من منا لم يقع في ورطة اسمها ''البحث'' عن مرحاض·· ربما يعجز اللسان عن وصف تلك الحالة عندما يكون الأمر أكثر من ضروري، وكيف تكون الحالة أكثر سوءا عندما يتعذر على الشخص إيجاد ''بيت الراحة'' كما يقال عندنا باللغة العامية! ويبقى السؤال مطروحا: لمَ لا تتوفر العاصمة على مراحيض تشتغل ليل نهار في كل شارع وفي كل محطة حافلات؟ نظام الصرف الصحي وقنوات صرف المياه القذرة والمراحيض، تعد أهم اختراع أوجده الإنسان، بفضله يتمكن الإنسان من تلافي العديد من الأمراض التي كانت تفتك بالإنسان قبل ذلك، وبفضلها تمكن الإنسان من الحفاظ على آدميته والوصول إلى أرقى درجات التمدن والتحضر· ولكن في بلادنا وخصوصا في المدن الكبرى فإن تلك المراحيض وإن وجدت فهي تعد على أصابع اليد، بل وأجزم الكثيرون ممن طرح عليهم الموضوع من باب الفضول، أكدوا أنه أكبر مشكل يقع فيه الفرد عندما يكون في العاصمة بل وأكثر من ذلك هناك حكايات طريفة، قصها عدد منهم في تلك التجربة الخارقة عنوانها: ''البحث عن مرحاض''!· للضرورة أحكام من يتصور أن نكتب يوما عن المراحيض ومشكلتها في بلادنا، وخصوصا في مدننا الكبرى حيث يتجول مئات الآلاف من الأشخاص في الشوارع الكبرى، يجدون أي شيء يبحثون عنه إلا المراحيض، هذه الجملة رددها الكثيرون، فالموضوع مخجل ولكنه مثير وهام جدا، لا يمكن أن نغفله ولو لحظة وهي مشكلة عويصة عند عامة الناس خصوصا في الجزائر العاصمة، حيث يمكن إيجاد مختلف الخدمات مثل المقاهي وصالونات الشاي والمطاعم السريعة والراقية ومحلات ''البيتزا'' ومخادع الهاتف العمومي، وباعة أجهزة الهواتف النقالة، ولكن يتعذر علينا إيجاد مكان نفرغ فيه فضلاتنا!''، قالها وليد بملء الفم وهو يتكلم بحدة، لأنه يرى أن موضوع المراحيض العمومية في بلادنا أصبح مشكلا بالرغم من كونه بسيطا جدا· في البداية كان السؤال محرجا نوعا ما أو بالأحرى مفاجئا، ولكن الواقع يفرض علينا أن نتطرق إلى مثل هذا الموضوع، لأنه لا يمكن الاستغناء عن المراحيض· هل يمكن لأحد منا أن يتصور منزلا أو مكانا يعيش فيه دون ''بيت الراحة'' كما يسمى باللغة الشعبية أو ''المرحاض''، وكيف سيكون المكان الذي نعيش فيه وأين سيتخلص الإنسان من فضلاته، وتصوروا للحظة كيف ستتحول حياة الإنسان دون وجود ذلك المكان الصغير أو الحيز الصغير في زاوية من زوايا المنازل· عندما يجد الفرد نفسه مضطرا إلى أن يلبي حاجته الطبيعية في مرحاض، يضطر للبحث عنه في أي مكان، وهو ما وقع لإحداهن التي انتهت بها إلى الذهاب إلى مطعم وطلب الدخول إلى لمرحاض ولكن الأمر كان صعبا بالنسبة لها، لأنه من باب اللياقة لم تتمكن من طلبها ذلك إلا بعدما ضاقت بها السبل· وهناك شخص آخر اضطر إلى دخول إحدى المؤسسات العمومية خصوصا أنه مريض بداء السكري الأمر الذي يدفعه في كل ساعة إلى دخول المرحاض· فكيف يعمل الآلاف منهم عندما يكونون في العاصمة يتجولون مثلا لاقتناء أغراضهم· قصص كثيرة ربما يصعب كتابتها