أسست الفضائيات العربية لمفاهيم جديدة انتشرت مؤخرا من خلال ما تبثه من مسلسلات درامية مدججة بالحب، وملتهبة بالمشاعر، بعد أن فتح الجيل الجديد المشبع بقيم التكنولوجيا المتطورة صفحة جديدة أسسها «الهاتف النقال» و«السكايب» و«فايسبوك»، والتي كرست حالة غير معقولة من التفتح، تحرر فيها بكثير من الجرأة من القيود الاجتماعية، التي ظلت تحكم وتسير، العلاقة بين الجنسين، فالحب خارج إطار الزوجية محظور واستثناء في الكثير من الأحيان، وجوده فيه الكثير من التحدي لسلطة المجتمع، لكن وعلى قلته كان يكلل في الغالب بالزواج، لكن ما يحدث الآن فإنه على النقيض من ذلك تماما، فالكل ركب موجة الحب، الذي أصبح عند الكثيرين «إكسير الحياة»، يروى ظمأ القلوب العطشى ويصنع حلما ورديا يختفون وراءه من هموم الحياة وضغوطها، فراح الكثير من الشباب ينافسون أبطال مسلسلاتهم المفضلة، خاصة التركية في ممارسة طقوسه جهارا نهارا وعلى الملأ، لكن السيناريو في الواقع الجزائري كثيرا ما يكون مبتورا، فالحبيب لم يعد يستل سيفه، ليظفر بحبيبته التي ستكون زوجة، بل أصبح الكثيرون يفضلون الزواج التقليدي، فلماذا يتم وأد الحب فجأة؟، ولماذا يفضل الكثير من شباب اليوم الزواج التقليدي؟ الزواج بين الماضي والحاضر أينما وليت وجهك وحططت الرحال، تجد المحبين يصنعون ديكور مدننا الكبرى، التي تمردت عن المألوف وطوت صفحة القطيعة بين الرجل والمرأة، اللذين لا يكون ثالثهما في الخلوة، إلا الشيطان فهي تحت مسميات التحضر والتمدن والرقي والعولمة والهرب من اتهامات الظلامية والتزمت، طلقت الكثير من عاداتها وتقاليدها وثارت على الكثير من المفاهيم، التي لا تجيز العلاقات العاطفية، بين الجنسين، خارج إطار الزوجية، خاصة وأن الكثير من هذه التجارب كلل بالنجاح، فالواقع الجديد وحتى وقت قريب يؤكد أن من تخوض تجربة الحب تظفر بعريس، فالرجل اليوم يرفض أن تختار له أمه من سيكمل معها بقية مشواره، كما ساهم تحرر المرأة وخروجها من البيت واحتكاكها بالرجل في انتشار هذه الأفكار، غير أن المرأة التي فتحت قلبها للحب وتصالحت مع تقبل فكرة الدخول في علاقة عاطفية، ظلت على الدوام تتمسك، بشعار أنها من الطهر، أطهر وأنها لا تملك في الحب ما تشاء، فترفض العبث بجسدها، تحت أي مسمى، لأنها تدرك بذكائها وقوة بصيرتها، مدى تعقد الرجل في مثل هذه الأمور وتزمته فيها، فهي لا تتسامح مطلقا في اختيار من سيحملها اسمه ويستأمنها على شرفه في حضوره وغيابه، وعلى يديها يتخرج أبنائه، يجب أن تكون في المستوى وأن تكون طيبة المنبت، تحظى بالثقة، التي تطرد كل وسواس، في شرفها وعفتها، فتركيبته لا تؤمن إلا بفكرة أن يكون ماضي من ستشاركه حياته بريئا حتى منه، وإلا ستحاكم ولا عقوبة إلا رفض الزواج منها، بعدها بدأت المرأة التي خرب عقلها قصص الحب المجنونة التي صدرتها لها ثقافات تتغذى من ذهنيات، تختلف عن ثقافتنا، فعطشها الشديد لقصص حب على هذه الشاكلة جعلها تبيح كل شيء ولا تمانع في سرقة لحظات حب مجنونة بأماكن تعج بنظرات الفضوليين والمتلصصين. عوالم الافتراض...