تحول الصراع الدائر في ليبيا إلى مصدر إزعاج للجزائر على أكثر من مستوى خاصة بسبب التصريحات التي يطلقها بعض الساسة والتي تشوش على الموقف الرسمي الجزائري الذي يقوم على الحياد وعدم التورط في هذا الصراع مشاركة عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الصادق بوقطاية في مؤتمر شعبي نظم بطرابلس أثار جدلا كبيرا داخل حزب الأفلان خاصة وأن بوقطاية أطلق تصريحات تدعم موقف السلطات الليبية وتحمل انتقادات حادة للمعارضة الليبية، ورغم أن بوقطاية لا يشغل أي منصب رسمي في الدولة الجزائرية فإن بعض قيادات الحزب، وخاصة خصوم بلخادم الذين يقودون حركة تقويمية ضده، ركزوا على القول بأن تصريحات بوقطاية تشوه الموقف الرسمي الجزائري، وطالبوا بتقديم توضيحات عن الجهة التي أرسلت بوقطاية إلى طرابلس وباسم من كان يتحدث، ورغم أن الحزب لم يصدر أي موقف رسمي من هذه القضية فإن بعض المقربين من بلخادم اعتبروا أن تصريحات بوقطاية موقف شخصي يلزم صاحبه الذي لم يمثل الأفلان في هذا المؤتمر ولم يكن متحدثا باسمه. هذه الحادثة تزامنت مع نشر تقارير إعلامية تحدثت عن غضب الرئيس بوتفليقة من تصريحات وزير الداخلية دحو ولد قابلية بخصوص الموضوع الليبي، فقد نقل الجريدة الإلكترونية "كل شيء عن الجزائر" عن مصدر وصفته بالمقرب من الحكومة أن الرئيس سجل اعتراضات على تصريحات كان أدلى بها وزير الداخلية في حوار نشرته جريدة "الشروق" وقال فيها "إن وصول الثوار إلى السلطة سيؤدي إلى توتر العلاقة الجزائرية الليبية"، وقد كان تنبيه الرئيس بوتفليقة إلى: "أن الدولة الجزائرية لم تعترف بهم كثوار بل كمعارضة للنظام القائم في ليبيا والمتمثل في العقيد معمر القذافي"، مضيفا "وخاصة أن الجزائر أعلنت منذ البداية أنها لا تساند أي طرف ضد أخر في ليبيا، و هي مع وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع، و معارضتها للتدخل الأجنبي مع احترامها لحق الشعوب في تقرير مصيرها"، ولعل هذا التنبيه من جانب الرئيس سيجعل التصريح بخصوص الموقف من ليبيا من اختصاص وزير الخارجية وحده. المشكلة هي أن هذه التصريحات، سواء تعلق الأمر بمسؤولين أو بأشخاص لهم صلة وثيقة بالسلطة، تشوه الموقف الرسمي الجزائري الذي سعت الدبلوماسية الجزائرية إلى تصحيحه بعد الحملة الإعلامية التي قادتها المعارضة الليبية ضد الجزائر التي تتهمها بدعم العقيد معمر القذافي بالسلاح والمرتزقة، وقد بذل وزير الخارجية جهودا كبيرة من أجل تصحيح هذه الصورة سواء من خلال حديثه إلى نظيره الفرنسي آلان جوبيه أو من خلال لقائه المسؤولين الأمريكيين خلال زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي، وتقدم هذه التصريحات غير المدروسة مزيدا من الحجج للمعارضة الليبية من أجل مواصلة حملتها على الجزائر. على مستوى آخر يجري استغلال تصريحات بوقطاية من أجل تصفية الحسابات الداخلية في حزب جبهة التحرير الوطني، فخصوم بلخادم الذين اضطروا إلى التواري منذ أشهر بعد أن نأى الرئيس بنفسه عن هذا الصراع وجدوا فرصة للعودة إلى الساحة، ولم يناقش قادة الأفلان من حركة التقويم والتأصيل الموقف من حيث المبدأ بل ركزوا على عدم تطابقه مع الموقف الرسمي للدولة الجزائرية، وهي إشارة واضحة إلى أن الأفلان الذي يقوده بلخادم لم يعد قادرا على تمثيل الجزائر وأنه قد يتحول إلى مصدر إزعاج وإحراج للجزائر الرسمية، فقد تم تقديم القضية على أنها تناقض بين موقف الأفلان والموقف الرسمي الجزائري وهو ما يجعل الرسالة موجهة إلى الرئيس وإلى مساعديه الذين انتظر منهم التقويميون بعض الدعم من أجل إزاحة بلخادم غير أن الرد بدا فاترا حيث رفض الرئيس التدخل في الشأن الداخلي للحزب. الأسئلة التي طرحت حول مشاركة بوقطاية في مؤتمر طرابلس أعادت إلى الواجهة الصراعات الداخلية في الحزب العتيد، فالإعلان عن الإصلاحات السياسية، وإشراك الأحزاب السياسية في النقاش حول هذه الإصلاحات عجل بعودة التقويميين إلى الواجهة باعتبار أن تفويت هذه الفرصة يعني تعزيز مكانة القيادة الحالية، ويمثل اقتراب الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد عام من الآن عامل ضغط على خصوم بلخادم الذين يريدون اليوم إضعافه تمهيدا لإزاحته، وهو أمر يبدو صعب المنال ما لم يبد الرئيس بوتفليقة رغبته في التخلي عن بلخادم وهو أمر تؤكد كل المؤشرات أنه غير وارد على المدى المنظور على الأقل.