هنا، الأمر الذي جعل الكثيرين يلحون على أن مسألة نقص المراحيض والبحث عنها من ''الطابوهات'' التي ربما تخدش الحياء قليلا، ولكن جهة أخرى يعد الأمر أكثر من ضروري وأكثر من وسيلة هامة في حياة الإنسان اليومية دون منازع، ولا يمكن أيضا الاستغناء عنها مهما كانت الظروف والوسائل· حقيقة واجهتها ''كريمة''، وهي طالبة جامعية، عندما قالت ل''البلاد'' إنها تضطر أحيانا إلى أن تتنقل من محطة ''تافورة'' لنقل الطلبة نحو معهد الحقوق ببن عكنون حتى تجد مرحاضا نظيفا، لأنها تدرس بالمعهد المذكور وتسكن في باب الوادي، وفي تافورة سواء محطة المسافرين العادية أو محطة الطلبة لا توجد فيها مراحيض، لذا فهي مرغمة على التوجه إلى المعهد الذي يتوفر على مراحيض بالدفع المسبق ''10 دنانير'' للطلبة الجامعيين· وهو نفس الشيء الذي تفكر فيه طالبة أخرى، وهي طالبة بالجامعة المركزية تعودت على المراحيض الموجودة بمحاذاة الجامعة وهي بالمقابل أيضا بالنسبة للطالبات 15 دينارا و20 دينارا للنساء العاديات· فضاء للبوح وإفراغ المكبوتات لا يمكن إخفاء حقيقة أخرى مفادها أن المراحيض الموجودة في الأماكن العمومية، ظلت فضاء للبوح الاجتماعي والسياسي والتنابز الرياضي، خاصة في مرحلة الأحادية الحزبية، وتحولت المراحيض في المساجد والجامعات والمقاهي إلى مساحة للإشهار السياسي في مرحلة التعددية السياسية استغلها مناضلو الأحزاب السياسية لطرح مواقفهم وبياناتهم، قبل أن تتحول إلى أكثر المساحات التي تستغلها الجماعات الإرهابية في نشر بياناتها وتهديداتها خاصة في مرحلة بداية الإرهاب التي كانت فيها الجماعات الإرهابية تتمتع بجهاز إعلامي ودعائي قوي ومكثف يعتمد على نشر الأخبار والبيانات في كل المساحات الممكنة ومن بينها المراحيض التي توفر الأمن لعناصر الجماعات الإرهابية بلحظة تعليق البيانات· وتحولت إلى مكان للبوح عن المكبوتات التي يعيشها خصوصا الشباب وحتى تناولهم لعبارات بذيئة وسيئة، لا يمكن إلا أن تكون المراحيض أماكن للإفصاح عنها من طرف أولئك الشباب، وحتى أنهم يتركون أرقام الهواتف الجوالة لربط مواعيد وأي مواعيد ···· وبالرجوع إلى السنوات الماضية، يجب التذكير بفكرة وزارة التشغيل والتضامن الوطني التي طرحها الوزير جمال ولد عباس من خلال تمكين الشباب العاطل ومن بينهم خريجو الجامعات من إدارة ''مراحيض عمومية''، حيث رصدت الحكومة ما يزيد عن مليار دينار جزائري لإنجاح الفكرة السابقة من نوعها، حيث قال عنها ولد عباس في تصريحات صحفية وقتها إن الدولة فكرت في 20 مشروعا جديدا، من بينها مشروع مراحيض عمومية يسيّرها الشباب وينتفعون من دخلها، موضحا أن هذا المشروع تبنته الحكومة كوسيلة تستطيع من خلالها إنهاء محنة آلاف العاطلين، وكان بإمكان هذا المشروع أن يوفر 34 ألف فرصة عمل فضلا عن أنه يمكن أن يفك عقدة متشابكة، يعاني منها الكثيرون يوميا، لأن الحكومة اختارت ذلك بعدما لاحظت افتقار الجزائر العاصمة إضافة إلى كثير من