لا تزال المرأة في الريف الجزائري وإلى غاية يومنا هذا تعاني الأمرين، وذلك جراء الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تتخبط فيها، رغم ما حصلته نظيرتها بالمدينة من مكاسب على كل الأصعدة، فإن كانت المتمدنة قد تبوأت أعلى المناصب وأرقى الوظائف واكتسحت حتى الميادين التي كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجل، فإن بعض نساء الريف بالكثير من ولايات الوطن ومنها كنموذج ولاية "المسيلة" يكابدن مرارة العيش والمعاناة في أعمق مظاهرها لاسيما في ظل تسجيل غياب أدنى شروط الحياة، فلا ماء ولا غاز ولا حتى تعليم، فقط جهل وحرمان وتهميش، رغم أن الدولة أفردت لها حقيبة وزارية.. كلها صور حية تحكي معاناة امرأة تتشبث بأمل أن تلتفت لها السلطات المعنية، وأن يكون لها نصيب من برامج الدعم الفلاحي التي كثر الحديث عنها خلال السنوات الأخيرة. المرأة الريفية مع الحرمان والمعاناة صورة نمطية لم تتغير زيارتنا الميدانية لولاية المسيلة التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 145 كلم، قادتنا إلى العديد من المناطق النائية ك"أولاد سوشة"، "أولاد سلام"، "دهاهنة" وغيرها، وخلالها أكد سكانها أنهم خارج دائرة اهتمام المسؤولين، فإلى يومنا هذا لم يفكر أحد في زيارتهم والوقوف على حجم معاناتهم ومن ثمة السعي ما أمكن إلى التكفل بانشغالاتهم التي تتعلق أساسا بالضروريات هي في مناطق أخرى أضحت من الحاجيات الكمالية ليس إلا، وإن كانت المعاناة بتلك المناطق من نصيب جميع السكان، فإن للمرأة حصة الأسد منها، فالأمية لا تعشش بعقول الكبيرات فقط بل حتى في أعماق فتيات في عمر الزهور ممن وصلن إلى سن التمدرس، محرومات من الدراسة رغم وجود مدارس، فالنظرة النمطية للمرأة لا تزال قائمة لم تعرف التغيير رغم مرور السنوات ورغم ما حققته البلاد من رقي وتقدم وما برمجته لمحو الأمية على مستوى هذا النوع من مناطق، إذ يبدو أن الكثير من المناطق الأخرى تنتجها ضاربة بكل الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط، فلا حق في التعليم ولا حتى في اختيار الزوج أو الخروج إلى العمل، وأي عمل في غياب أدنى المؤهلات العلمية وحتى مراكز للتكوين أو جمعيات تعنى بترقية المرأة الريفية، حياة كلها بداوة، فلا غاز للمدينة ولا مياه صالحة للشرب ولا حتى فلاحة والأكثر من هذا الواقع يؤكد أنهم مغيبون تماما عن برامج الدعم والتنمية الريفية، فالقليل فق منهم من استفاد من البناء الريفي رغم أحقيتهم. الإذاعة المحلية متنفسهن على المحيط الخارجي وقد أرجع عدد ممن تحدثنا إليهم ذلك إلى غياب قنوات للاتصال والتواصل مع العالم الخارجي، فمع ما تعانيه المرأة القاطنة في هذه المناطق من عزلة، لا وجود لثقافة قراءة الصحف عند الكثيرين، لآن أكثرهم أمي، لتبقى الإذاعة المحلية نافذتهم الوحيدة على ما يحدث بمحيطهم الضيق وما تقننه السلطات المحلية، كامتداد للسلطات المركزية من برامج تنموية، همشتهم ولايتهم منها وأقصتهم حتى من الحق في العيش الكريم، معاناة يتمنون أن تنتهي، خاصة بعد أن علم الكثير منهم أثناء دردشتنا معهم بخبر جديد قديم يتعلق بتعيين والي جديد وأن الدولة تسعى من خلال البرنامج الخماسي لرئيس الجمهورية لتسطير العديد من البرامج، لأجل النهوض بالتنمية الريفية وأن المرأة تحظى بنصيب وافر من الدعم، باعتبارها أحد أهم الفاعلين في المنظومة الريفية وأحد أهم بناة المجتمع غياب الدعم وضروريات العيش الكريم أحط من آدميتها زيارتنا أبهجتهن وجعلتهن يحملننا قائمة لا تنتهي من المطالب، ظنا منهن في البداية أننا مسؤولون، قررنا أخيرا تحقيق التوازن بين مختلف مناطق الولاية وأن رحلة البناء والتغيير بمناطقهم ستبدأ بمجرد تقييد المطالب، لكن