ولعنة التكنولوجيا والأكثر من ذلك فإن ما نعيشه اليوم من عوالم افتراضية -حسب ما يؤكد علماء النفس - أنه جر الكثيرات دون وعي لفعل ما لم تكن تجرؤ على فعله من قبل حتى وإن كان حديثا فقط، فالهاتف النقال، الذي أغدق متعاملوه على الكثير من شبابنا بالساعات المجانية، استهلكوا الحديث في كل شيء حتى الممنوع والمحظور، فقد أسس، مع الأنترنت التي يسرت وصول الصورة إلى المتلقي، مفهوم الجنس الافتراضي، الذي ترفضه حتى المجتمعات الغربية، ما شجع بعض المراهقات على الدخول إلى عوالم الرذيلة، ومن عوالم الافتراض، إلى عوالم الواقع الذي لم تجن ثماره غيرها، ليقبلها كحبيبة لكن يرفضها كزوجة تحت تبريرات واهية ينهي بها علاقة حب كانت تتمنى من خلالها المرأة أن تتوج بالزواج كأي نهاية طبيعية لحب طاهر وشريف ليكون رفض العائلة أحيانا وعدم القدرة المادية أحيانا أخرى وحتى عبارة «تستاهلي واحد أحسن منى»، العتبة التي تتكسر عليها زيجتهم، لكن ما لا يدع مجالا للشك وأصبحت توقنه الكثيرات، جرأتها الزائدة في الحب، فمهما بلغت درجة تحرره لن تقتل به ما ورثه له المجتمع طوال سنوات، نظرة لم تعد مقصترة على المدن المحافظة التي تسللت إليها الظاهرة رغم أنوف أهاليها، فحتى العاصمة أصابتها في الكثير من الأحيان العدوى، بعد نقل أن نقل إليها الوافدون الجدد من مختلف المنابت والمشارب، ثقافتهم الجديدة وصبغوها بها، بدل أن تفرض عليهم هي قيمها ومفاهيمها، وفي الكثير من الأحيان تجد الرجل يقيم عشرات العلاقات يخرج مع هذه ويواعد تلك ويكلف والدته في الوقت نفسه إن أراد الزواج بمهمة البحث عن نصفه الآخر، وفي أحيان كثيرة يكون قلبه معلقا فعلا بها، لكن يفضل أن ينتصر عقله على قلبه ويهجرها باكي العين مشتت الفكر ومحروق القلب،على أن يتخذها زوجة يعيش معها يوميا الكوابيس،وتقتله الهواجس، فالمرأة مذنبة ووحدها تتحمل المسؤولية، حتى و إن كان هو من علمها الحب وممارسته خارج إطار الزوجية..حكايات كثيرة نحر فيها الرجل حبه واختار الزواج التقليدي الذي يخيل له من خلاله، أن من ستكون زوجته هي شجرة ما هزتها الرياح، غاضا الطرف على أن الطيبين للطيبات والطيبات للطيبين وأنه مثلما استباح أعراض وحرمات غيره سيسلط الله عليه من يستبيح حرماته وعرضه، فالجزاء من جنس العمل، نماذج من الاستخفاف بكينونة المرأة، فتحوا فيها الباب على مصراعيه للعلاقات العاطفية، لكنه أوصد في وجه الزواج، بعد أن سقطت حبيباتهم في امتحان الحب، الذي ما زالوا يحنطونه بهواجس عششت بعقولهم، جعلتهم يتنصلون من قصص حب جميلة كان سيكون من الأجمل أن تترعرع داخل القفص الذهبي لكنهم رفضوا وأصروا على الرفض. بعد 7 سنوات ضاعت أحلامها في لحظة فعل للمستحيل ليكسب قلب وسيلة، أجمل جميلات الحي، التي أبدع المولى في رسم حسنها وجمالها، الذي فتنت به الكل وشغلت به الجميع، أعلن عليها الحرب، منذ أول يوم عرفها فيه بالجامعة وقرر ألا تكون إلا من نصيبه، أصبح لأجل عيونها الناعسة شاعرا يتحفها بدرر الكلمات وبعد الكثير من المحاولات استسلمت لرجولته الطاغية ووسامته الآسرة، التي جعلت الفتيات يطلبن وصله..7 سنوات كانت كافية، ليحدث كل شيء حتى الوقوع في المحظور، ففي لحظة ضعف لم تفكر في العواقب ما مادامت لن تكون لغيره ولن يكون لغيرها، فهي زوجته والمسألة مسألة وقت فقط سيجهز نفسه عما قريب وسيأتي طالبا يدها، لتكون زوجته على كتاب الله وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن أحلامها ضاعت في لحظة قرر فيها «سليم»، أن يرتبط بابنة خالته، التي اتفقت أسرته مع أسرتها ويستحيل أن يرفض هذه الزيجة، لأجل عيونها ويمرغ كلمة والديه في التراب، لم يشفع لها بكاءها ولا توسلاتها، فبعد شهر سيقيم الزفاف وهي ستنتظر رجلا آخر، حاولت الانتحار أكثر من مرة، خاصة بعد أن أخبرها صديقه الذي لم يرحم ضعفها ولا قلة حيلتها، بعد أن رفضته ذات يوم وفضلت عليه «سليم»، فكل ما قاله لها حبيبها، كذبة ليطردها من حياته وكم كانت فاجعتها كبيرة، حينما أخبرها أنه يعلم ما حدث بينهما ذات ليلة وأنه تركها، ليتزوج من امرأة دلتها عليه أخته، بعد أن طلب من والدته أن تبحث له عن عروس، فهو كما أخبر أصدقاؤه ،الذين ذهلوا لقراره يستحيل أن يثق في امرأة فرطت في شرفها، لتندب حظها اللعين. الهاتف النقال سبب طلاقها قبل شهرين من الزفاف كانت زميلته في العمل أحبها لأخلاقها وطيبتها الزائدة فهي زوجة يتمناها الجميع وبعد عامين من الحب قرر أن يتقدم لخطبتها، خاصة بعد أن أكدت له خلال هذه المدة التي رفضت فيها أن يقترب منها، أنها امرأة شريفة والأكثر من ذلك أن لقاءاتهما كانت خاطفة جدا، فأسرتها محافظة جدا ترفض تأخرها خارج البيت لأي سبب كان وحتى في العمل يستحيل لقاؤها منفردة، لأن ابن خالتها يعمل معهما، أما الهاتف، فاهتمامه الكبير بتحضير نفسه للزيجة لا يسمح له بإهدار المال، تقدم لخطبتها ولأنه لم يعد يطيق صبرا على فراقها، عجل الزواج، وأخيرا بعد شهرين سيجمعها عش واحد بمحمد لم تكن الفرحة تسعها، ولأنه لا يُعلى على المكتوب، فقد شاءت الأقدار أن يقتني شريحة إلكترونية من نوع ذات اشتراك مفتوح، يمكنه من خلالها الحديث مجانا بعد الساعة التاسعة، ولأن أجواء الليل ساحرة ولا يمكن مقاومة مشاعر الحب الجارفة التي ظلت كامنة 29 سنة كاملة، فقد راحت تسترسل في الحديث في كل ما تعلق بالحب وحتى طرق ممارسته، فمجرد تلميح له منها فجر براكينها وجعلها تستعرض أمامه كل ثقافتها ومدخراتها حول الموضوع، لكن أول سؤال تبادر إلى ذهنه من أين لها كل هذا، من أين لها هذه الثقافة وهي لا تزال عازبة؟ لم يقتنع بتاتا أن ما تغرقنا به وسائل التكنولوجيا من معارف حتى حول الأمور الجنسية وأن النظرة التقليدية، تجاوزها الزمن ولم يعد من المقبول أن تبقى بليدة تتعلم فقط من زواجها، فهو مشروع حتى ينجح ينبغي التحضير له، نظريا لكنه لم يقتنع، فتلك الجرأة مشكوك فيها، ليتركها وسط ذهول الكل ولأنه رجل وشهم، فقد قرر التنازل عن كل ما أنفقه عليها، المهم أن الله أنقذه وعرفها على حقيقتها قبل أن يبتلى بها، ليقيم العرس في وقته المحدد، لكن مع امرأة أخرى خطبتها له والدته سريعا. رجال لا زالت تحكمهم حتى النخاع أعراف المجتمع الذي لا يتسامح، حتى وإن كان الرجل هو الجلاد وهو من أوقد قلبها بمشاعر جياشة ظلت مؤجلة إلى حين، فهو لن يعارض، أن يقيم علاقات عاطفية، يكون فيها الامتحان الأصعب هو جهاد النفس والحفاظ على عفة الجسد، فلا مكان عند الكثيرين للحب بمفهومه الجديد، الذي أسقطت فيه كل الخطوط الحمراء، فقد يجعل منها حبيبة لكن يستحيل أن تكون زوجة، ليكون ملاذه الوحيد زوجة تختارها له والدته يكمل بها دينه.