تقاطعت التحليلات التي قدّمها عدد من الخبراء الاقتصاديين والأكاديميين في أن منظومة التعليم في الجزائر، انطلاقا من المؤسسة التربوية إلى مؤسسات التعليم العالي مرورا بمراكز التكوين المهني، فشلت في محاربة تفاقم ظاهرة البطالة، رغم أن هؤلاء لم يُنكروا الجهود التي قامت بها الدولة في هذا الاتجاه، وهو الأمر الذي دفع بهم إلى المطالبة بفتح «نقاش وطني جدّي» حول علاقة التكوين بالتشغيل. تحوّل النقاش الموسّع الذي فتحه مجلس الأمة أمس في أشغال يوم دراسي حول «التكوين والتشغيل في الجزائر»، إلى ما يُشبه المساءلة والانتقاد الصريح لخيارات المنظومة التربوية ومستوى التكوين الذي توفّره مختلف مؤسسات التعليم، ولم يغفل المتدخلون إجمالا الحديث عن فشل خيارات بعض القطاعات الوزارية في إيجاد حلول ناجعة لمشكلة البطالة إلى جانب عجزها في بناء منظومة اقتصادية قوية رغم التسهيلات التي منحتها الدولة في السنوات الأخيرة. وكانت ثلاث وزارات الأكثر عرضة للانتقاد من طرف الخبراء الذين جاؤوا إلى مبنى «زيغود يوسف» لإثراء النقاش، ويتعلق الأمر بكل من وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي وكذا التربية الوطنية ومعهما وزارة التكوين والتعليم المهنيين، حيث أشار البروفيسور «عبد الكريم بن أعراب»، وهو خبير ومستشار دولي، إلى ضرورة «فتح نقاش وطني حول التعليم العالي في الجزائر»، ولم يتوان في اتهام وزارة «رشيد حراوبية» باستيراد منظومة تكوين بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع الجزائري. كما انتقد الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة قسنطينة في سياق تحليله لواقع التشغيل ببلادنا، طريقة اعتماد نظام الإصلاح «أل أم دي»، واستند في الدفاع عن هذا الموقف على بعض المؤشرات الرقمية التي ذكر منها أنه «بخلاف المؤشر العالمي فإن نسبة البطالة في الجزائر مرتفعة لدى فئات حاملي الشهادات الجامعية ب18 بالمائة»، في حين تتراوح في حدود 13.8 بالمائة لدى حاملي شهادة التعليم المتوسط، وأعلن أن نسبة البطالة في الفئة العمرية بين 16 و24 سنة تتجاوز 48 بالمائة. ولم تختلف مداخلة عضو مجلس الأمة، الدكتور «عبد الكريم قريشي»، عن سابقتها على اعتبار أنها ارتكزت على سؤال محوري مفاده: «لماذا هناك نفور من التكوين المهني في الجزائر رغم وجود 300 تخصّص في مدونة القطاع؟». إضافة إلى أن المتحدّث أعاب على الجامعة فشلها في القضاء على المشاكل والأزمات المتفشية داخل المجتمع وفي مقدمتها انتشار البطالة وسط الشباب، وبرأيه فإن المطلوب هو «وضع خطط رشيدة بعيدا عن الحلول الشكلية». وأضاف السيناتور «قريشي» في عرضه لعدد من الاقتراحات أنه من الضروري تقييم نوعية التكوين في الجزائر ومراجعة منظومة التكوين المهني حتى تكون مرنة ومتماشية مع حاجيات سوق العمل، وحذّر من تدفق المتخرّجين من الجامعات على حساب النوعية، في انتقاد واضح لسياسات الحكومة، لافتا إلى أنه من أصل 150 ألف متخرّج من الجامعات في 2010 يوجد 52 ألف متخرج من تخصّصات العلوم، في وقت يزيد عدد الخريجين في تخصّصات العلوم الاقتصادية والاجتماعية عن 92 ألف، ما يعني وجود خلل في التكوين. أما الخبير الاقتصادي ومدير معهد التنمية البشرية بجامعة وهران، الدكتور «محمد بهلول»، فقد ذهب أبعد من ذلك عندما قال إن الجزائر بحاجة إلى «فتح نقاش وطني جدّي» وإلى «وضع نظام اقتصادي وطني جديد» ومرافقة ذلك بإعادة النظر في منظومة التربية والتعليم، مضيفا: «نحن بحاجة إلى منظومة تربوية تتجاوز فكرة تعلم القراءة والكتابة إلى منظومة تضمن تعلّم المعرفة»، ووفق تقديره فإن بلادنا تواجه حاليا أزمة في نظام الإنتاج «فكلما تزايد عدد حاملي الشهادات كلما واجهنا مخاطر كبرى بسبب ارتفاع معدّل البطالة». وحتى المدير العام بالنيابة للوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب «أنساج»، «محمد الطاهر شعلال»، أبعد المسؤولية عن هذا الجهاز وعن وزارة العمل في تحمل ثقل توفير مناصب الشغل، معتبرا أن الإشكال الأساسي المطروح يكمن في الجامعة، قبل أن يتابع شرحه: «لا بدّ من إعادة الاعتبار للشهادة المهنية في الجامعة على حساب الشهادة الأكاديمية». فيما اعترف وزير التكوين والتعليم المهنيين، «الهادي خالدي»، بأن «مشكل التوجيه» يأتي في مقدمة عوائق التكوين في المنظومة التربوية بالجزائر، مطالبا بإجراء تحليل نفسي واجتماعي وكذا اقتصادي للوضع.