الدراما الجزائرية تعيش الفقر والضياع حملت الفضائيات العربية في الأعوام الأخيرة مفاجآت عديدة في الدراما كسرت كل الطابوهات بالمواضيع التي تناولها كتابها والتي تميزت بأطروحاتها الجريئة في مقاربة مشاكل الشباب والعلاقات خارج إطار الزواج والأمراض الجنسية، سرقة الأطفال والمتاجرة بالأعضاء * * ... وغيرها من المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا الجزائري، ومن خلال رؤية ومعالجة شبابية متميزة وقضايا أخرى لم تكن مباحة من قبل في الدراما العربية. * * "المتشردة"... جرأة ولدت ميتة * خلافا لذلك ظلت الدراما الجزائرية محصورة في معالجة بعض المواضيع التي اعتاد عليها المشاهد الجزائري، وأصبح القائمون على صناعة الدراما يصرون على القفز فوق مشكلات وأزمات مجتمعنا ومسبباته وكيفية معالجته في الميدان الدرامي، وأصبح يغلب على معظمها الطابع الفلكلوري والتغني بالتراث ومآثر وبطولات الأجداد وإعطاء العقل نزهة لا يستحقها في منطقة كل ما فيها يغلي ويفور بالقضايا الشائكة والحساسة، ورغم الانتشار الكبير للجرائم التي ترتكب يوميا في مجتمعنا من خطف للأطفال وسرقة الأعضاء، الاغتصاب، الحرڤة،الرشوة، تبييض الأموال، السياسة، التطرف الديني، التجارة في الجنس، بيوت الدعارة وغيرها من المشاكل التي تنجم عن الجريمة المنظمة والتي تتخطى في بعض الأحيان حدود الدول، الرشوة، كل هذا لم يحرك ساكن الدراما الجزائرية لتناول هذه المواضيع التي تركت حالة من الرعب والهلع بين الناس. * ويسعى العديد من كتاب النصوص الدرامية من شباب اليوم إلى تحقيق تميز في الأعمال التي تشكل لهم ساحة لخوض معارك توسع لهم الهوامش وترفع سقف حرية التعبير، من خلال المساس بهذه الطابوهات، حيث تعرضت بعض الأعمال الدرامية في الجزائر إلى هجوم واسع من قبل أشخاص معينين كمسلسل "المتشردة" الذي سجل خطوة متقدمة عندما تطرق إلى جريمة الاغتصاب التي يروح ضحيتها أطفال لا ذنب لهم يجدون أنفسهم يدافعون عن ذنب لم يرتكبوه وكانوا ضحية نزوة عابرة، كذلك مسلسل "الحرڤة" للمخرج موسى حداد الذي رفضته لجنة القراءة، وهي المرة الأولى التي يكرس فيها عمل كامل للبحث في هذه الظاهرة المسكوت عنها، التي سبق التعرض إليه بأشكال مختلفة في الصحافة المكتوبة التي اتجهت نحو معالجة هذه الظاهرة كموضوع رئيسي يتداخل مع الفساد، وتختلف الآراء حول المستوى الفني لتلك الأعمال من جهة، وعن أسباب عدم التطرق لمعالجتها من جهة أخرى. * الممثلة بيونة من جهتها ظلت تنادي بجرأة الطرح في الإنتاج التلفزيوني وتناول الظواهر الاجتماعية السائدة في الجزائر على غرار الدعارة والأمهات العازبات وتشرد الأطفال والتسول وغيرها من الآفات التي لم تتضمنها المسلسلات الجزائرية أبدا وجاء تناولها في بعض الأحيان سطحيا ليظل المجتمع الجزائري مثاليا. * * "على المخرجين والكتاب التحايل دون تجاوز الخطوط الحمراء" * سليمان بوبكر كاتب مسلسل "البذرة" تطرق لأسباب غياب مثل هذه المواضيع الشائكة عن اليتيمة، وقال انه لا يمكن لأي كان أن يتجاوز السياسة القومية لبلده، وهذا ينطبق كما قال على جميع البلدان وحتى القوية منها، كما انه لا يمكن فرض أمور على أشخاص دون