بعد الانتصارات التي حققها التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في تونس والمغرب ومصر، صار الحديث حول احتمال تحالف بين المؤسسات العسكرية والأحزاب الإسلامية، فهل سيتخلى العسكر عن الواجهة اللائكية ليتعايش مع الاسلامويين أم أنه سيلجأ إلى تحالف استراتيجي لضمان شعبيته؟. * سقوط رئيس واستمرار نظام يحاول الكثير من المتتبعين لشأن الثورة المصرية أن يجعلها نموذجا فريدا ليقتدي بها في الثورات العربية القادمة باعتبار أنها أحالت الرئيس حسني مبارك وأبنائه وبعض وزرائه على العدالة دون أن ينتبهوا إلى الحقيقة وهي أن السلطة ما زالت بيد النظام المصري القديم المجسد في المجلس العسكري الذي احتوى الثورة واحتكر قراراتها وأرجأ مواعيد نقل السلطة إلى المدنيين بعد أن وجد في "الإخوان المسلمون" تواطئا في تقاسم السلطة. إن حادثة ماسبيرو التي حركت الأقباط ودفعتهم إلى العمل السياسي، وأحداث ميدان التحرير التي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى وأدت إلى إقالة الحكومة، واستدعاء رئيس حكومة سابق من النظام السابق عشية الانتخابات التشريعية ليؤكد فرضية دعم التيار الإخواني للحصول على أغلبية تسمح له بتشكيل حكومة على غرار حركتي النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب. يزعم المحللون أن الإقبال على صناديق الانتخابات في مصر هو دليل نجاح هذه الانتخابات والحقيقة التي يخفونها هي أن هناك غرامة تقدر ب 100دولار (500 جنيه) لكل من يتخلف عن التصويت، ربما هذه الغرامة هي التي جعلت أفراد الجاليات المصرية في العالم لا يسجلون أنفسهم لأن العدالة ستتابعهم، ولهذا فإن النسبة التي ستسجل لصالح المقاطعين ستكون معبرة بصدق عن الرافضين للنظام القائم. إن الجيش المصري هو صاحب القرار منذ 1952 لغاية 2011م، بحيث أنه كان في عهد جمال عبد الناصر يأخذ شرعيته من رئيسه، وفي عهد أنور السادات خفت صوت المؤسسة العسكرية بعد زيارته القدس عام 1977م، وعاد إلى الظهور بعد اغتياله عام 1981م، فورث حسني مبارك مؤسسة عسكرية مقيدة باتفاقية كامب ديفيد مما جعله يعزز دور جهاز أمن الدولة والمخابرات والبوليس السري. وجاءت ثورة 25 جانفي 2011م لتطيح بالرئيس وعائلته وتعطي شرعية للمجلس العسكري دون أن تنتبه إلى أن هذا المجلس هو النظام السياسي الذي قامت عليه السلطة منذ الرئيس جمال عبد النصر لغاية اليوم.
سقوط نظام وتقاسم سلطة بالرغم من محاولات تقزيم الثورة التونسية إلا أنها حققت قفزة نوعية في انتخابات ديمقراطية وتقاسم للسلطة بين الفائزين، ولم تشكل المؤسسة العسكرية حاجزا بين الثورة والسلطة الجديدة، يقول صاحبا كتاب (صديقنا بن علي) بأن الأحد عشر ألف جندي لم يكونوا يمثلون تهديدا ولم يصلوا إلى السلطة السياسية ومراقبتها، ولهذا بمجرد سقوط بن علي وجدت المؤسسة العسكرية نفسها تحت تصرف من تولوا الحكم بعده عكس ما حدث في مصر حيث تولت المؤسسة العسكرية الحكم. كانت المؤسسة الأمنية والبوليس السياسي وعائلة الرئيس زين العابدين بن علي هي النظام الذي سقط، وبالتالي فعودة الإسلاميين إلى الشارع السياسي لم يعد خطرا على أحد وإنما أصبح لونا من ألوان الطيف السياسي في تونس، وعلاقة الشيخ راشد الغنوشي بالأحزاب الإسلامية في الجزائر والسلطة في عهد النظام التونسي السابق لم يتغير بعد فوز حزبه، واعتبر المراقبون الحفاوة التي حظي بها بعد استضافة بوتفليقة له بمثابة دعم للإسلاميين، ويرى نيكولابو وجان بيار تيكوا في كتابهما (صديقنا بن علي) ص 265 بأنه: "بقي لبوتفليقة أن يبرهن على أن بناء دولة قوية حديثة يمكن أن يتكيف مع اتجاه إسلامي مهم".
ثورة وإسلام مسلح يختلف موقع الإسلاميين من المؤسسة العسكرية في تونس عن موقعه في مصر بحيث أنه لا يتقاطع معها ولم يواجهها خلال مقاومته للنظام السابق، في حين انه في مصر قام احد العناصر الإسلامية باغتيال الرئيس أنور السادات وقامت المؤسسة العسكرية بمطاردة الجماعات الإسلامية المسلحة في عهد حسني مبارك. أما الثورة الليبية فقد دفعها القذافي إلى عسكرة نفسها وتحولت البلاد الى ساحة حرب بين كتائبه وكتائب الثوار، وكان للحركات الإسلامية المسلحة التي حملت اسم المقاتلة دور فعال في تحرير طرابلس وكانت قد حاولت في عهد القذافي اقتحام باب العزيزية، مما قد يجعل المؤسسة العسكرية الجديدة مختلفة عما في تونس ومصر، وبالتالي فالإسلاميون سيكونون طرفا فاعلا في المؤسسة العسكرية، يبقى السؤال هل ستكون الأحزاب الإسلامية امتدادا لها؟. هناك مخاوف حقيقية من تحالف الإسلاميين مع العسكر في مصر، وهو مفقود في تونس ولكنه ربما قد يكون في ليبيا، في حين أنه في المغرب سيكون التخوف أكثر باعتبار أن الملك أصبح في الدستور الجديد يحمل صفة أمير المؤمنين، وسبق له أن أنشأ حزبا إسلاميا مواليا له وفشل في تحقيق الانتصار، واعتماده على الحزب المنتصر سيكون دعما لإصلاحاته.