صالح عوض في اسطنبول عاصمة آخر خلافة للمسلمين تتزاحم المشاعر دفعة واحدة في الوجدان والعقل.. كان أحمد المغربي الواقف على باب أحد محلات بيع الملابس بالقرب من مسجد الفاتح مدهوشا وهو يشرح لي سبب وجوده في تركيا: يا أخي لا عمل في المغرب وها أنا أعمل هنا بما يقارب أربعمئة دولار، أدفع للسكن مئة وتكفي البقية للأكل..إنها أخيرا لقمة خبز لشاب عربي حاصل على ليسانس في العلوم السياسية!!.. بعد أمتار من هذا المحل كان خليل العراقي يرفع بيديه بعضا من الملابس يدعو المارة الى المحل المقابل يشكو من جحيم العراق الذي يدمره أبناؤه.. وعند بديع صديقي التركي صاحب أحد محلات الملابس كنت أشاهد العرب بالألوان.. عربا يشترون قطعا من الملابس يعبئون بها حقائبهم وكأنهم عادوا برأس كليب.. لم أر إسرائيليا واحدا أو أوروبيا غربيا واحدا في هذه الأسواق لا عاملا بالتأكيد ولا مشتريا.. فلهؤلاء أماكن أخرى .. لهم المصانع الإستراتيجية والأماكن ذات المشاريع الحيوية. أمام الجامعة التاريخية بنضالها وقف آلاف الطلبة الأتراك ينددون بزيارة بابا الفاتيكان الذي نال رسول الله بأذى.. فيما الشارع التركي منغمس في حياته العادية.. يسألك التركي من أي البلاد أنت..؟ انه يعرف البلدان التي لها علاقة تجارة مع تركيا.. وعندما تسحبه للحديث عن فلسطين والقضايا التي تعيشها الأمة.. تكاد لا ترى أي تأثر لما تلقي من كلمات.. والحديث فقط عن التجارة والأموال.. ونقد العرب، لان عندهم أموال ينفقونها في غير حق!! لتركيا اهتمام آخر، بل همّ يكاد يكون الرئيس بالنسبة للدولة التركية..إنها قضية الأكراد والحرب المستعرة منذ سنين طويلة.. مئات آلاف الجنود رابضون على الحدود العراقية في انتظار أوامر قيادتهم بالزحف داخل العراق.. وعشرات عناصر القوة الجوية التركية أخذوا مواقعهم في كركوك المدينة العراقية.. وتتحرك الحكومة التركية في كل اتجاه لحسم الأمر في كردستان العراق والقيادة العسكرية التركية تؤكد انه في لحظة إعلان الأكراد عن دولة مستقلة لهم، فإن الجيش التركي سيصل الى الموصل وكل الشمال العراقي. أجل في اسطنبول يرتفع الأذان باللغة العربية بعد ان نسخها كمال أتاتورك من كل مكان.. وفي اسطنبول ترى معالم الأجداد العظام من العثمانيين الذين أخذتهم الغيرة الى كل مكان يدافعون عن الناموس - كما يقول الأتراك - ترى مقابرهم وترى قصورهم ومساجدا أصروا على توسعتها وبنائها لتقوم برسالة الهدى في مواجهة غرب عنصري حاقد.. إلا ان بقاء مسجد القسطنطينية العظيم أياصوفيا على شكل متحف يعبر على أي وضع تعيشه تركيا.. وتركيا التي تجبر على استقبال البابا الشرير تجعلك وأنت تحتضن قباب ومآذن اسطنبول تصرخ أين الخليفة.. أين الخليفةّّ!!