سرعان ما احتشمت هذه الفرحة عندما أزلنا اللبس وأكدنا أننا مجرد إعلاميين جئنا لنرسم صورة عن معاناة المرأة الريفية التي تتقاسم هموم ضنك العيش مع أخيها الرجل في مناطق تحمل من الريف التسمية فقط، فغياب الماء عطل مشاريع التي تمثل مصدر الوحيد للقمة العيش، يمارسن الغراسة والزراعة ويتحدين المشاكل راضيات بقضاء الله وقدره، لكن غياب أهم عنصر في الحياة يجعل كل جهودهن على المحك، يعشن التهميش على كل الأصعدة، فلا الأسرة منحتها حقها ولا المجتمع قدرها ولا حتى الدولة دعمتها. هي سند الرجل لمواجهة الظروف القاسية تعتمد العديد من المناطق بولاية المسيلة على الفلاحة خاصة وأن الله حباها بمساحات شاسعة وبإمكانات طبيعة ضخمة، فلو استغلت أكيد أنها ستدر بالخير الوفير على كامل الولاية وحتى الوطن، تعمل المرأة التي ما وطأت قدماها يوما المدارس ولا دخلت حتى الكتاتيب بالأرض إلى جانب أخيها الرجل ولو بإمكانيات بسيطة جدا، فهي وكما كانت جداتها لا تحب الكسل ولا البقاء دون عمل، لذا تحاول أن تغترف من خيرات الأرض حتى بزراعات بسيطة، فالماء شحيح وفي غيابه يضيع جهدها سدى، فكم يتألمن، كما تؤكد الكثيرات ممن يرين مزروعاتهن تموت عطشا وما بيده من حيلة، حتى الأشجار الكثير منها يبست ولم تتبقى إلا الجذوع، فالآبار التي تم حفرها قليلة ولا تفي بالغرض، أما مياه السدود التي يشرف على تسيرها ديوان المساحات المسقية، ففيه الكثير من الكلام فرغم أنهم يسددون فواتير كبيرة إلا أن المياه لا تصل إلى الكثير منهم وإن وصلت فبكميات قليلة، والأمر أن توزيع المياه غير عادل، ففي ما يحتقظ به البعض لأيام طويلة، لا يستفيد البعض الآخر منهم إلا لساعات فقط، لكن تسديد الفاتورة واحد ومن لا يستطيع فليس أمامه إلا العدالة، كما أصبح المسؤولون يهددون رغم ذاك لم تستسلم المرأة وتحاول مع أخيها الرجل أن تحافظ على خضرة المكان التي تُهون عليهم الكثير من واقعهم الصعب، لكن من المهم كثيرا كما يؤكدون أن تسارع الجهات المختصة إلى تنظيم توزيع المياه ومساعدتهم في حفر آبار على الأقل، والأهم مسح الديون التي أثقلت كاهلهم، فمداخيل الأرض ما عادت توفر حتى حق فاتورة المياه. لا غاز ولا ماء ولا حتى قنوات للصرف الصحي فإلى متى..؟ شح الماء لا يقتصر على الأرض فقط، فحتى السكان محرومون من مياه صالحة للشرب، كما جعلهم يضطرون إلى التنقل لجلب بعض الدلاء من مناطق بعيدة عن سكناتهم، ولا وسيلة تقلهم في الكثير من الأحيان إلا الحمير التي لا تزال تقاسم السكان حياتهم، فالصهاريج لا تتحملها ميزانية الكثير من العائلات التي تتخبط في فقر مدقع، تكافح حتى تحصل لقمة عيشها ومهمة جلب المياه غالبا ما تتكفل بها المرأة حتى في الشتاء البارد فهي تتعايش مع كل الظروف، ولأن شتاء المسيلة بارد جدا فما يزيد قسوته انعدام أبسط وسائل التدفئة خاصة وأن الكثير من العائلات ترفض استخدام المسخنات الكهربائية، لأنها مكلفة وحتى غاز المدينة غائب تماما، فقط قارورات غاز البوتان التي تنعدم هي الأخرى أحيانا، لتجد المرأة نفسها مجبرة على الطبخ والتدفئة على الحطب الذي وحده يدفئ لياليها، وهي الأخرى وفي الكثير من الأحيان من تتكفل بجلب الحطب، فبيوت الكثيرات مبنية بالطوب والطين لا تقوى على مجابهة الظروف المناخية الباردة، هذا إلى جانب مشكل غياب قنوات الصرف الصحي التي لم تكلف السلطات المحلية نفسها عناء التكفل به، رغم ما يمكن أن ينجر عنه من كوارث بيئية وخطر الأمراض المتنقلة، فكيف تعيش المرأة وكذا الرجل في ظروف لا تصلح إلا لعيش الحيوانات، ورغم شكاويهم المتعددة فانشغالاتهم لا تزال معلقة، لكن أملهم كبير في أن يتم تدارك الموقف وأن يستيقظوا يوما على صوت المياه الصالحة للشرب بحنفياتهم وحتى حلم ربط