المدن لمراحيض عمومية عصرية، تتماشى مع كون الجزائر تراهن على السياحة كوسيلة لزيادة الدخل واستقطاب عشرة ملايين سائح بحلول العام,2010 من خلال برنامج موسّع أطلق عليه ''الجزائر البيضاء'' وهو ما يفسح المجال لتنظيف المدن وإعادة الوجه الجميل لأحيائها العريقة·الكارثة ولد عباس طرح فكرة توظيف جامعيين لتسيير المراحيض العمومية!! الأمر صعب ولا يطاق في نظر الكثيرين، لأن المشهد نفسه يتكرر في مدن تفتقر لمراحيض عمومية وحتى إن وجدت فهي تعد على الأصابع وكارثية بالنظر لحالتها غير الصحية، وهو ما وقفت عليه ''البلاد'' أثناء تجولها بكبريات شوارع الجزائر العاصمة، حتى في محطات المسافرين فالمراحيض غائبة بالمرة، وهي من الضروريات اليومية لأي شخص، بل والأخطر من ذلك أننا لاحظنا مراحيض في الهواء الطلق حيث يقضي الكثيرون حاجتهم في الشارع أو في الزوايا المهملة وحتى في أقبية العمارات أو بين الأشجار في الطرقات الكبرى، فمن منا لم يشاهد ذلك؟ نعم، هي حقيقة يجب تعريتها ولا يمكننا إلا أن نقتفي آثارها من خلال شهادات حية، هي لأحدى النساء اللواتي كانت تنتظر حافلة تقلها من محطة ''تافورة'' بقلب العاصمة نحو بوفاريك ولكنها بحثت كثيرا عن مرحاض عمومي في محطة كبرى مثل محطة ''تافورة''، ولكن للأسف بحثت مطولا عن مرحاض ومن حسن حظها أن أحد حراس مؤسسة النقل البحري الموجودة قبالة المحطة دلها على مرحاض المؤسسة وكما رددت ''إنه وثق فيها وأدخلها هناك لتقضي حاجتها ولولا ذلك ''المعروف'' على حد قولها لما استطاعت أن تحبس نفسها ''كما رددت وهي تؤكد أنها لن تنسى ذلك الموقف ولن تنسى أن المشكلة الموجودة في محطات المسافرين على أكثرها في العاصمة لا تتوفر على مراحيض عمومية إلا في محطة ''الخروبة'' التي توجد فيها مراحيض ولكن النظافة تبقى الطلب الرئيسي للمسافرين· الصورة التي يمكن أن ننقلها أن وضعية المراحيض كارثية، لا يمكن لأحد أن يقبل أن يدخلها ولو حتى من أجل الفضول فقط، أو حتى في مهمة رسمية، للأسف مراحيض الجامعات التي تستقبل آلاف الطلبة يوميا كارثة، وفي وضعية لا يمكن وصفها إلا بالمخجلة والمخزية، حديثنا عن معهد علوم الإعلام والاتصال، لم يكن مقصودا ولكنه صدفة، بل وحتى يمكننا الجزم أن جميع مراحيض الجامعات عفنة ولا يقبل أي أحد أن يدخلها إلا إذا كان مضطرا، فالكثيرون من الطلبة يفضلون الاتجاه نحو مراحيض المطاعم المحاذية للجامعة، لأنها أنقى وأفضل ولكنها تتطلب منهم أن يدفعوا ثمنا آخر يتعلق بالأكل والشرب، فليس طبيعيا أن يدخل كل من هب ودب إلى المطعم من أجل مرحاض· نعم هناك الكثير من المراحيض التي لا تحتوي على مرحاض نظيف بمعنى الكلمة، ودون تعليق نترك للقارئ أن يتخيل ذلك أويتوجه إلى نفس الجامعة، فالكثيرون يخجلون من وجود أساتذة غرباء عن المعهد، يأتونه لإلقاء محاضرة، مثلا بسبب انعدام المراحيض النظيفة، وحتى الطبلة عندما يناقشون مذكراتهم يستاءون من وجود عائلاتهم في مكان لا مرحاض فيه.