إذا كان شكل النظام السياسي المراد اعتماده في التعديل الدستوري المقبل، هو محل تباين في مواقف الطبقة السياسية، فإن تحرير قطاع الإعلام وضرورة رفع السلطة يدها عنه، هو محصلة إجماع عريض وسط المدعوين لمشاورات هيئة بن صالح، سواء من قبل أحزاب الائتلاف الرئاسي أو من قبل المعارضة. لم تترك مقترحات الأحزاب السياسية أي مجال أمام السلطة للمناورة، بخصوص قطاع الإعلام، بحيث سارت كل آراء الطبقة السياسية في طريق واحد، يدعو إلى رفع كل القيود عن حرية التعبير والصحافة، سواء كانت تشريعية أو إدارية أو بيروقراطية، وتمكين الأسرة الإعلامية الوطنية من تنظيم المهنة وفقا للمقاييس المعمول بها في الدول الديمقراطية. وضمن هذا السياق، تبنت الأحزاب السياسية، سواء المحسوبة على السلطة أو المعارضة، ضرورة تشكيل المجلس الأعلى للإعلام كهيئة تشرف على القطاع، بمعية مجلس أعلى للسمعي البصري، تحسبا لفتح قطاع السمعي البصري للمنافسة وفق دفتر شروط مضبوط. لقد وردت هذه المقترحات على لسان الأمين العام للأفالان، عبد العزيز بلخادم، وللأرندي والوزير الأول أحمد أويحيى، مثلما طرحت في مذكرات سلمت لهيئة عبد القادر بن صالح من قبل أحزاب النهضة، حزب العمال، حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح الوطني، وكذا من قبل الشخصيات الوطنية والمنظمات الوطنية التي استقبلت في هذه المشاورات حول الإصلاحات السياسية. ويعكس هذا ''الإجماع'' الحزبي أن الإبقاء على ''الغلق'' الإعلامي الممارس من قبل السلطة واحتكارها للإعلام الثقيل لم يعد فحسب مقبولا، بل أن جدية الإصلاحات مرتبطة أساسا بمدى تحرير قطاع الإعلام من كل أشكال القيود السلطوية. ويأتي في هذا السياق مطالبة الأحزاب بضرورة فرض على المؤسسات الرسمية نشر وإيصال المعلومة، وتمكين رجال الإعلام من مصادر الخبر، بحيث اقترح اللواء المتقاعد خالد نزار، بشأن قانون الإعلام، بأنه ''يتعين على القانون المعدل أن يعيد الاعتبار لصلاحيات سلطة ضبط مستقلة وترقية الإعلام في كنف احترام أخلاقيات المهنة''، في حين دعا الأرندي، على لسان أمينه العام، إلى ضرورة ''إلزام الإدارة بواجب فتح مجال الوصول إلى المعلومة''، فيما اقترحت لويزة حنون ''توسيع إلغاء كل القوانين التي تجرّم الصحفيين وحماية الصحفيين اجتماعيا وقانونيا وترقية الإعلام العمومي وتحريره''. ولم تكتف الطبقة السياسية باقتراح ما تراه مناسبا لتحرير قطاع الإعلام من قبضة السلطة، بل اشترطت لتفادي الالتفاف من قبل هذه الأخيرة حول مقترحاتها، بضرورة أن تسند مهمة صياغة القوانين إلى لجنة مستقلة، كما جاء على لسان خالد نزار أو حركة النهضة والإصلاح، وفي ذلك محاولة لإقامة الحجة على السلطة التي تسعى للإبقاء على ما يسميه مرشح الرئاسيات، جهيد يونسي، ''احتكار المجال السياسي والإعلامي والنقابي''. وإذا كانت السلطة قد تجد فرصة للمناورة بشأن الملف السياسي من الإصلاحات، جراء تباين وجهات نظر الطبقة السياسية وتفرقها بين المطالبين بالنظام الرئاسي وبين الداعين لاعتماد النظام البرلماني، فإن هامش المناورة غير متوفر بالنسبة لقطاع الإعلام، حيث ترسخ إجماع قوي بضرورة رفع السلطة يدها من خلال تحرير الإعلام العمومي وفتح السمعي البصري على المنافسة وتكريس الخدمة العمومية، وترك أهل المهنة يحتكمون لأخلاقيات المهنة فقط.