أحيائهم الفقيرة بغاز المدينة الذي يظل حلم كل العائلات مادام مشروعا، هذا إلى جانب تهيئة الطرقات وتعبيدها وحتى إقامة شبكة قنوات الصرف الصحي حتى تحمي صحتها لاسيما أنها تبقى من الأولويات. حُرمن التعليم وأكرهن على زيجات تنتهي في معظمها بالفشل كان الاعتقاد السائد أن المرأة انتزعت حقوقها وما عادت رهينة العادات والتقاليد البالية التي تحرمها من اختيار حتى شريك حياتها، لتزوج بالغصب والإكراه ولتعود بعد سنوات مكسورة الخاطر بأطفال بعد أن ذاقت الويلات، لتزيد حملا آخرا على أسرتها، والأدهى أنه لا يمكنها العمل مادامت لا تتوفر على شهادة ولا حتى على تكوين، مادام الخروج إلى العمل مرفوض عند بعض الأسر، حتى وإن مات الجميع من الجوع، فالرجلة بمفهومهم تمنعهم حتى بالسماح لصغيراتهم بالذهاب إلى المدرسة لتحصيل العلم واكتساب شهادة تساعدها على مجابهة مصاعب الحياة، والمؤسف أن الكثير من المدارس بهذه المناطق شبه فارغة، بعد أن رفض حتى الأطفال الدراسة، حتى مراكز التكوين والتمهين أو الجمعيات التي تتكفل أحيانا بتعليم المرأة حرفة أو صنعة كالخياطة مثلا غائبة تماما، لتبقى الأرض هي المتنفس الوحيد للمرأة التي وجدت نفسها ضحية أفكار العائلة التي ترفض السماح بتعليمها حتى لا تجلب لهم العار وتزوجيها برجل والسلام، حتى وإن كانت كل المعطيات تؤكد أنها زيجة فاشلة، لتعود إلى البيت تندب حظها الذي لا يختلف كثيرا عن حظ والدتها، فحتى التنقل إلى المناطق المجاورة لتعلم حرفة ممنوع أما المتعلمات منهن واللواتي حالفهن الحظ بعضهن من اقتناص حتى الدراسات العليا وجدن أنفسهن بالبيت، لانعدام مناصب الشغل بالمنطقة وعدم قدرة الكثيرات على التنقل، ما جعلهن يراوحن أماكنهن، ويرضيّن بواقع تحالفت فيه الكثير من الظروف لتجعلهن تعانين في صمت. رغم الظروف المعيشية الصعبة فالحلم بغد أفضل ما يزال يداعبهن في أعماقهن مهنتها الوحيدة الفلاحة مادامت لم تدرس، وإن تغيرت الظروف ووجدت من يعينها على تجاوز هذا الواقع الذي جرمها العيش الكريم وحرمها من أبسط الحقوق التي تتمتع بها باقي النساء، لذلك ونحن نتحدث عن مشكل المنطقة واحتياجاتها التي يعتبر الماء على سلم أولوياتها، أبدت لنا الكثيرات ممن إلتقيناهن رغبتهن الأكيدة في تحسين ظروفهم، خاصة وإن أبدى الرجل بعض الليونة، فالإمكانيات إن توفرت من شأنها أن تصنع الفارق، خاصة مع البرامج التي تحضر لها الدولة، فعلى حد علم الكثيرات ممن زارتهن إحدى الجمعيات الناشطة في ميدان ترقية المرأة الريفية والتي تسجل النساء الماكثات بالبيت للاستفادة من بعض المساعدات التي رصدتها الدولة مؤخرا وتنتظر فقط الإفراج من السلطات المعنية، كمنحهم مساعدات لتربية الحيوانات الأليفة، وفي مقدمتها الأغنام والأرانب والدجاج وحتى النحل، وستعمل لا محالة على إزاحة جزء من مشاكلهم ومساعدهم على الأقل على تخطي الفقر، خاصة إن تم توفير المياه التي تبقى المشكل الأكبر بالمنطقة، أيضا استحسن هؤلاء النسوة كثيرا فكرة القروض المصغرة الموجهة إلى النساء الماكثات بالبيت أو حتى مشروع التشجير الذي سيرى النور قريبا، حتى وإن كان لا أحد يهتم باطلاعهم، بسبب غياب حملات التحسيس والتوعية. برامج قد تصنع الفارق وتقضي على مأساة المرأة التي وجدت نفسها ضحية ظروف لا ناقة لها فيها ولا جمل، فلا الطبيعة رحمتها ولا العائلة أنصفتها ولا حتى الدولة بالدعم رحمتها، فهي لا حق لها لا في العيش الكريم ولا حتى في التعليم، وإن كانت غيرها تتحدث عن الموضة والأزياء وقاعات الحلاقة، فهي لا تزال بين الركام تبحث عن مكان تتموقع فيه حتى تساهم في تطوير مجتمعها، لا تزال تنتظر التفاتة من السلطات المعنية عسى الحظ يخالفها وتصبح منافسة بامتياز تبعا لانجازات أختها بالمدينة.