أن يكون هناك حكم قانوني يقضي بمنع التعرض لمثل هذه المواضيع الشائكة، وأشار إلى موضوع الرشوة الذي أصر على أن يتناوله في مسلسله "البذرة" ليطرح من خلالها قلقه الشديد من تفشي هذه الآفة بطريقة ذكرية تدعو إلى محاربتها، مضيفا بأنه يجب أن يكون هناك إحساس لدى كتاب السيناريو والمخرجين عند تناولهم لمثل هذه المواضيع بذكاء وحيلة كبيرين لا تتجاوز الخطوط الحمراء ودون أن تقلق المشاهد أو تسبب الحرج في أوساط العائلات الجزائرية التي تعلم جيدا أن مثل هذه الظواهر موجودة في مجتمعنا. * وأيد سليمان بطريقته الخاصة مثل هذه الأفكار وصرح في المقابل انه تناول ظاهرة الاغتصاب في فيلمه الذي يحضر له حاليا بالرغم من استغراب العديد من الأشخاص الذين قاموا بالاطلاع على السيناريو. * * أين قضايا المرأة وتحريرها والعنف الذي يمارس ضدها في الدراما الجزائرية * وفي حديث حول الموضوع، رأت رئيسة جمعية المرأة "نفيسة لحرش" في اتصال مع "الشروق" أن الدراما يجب أن تعكس الصورة الحقيقية للواقع المعيش بحلوه ومره، وأن نرفع مستوى المشاهد بطرح قضايا جوهرية بعمق وليس بسطحية أو بتكريس المفاهيم التي تجاوزها الزمن والهروب من الواقع الاجتماعي الحقيقي، متناسين الشباب والتحديات التي يواجهونها، وقضايا المرأة والعنف الذي يمارس في حقها، لأن مجتمعنا كما قالت ليس مثاليا يخلو من القضايا الشائكة التي لا بد من تناولها كالعنف، الاغتصاب، التشرد، التطرف الديني، البيروقراطية، السياسة وغيرها. * وعبرت نفيسة في المقابل عن قلقها إزاء الطريقة التي تقدم بها صورة المرأة والطرح غير المعقول لقضايا المرأة الجزائرية واحتكارها في الدراما داخل البيت فحسب أو كخادمة لا يقتصر عملها إلا في خدمة زوجها وأولادها، متناسية كيانها كعنصر فاعل، لأن المرأة كما قالت أصبحت تقدم للمجتمع أحيانا أكثر مما يقدمه الرجل وسلمت حياتها ورقتها وفكرها لتصبح النصف الفاعل في المجتمع، فكيف يصح أن تقدم في الدراما بتلك الصورة السلبية؟! ناقمة على التلفزيون الجزائري عرضه لمثل تلك الأعمال، واعتبرت أن ما تقدمه "اليتيمة" يتطلب مراجعة من المسؤولين والممولين لهذه المشاريع الإعلامية حتى نحترم ذوق المشاهد وكيان المرأة. * هذه القنوات التي رأت بأنها أصبحت تخضع في كامل الوطن العربي للممول الذي يمتلك رؤية خاصة بالنسبة للمرأة لا يريد أن يغيرها، وغالبا ما تكون بالفهم الخاطئ للدين، أما "ياسمينة ميداني" منسقة البرامج في الجمعية فقد طالبت هي الأخرى بكسر الطابوهات عن الدراما الجزائرية وإعطاء السيناريست الحرية الكاملة في اختيار المواضيع ومعالجتها بالطريقة التي تتماشى مع أخلاقنا وسرد الوقائع والأحداث اليومية التي يعيشها الشارع الجزائري وخاصة كل ما يتعلق بالمرأة التي تتحمل في غالب الأحيان الأخطاء التي يرتكبها الرجال في حقها، وألحت على التخلص من السلبيات السائدة في عقول مشاهدينا وتوسيع دائرة لجنة القراءة بخلق قنوات خاصة تمكن المخرج من سرد الوقائع التي يريدها وبالطريقة التي يراها مناسبة. * * نحن ننتج وللتلفزيون حق الرفض أو القبول * أكد محمد صحراوي، باعتباره مخرجا ومنتجا، أن وجود طابوهات في مجتمع ما يعني وجود مجتمع