عندما تسافر عبر ربوع الجزائر الحبيبة، تكتشف مدى التنوع الكبير في العادات والتقاليد المميزة لمنطقة دون أخرى ومجتمع محلي عن آخر، ولكنك تدرك لا محالة أن هذا التنوع قد يتداخل في نقاط ما تصنع تميز المجتمع الجزائري وخصوصيته بصفة عامة، تلك هي الملاحظة التي وصلنا إليها ونحن نزور معرض ولاية تيسمسيلت، التي حطت بالصخرة السوداء عاصمة ولاية بومرداس، ضمن فعاليات الأسابيع الثقافية للولايات. من بين أهم ما تشترك فيه عادات مناطق الوطن الكثيرة، نصب الخيم كأهم رمز تاريخي وحضاري ما يزال الحفاظ عليه متوارثا عبر الحقب والأجيال.. وقد نصبت خيمة ببهو دار الثقافة لبومرداس، تداولت عليها مختلف البعثات الولائية التي تشارك في إطار نفس الفعاليات طوال الصائفة الجارية، وطبعا كل بعثة ممثلة لولايتها تجهز الخيمة بلوازم الحياة اليومية حسب تقاليد منطقتها، وهي ذات اللوازم التي توصلنا إلى نتيجة أنها متشابهة كثيرا، بحكم نزولنا ضيوفا على معظم الولايات المشاركة في "مدن وثقافة" خلال تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، أو الأسابيع الثقافية للولايات التي تعتبر امتدادا للتظاهرة الأولى... وبمعرض مقام ببهو دار الثقافة، عرضت لوازم الحياة اليومية للمجتمع التيسمسيلي، قيل لنا أنها أضحت حاليا مجرد قطع للزينة المنزلية، فقد حلت لوازم عصرية محل تلك اللوازم التقليدية، ومن هذه الأخيرة نذكر الأواني المنزلية بكل أنواعها من حاجيات المطبخ وقربات الماء ومستلزمات حياتية أخرى مصنوعة من الدوم والحلفاء مثل القصاع (عبارة عن طناجر صغيرة من دون غطاء) والبراميل والحصائر وصناديق العرائس التي تحمل فيها جهازها حين تزف إلى بيت زوجها، وبالحديث عن العرائس خاصة ونحن في فصل الأعراس والأفراح، فإن تيسمسيلت التي تعني تسميتها غروب الشمس في اللغة البربرية، تتّبع عادات خاصة في تزويج بناتها، حيث تقول الخالة بن نعمان محجوبة من بلدية ثنية الحد، وتقول أن أعراس المنطقة يحضر فيها طعام السميد أو الكسكسى الأبيض بالمرق الأحمر، وهو كسكسى لونه أحمر يسمى محليا بطعام الحمّوم يحضر من الشعير. وتبدأ الأعراس بتيسمسيلت منذ دخول فصل الربيع إلى نهاية الخريف، وترتدي العروسة ما يسمى محليا "الروبة" أو "البديعية"، وهي مثل العباية تسمى عند البعض الآخر الشلالية يرتدى تحتها اللباس ويربط رأس العروس بمنديل الكيلو أو المحرمة، وقبله يوضع على رأسها الفولارة او الشملة او العصابة، وفوق كل هذا يوضع خمار طويل يتدلى على النصف العلوي من جسم العروس يسمى البخنوق.. كما تلبس العروس الخلخال ومسايس الفضة، مع الإشارة إلى أن الذهب لا يرتدى كثيرا بلولاية ولم ينتشر إلا مؤخرا. ويحمل جهاز العروس في صندوق خشبي يصنع يدويا ولا يحمل فيه سوى بعض قطع الملابس اليومية للعروس وقارورات عطر وقطع صابون، إضافة إلى كيلوغرام قهوة حب ترحى يدويا وكيلوغرام سكر قطع، وعلى العروس أن تحضر مشروب القهوة في صباح عرسها وتوزعه على الحضور حتى "تكون حياتها الجديدة حلوة"، تقول الخالة محجوبة. وقد تحمل العروس في مناطق أخرى إلى جانب القهوة والسكر، التمر والحناء. وبعد مضي أسبوعين من العرس يمضي أهل العروسة إلى بيتها الجديد حيث تقيم في الغالب مع عائلة زوجها، وهم يحملون معهم ما طاب واشتهى من الأكل الذي تذبح له الذبائح لتحضيره، كما يحملون لها ألبسة وافرشه مصنوعة يدويا مثل الزرابي والأغطية والمخاد وغيرها كثير، ولكن كل على قدر ميزانيته.. وكلها عادات في الغالب قد تجاوزتها العصرنة الا القليل. ما بقي ثابتا هي الفرق البدوية التي ترافق موكب العروس منذ خروجها من بيت أهلها إلى بيت زوجها، تتقدمه امرأتان تنشدان المربوع، وهي قصيدة محلية يقول مطلعها: "ياناس القلب ومالو.. تبع الصادة ماعندو واش ضوالو"، والمعنى أن محبا زوجت حبيبته لغيره ويوم زفافها راح يحاور نفسه بأن يخبرها أن المحبوبة قد ابتعدت عن قلبه إلى الأبد وكذلك يتتبع خطى الناس ويخبرهم الشيء نفسه لبالغ الحزن الذي اعتراه. وبعد هذا المربوع تلقى قصائد شعرية بدوية أخرى على وقع الأنغام المحلية وطلقات البارود. للإشارة، فإن بعضا من هذه العادات استمتع برؤيتها على المباشر زوار الأسبوع الثقافي لتيسمسيلت بدار الثقافة رشيد ميموني، وقد دوت طلقات البارود بالأرجاء على وقع الأصوات الجهورية للنسوة اللواتي رددن المربوع طويلا، وهن يحضرن العروس في جو تمثيلي يقرب الصورة أكثر من سكان بومرداس.