تعود إلينا في كل مرة نغمة يكررها الرياضيون خاصة من مدربين ولاعبين ومسيرين بعد إخفاقهم في الفوز أو التأهل، إذ تجدهم يتقدمون ب"اعتذارهم" إلى الشعب الجزائري وكأن المباراة أو المنافسة قضية وطنية تهم كل الشعب الجزائري! وكأن الشعب حزين للخسارة أو الإخفاق الرياضي، أو سعيد ومرتاح وكل شؤونه على أفضل ما يرام ولا ينقصه إلا الفوز في منافسة رياضية! أو كأن الشعب هو الذي فوض المدرب أو اللاعب وانتخبه وعيّنه لكي ينوب عنه ويمثله في المحافل الرياضية الإقليمية والدولية!! * طلب الاعتذار للشعب الجزائري بعد الخسارة في مباراة كروية أو الإقصاء من منافسة رياضية أصبح على ما يبدو "موضة" يتهرب بها البعض من تحمل مسؤولياتهم تجاه النوادي والاتحاديات التي ينتمون إليها.. ظنا منهم بأن كلمة "اعتذر للشعب الجزائري" قد تشفع لصاحبها وتخفّف عنه حِدّة الشعور بالخيبة والإخفاق!! الاعتذار ثقافة راقية، والكلمة نفسها يمكن أن تصدر عن ظالم، أو مقصر أو مخطئ تجاه الطرف الذي وقع عليه الظلم أو انتهِكَ حقّه، هو سلوك قد نتفهمه في الرياضة عندما يصدر من مدرّب أو لاعب أو اتحادية رياضية ويتوجّه للجماهير الرياضية باعتبارها صاحبة الشأن المباشر والمعنية بالحدث الرياضي. أما الاعتذار للشعب بكامله بسبب خسارة في مباراة كروية فينطوي على تقليل من قيمة الشعب واستهانة به واستخفاف بمشاعره، لأنه يجعل من موضوع الفوز في مباراة مّا خاتمة الأحلام ومنتهى الأماني للشعب! بل والعنصر المفقود من سيادته! واعذروني حين أقول بأن هذا النوع من "الاعتذار" هو أيضا أبشع صور الاستغلال لعواطف الجزائريين وطيبتهم وتسامحهم مع المخطئين والفاشلين والمتسببين في كل الانكسارات.. بصراحة، شعبنا لا يحتاج إلى اعتذار من هذا النوع، بل يحتاج إلى قلب يتعامل معه بصدق وحب وعطف وحنان، ويستحق أن نخدمه ونستجيب لتطلعاته واحتياجاته دون رياء أو نفاق، أما في موضوع "الاعتذارات" فمن الصراحة أن نقول بأن شعبنا يحتاج إلى الكثير منها في قضايا أكثر أهمية تمس سيادته وكرامته وحقوقه! يحتاج الشعب لسماع كلمة "اعتذر" عن كل تقصير تجاهه من طرف الرئيس والوزير والمدير، وكل من انتخبهم الشعب لرعاية شؤونه، يحتاج الشعب لهذه الكلمة الراقية من كل من أساء إليه وأخطأ في حقه أو في حق الوطن، ولكننا للأسف لم نسمع يوما أن أي "شجاع" من هؤلاء تقدم باعتذار إلى الشعب على أي تقصير أو هفوات وأخطاء، وكم هي الهفوات والأخطاء في وطننا، كثيرة ومتعددة عبر التاريخ وكانت عواقبها وخيمة على الشعب والوطن وعلى الماضي والحاضر والمستقبل .. دعوني أقول أيضا، إن شعبنا ليس في حاجة إلى اعتذار على خسارة في منافسة رياضية، أو مباراة كروية، ولكنه في حاجة إخلاص كل واحد منا في موقع عمله ومسؤولياته، وفي حاجة إلى سماع "الاعتذار" عن الأرواح التي أزهقت طيلة العشرية السوداء، وعن الجرائم الإنسانية التي ارتكبت في حق الكثير من رجال ونساء الوطن عبر التاريخ، وعن الخيرات التي حوّلها كل مسؤول إلى ملكية شخصية له ولعائلته وعشيرته، وعن التبذير والتسيب والإهمال والتقصير الذي تسبب فيه كل متهاون وجاحد وحاقد في حق الوطن . شعبنا في حاجة إلى اعتذار من كل المقصرين في خدمته ورعايته وتلبية حاجياته السياسية والثقافية والاجتماعية، ومن كل الذين لم يستثمروا في الخيرات البشرية والمادية، وتسببوا في انتشار الأمية والجهل والإجرام والفساد، وساهموا في الإحباط الذي يعاني منه جيل بأكمله لا يزال صابرا على جيل سابق لم يعتذر ولم ينسحب منه أحد ليترك مكانه نظيفا !! وما دمنا في ظِلال ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر التي دفع فيها آلاف من آبائنا أرواحهم ثمنا لتحدي المستعمر الفرنسي فإن اعتذرا بحجم السماوات والأرض يجب أن يُرفع لهؤلاء الشهداء أيضا من كل المسؤولين عن الحال الذي وصل إليه البلد. أما إذا عدنا إلى بداية القصة، أقصد "الاعتذار الشعبي" الذي تقدم به مدرب منتخب الآمال بعد إخفاقه في تحقيق غايته بالتأهل إلى الأولمبياد فان أمر المباراة في رأيي لا يقتضي ذاك بتاتا، وكان يكفي أن يتوجّه المعني باعتذاره لجماهير الكرة فقط، أو للاتحادية التي نصبته مدربا، أو للاعبين الشبان الذين فوتنا عليهم فرصة المشاركة في الأولمبياد ولم نتمكن من تلقينهم ممارسة الكرة الحقيقية، وتحضيرهم كما ينبغي للتنافس على التأهل. وبالمناسبة، فحتى إهداء الفوز بالكأس والميدالية أو التتويج بأي لقب إلى الشعب الجزائري أو إلى الرئيس والوزير هو أمر مبالغ فيه وثقافة سيئة يجب أن تزول من عادات وتقاليد رياضيينا الذين يبالغون في مدح المسؤولين عندما يتوجون، ويرجعون إليهم الفضل متناسين أن الفوز يأتي في المقام الأول بجهد الرياضي وعطائه في أرض الميدان، وما المسؤول أو الوزير إلا موظّف يؤدي واجبه لا أكثر ولا أقل.