محافظ، أما عن طرح المواضيع التي يتحاشاها الكثير من المخرجين وكتاب النصوص الدرامية، قال بادي انه لم يترك موضوعا إلا وتطرق إليه في سلسلة "الفهامة" لكن بطريقة فكاهية لا تؤثر في المشاهد الجزائري. * وعن تناول بعض المواضيع الشائكة الأخرى كالاغتصاب والاعتداء على الأطفال، قال بادي انه ضد هذه الفكرة، بحيث ليس بمقدوره إنتاج وإخراج مثل هذه الأمور، مرجعا السبب إلى عدم تقبل العائلات الجزائرية لتلك المواضيع بالرغم من انتشارها الواسع في مجتمعاتنا، مبررا قوله بوجود مختصين في هذا المجال ممن يستطيعون تجاوز هذه المواضيع لأن توجهه فكاهي أكثر من درامي المواضيع. * وأضاف بادي أن التلفزيون الجزائري له الحق في قبول أو رفض أي عمل يقدم له، وهذا ما حصل في سلسلته "حال وأحوال" عندما أوقف بثها في رمضان والذي أرجعه الكثيرون إلى المعنى السياسي الذي كان وراء العديد من الحلقات، لكن بادي أكد ل "الشروق" انه كان بعيدا كل البعد عن نظام الحكم وأنه لا يدري إلى حد الآن سبب توقيف بث برنامجه "حال وأحوال" بقوله "مكة أدرى بشِعابها". * * كاتب النص هو المسؤول الأول والأخير عن رفع أو كسر الدراما * رأى الكاتب زوبير عمير أن سبب غياب مثل هذه المواضيع عن "اليتيمة" إلى السيناريست الذي يجب أن يكتب بطريق مفتوحة، كما يجب أن يتحلى كاتب النص بالجرأة في التطرق للمواضيع، وضرب المثل بالمنتج والممثل حكيم دكار الذي تناول في مسلسله الأخير قضية التجارة في المخدرات في المدارس الجزائرية من دون حواجز، وهذا حسب قوله سيفتح المجال أمام كتّاب النصوص لكسر الحواجز. * وأيد زوبير التطرق إلى مثل هذه المواضيع في العمل الجديد الذي انتهى من كتابته وقام بعرضه على المخرج حازرلي الذي أعجب به كثيرا، والنص يحمل عنوانا من المسؤول بطرحه ست قضايا خطيرة سائدة في مجتمعنا كالتجارة بالأعضاء، الانتحار، الفتيات اللائي يتعرضن للاعتداء الجنسي ولا يجدن مفرا من فضيحتهن سوى وضع حد لحياتهن، ومشكلة خطف الأطفال بسرد وقائع لطفل في 12 من العمر تمت سرقته من طرف عصابة طلبت المال من أهله مقابل إطلاق سراحه ويعتدون عليه بعدها وترمى جثته في مكان مجهول. وعرض زوبير في المقابل فكرة إنشاء قنوات خاصة تفتح المجال لكثير من المنتجين وكذا كاتبي الكلمات دون قيد. * * يجب كسر الطابوهات بذكاء * عبر حكيم دكار على رأيه بخصوص الطابوهات لا لكونه ممثلا فقط وإنما باعتباره منتجا تجرأ في العديد من أعماله إلى كسر مثل هذه الطابوهات. * وحسب رأيه فإن الفنان هو من يجب أن يطرح هذه القضايا على المجتمع دون أن يتخوف من ردة فعل المجتمع، وإلا فلن تنهض الدراما جزائرية من الركود الذي تعيشه حاليا لتلتحق بسرب الدراما العربية التي اجتاحت هذا الخط ولم تترك أثرا شائكا في المجتمع إلا وتناولته، بدليل انه تناول العديد من المواضيع الحساسة في سلسلته "شوف لعجب" و"جحا" ومؤخرا في "أشواك المدينة" حيث تطرق إلى الانتشار الكبير لتعاطي المخدرات في المدارس، ومساهمة المرأة العاملة في إصلاح المجتمع وفي محاربة المافيا بعيدا عن نظرة المجتمع إليها وقوقعتها في الجنس فحسب. * وفي المقابل تحدث دكار عن كتّّاب النصوص في الجزائر الذين يميلون