهل يستطيعون هزيمة حزب الله أو إركاعه وإرغامه على القبول بالتوجهات الأمريكية؟ لا لن يستطيعوا. أمريكا الآن مأزومة داخليا وخارجيا، ولا تحاول حل مشكلة إلا وتورطت بالمزيد، ولا تحاول معالجة قضية إلا أفسدتها. من الشرق الأقصى إلى الغرب الأقصى، من كوريا إلى أمريكا اللاتينية تنقلب الأمور عكس ما يرغب السيد الأمريكي. أمريكا التي كانت تعربد وتزبد تبحث الآن عن مخارج لما وقعت فيه من مآزق. أما إسرائيل فلا يعتمد عليها الآن، وما كانت قادرة على تقديمه من أموال وأسلحة للبنانيين في سابق الزمان لم يعد ممكنا الآن. لم يكن في السابق ما يردع إسرائيل، أما الآن فهي تعلم أن حزب الله يعتبر دخول السلاح الإسرائيلي إلى أي مكان في لبنان عملا من أعمال الحرب. يجب ألا يراهن لبناني على حرب أهلية، تلك كانت ولن تعود. أما إن عادت فإن الرد من أجل إخمادها سيكون سريعا وقاصما. حزب الله لن يسمح بحرب أهلية لأنه يعلم أنها إضعاف له ولسوريا وإيران، وهي عمل حربي أمريكي وإسرائيلي في الأساس. تمر المنطقة العربية الإسلامية الآن بمرحلة تاريخية جديدة، وهي مرحلة العودة إلى الذات، ومرحلة الأفول الأمريكي والإسرائيلي. هنا لا نخدع أنفسنا، وإنما الحقائق على الأرض تتكلم بالنيابة. ولهذا من الأفضل لقوى 14 آذار، وللدول العربية أن تصل إلى تفاهم وتآلف مع القوى الصاعدة في المنطقة وهي بالتحديد: المقاومة العراقية وحزب الله وسوريا وإيران. في هذه المرحلة التاريخية، يخيب كل من يراهن على إسرائيل وأمريكا لأن منحنيات غطرستهما في انحدار. هذا ما يجب أن يدركه أيضا الفلسطينيون الذين يلهثون وراء الأموال الأمريكية. وأخيرا أقول لقوى 14 آذار أن حزب الله لن يلقي السلاح ما دامت إسرائيل موجودة كدولة، حزب الله لم يتسلح لقتال اللبنانيين والعرب وإنما من أجل تحرير المقدسات، أرجو أن تسترخوا، عودة مزارع شبعا، وتسليم خرائط الألغام، والإفراج عن الأسرى جميعا، وإعادة بعض القرى الواقعة في شمال فلسطين والتي يعتبرها بعض اللبنانيين لبنانية لن تكون نهايتها إلقاء السلاح من قبل حزب الله، والمسألة هنا بسيطة، إذا كان حزب الله يرى في فلسطين أرضا عربية مقدسة، فلماذا لا تعتبرها قوى 14 آذار جزءا لا يتجزأ من أرض الشام وتبدأ بالتحضير لقتال إسرائيل؟