غالبا في كفة واحدة ويعالجون بالتقريب نفس المواضيع التي سئم منها المشاهد والتي لا تصف غالبا حقيقة الوضع الاجتماعي ولا تتحدث عن العلاقات الحميمية في الأسرة الواحدة لا بين الزوج وزوجته ولا بين الأب وابنه وغيرها من الأمور التي لا تزال حاجزا لم يستطع لا الفنان ولا كاتب السيناريو تجاوزه. * ونفى حكيم أن يكون قد تعرضت أعماله إلى الرفض من طرف التلفزيون الجزائري بالرغم من تمرده ومشاكساته العديدة. ويرى بدوره انه يجب على التلفزيون أن يمشي على هذا الخط ليتيح الفرص للمنتجين الجزائريين التطرق إلى هذه المواضيع ومعالجتها بطريقة ذكية، مؤكدا في نفس الوقت بأنه يصبو إلى تناول مواضيع أكثر جرأة في المستقبل كمرض السيدا مثلا. * * يجب خلق قنوات خاصة بالشباب * ورأت باية الهاشمي أن عزوف العائلات الجزائرية عن مشاهدة هذه المواضيع التي تتناول كل ما هو ممنوع كان وراء عجز الدراما عن لمس مشاعر المشاهد الجزائري وسببا في التحسر العاطفي للدراما الجزائرية، لأن المجتمع الجزائري يظهر دائما عدم تقبله للمعالجات الجريئة وخاصة علاقة الرجل بالمرأة بهامش واسع من الحرية ومعالجة مواضيع ظاهرة للعيان في مجتمعاتنا. وأضافت باية الهاشمي بأن المنتج في الجزائر مقيد برغبة المشاهد ولا يمكنها كمنتجة كسر البعض من الطابوهات وليس كلها لأنها قامت -كما أضافت- بكسر هذه الحواجز في عهد الحزب الواحد في سلسلاتها حول اغتصاب البنات، والعبث بكرامة المرأة، على حد قولها، بأنه كانت لديها حرية أكثر من اليوم. * ومن جانب آخر أعطت باية الهاشمي رأيها في ما يخص خلق قنوات خاصة بالشباب تمكن المنتجين الجزائريين من طرح قضايا الشباب وكل ما يتعلق بهم وهي متأكدة بأنه سيكون فضاء واسعا لطرح مثل هذه القضايا بعيدا عن أعين الكبار من أوليائنا الذين لا يزالون يحتفظون بعادات وتقاليد أجدادنا، ويرون بالتطرق لهذه الأمور مسا بعاداتنا ومعتقداتنا ولكي تتيح للمشاهد الجزائري حرية الاختيار ومشاهدة ما يرغب في مشاهدته، وقالت إنها بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مسلسلها "القلادة" الذي يتناول جانب من واقع المرأة الجزائرية. * * المشاهد يصف الواقع بصب الماء في الرمال * واعتبر المواطن احمد من الجزائر أن عدم الوصول إلى كسر الطابوهات مثل التي ذكرت في النشاط السينمائي هو بمثابة صب الماء في الرمل لأن الدور الحقيقي للفنان هو معالجة القضايا الحساسة وليس فقط الاكتفاء بمشاهد تلفزيونية عادية تستثني الحديث عن اخطر المظاهر التي تفشت في المجتمع كزنا المحارم والشذوذ الجنسي والخيانة الجنسية وعلاقات الحب وهيامها والتي تنتهي بمآسي أقلها انتحار احد العاشقين.. كلها قضايا للفنان دور في معالجتها يجعل منه أداة لإصلاح ما يمكن إصلاحه أو على الأقل وسيلة لإعلام المجتمع بما لا يعرف أو يتحاشى ذكره. * ويرى مواطن آخر أن القضايا الراهنة أجدر بتسليط الضوء عليها ودراستها، دون استحضار الماضي لتعويض مرارة الواقع العربي باستعادة الأمجاد الغابرة، ورأى بأن التركيز على هذه المواضيع يؤشر إلى أزمة حقيقية وحالة من الإفلاس في الدراما الجزائرية ويقلل من مستواها عربيا مقارنة بالدراما السورية والمصرية. * *