مجلس الوزراء يقر زيادات تتراوح بين 5 و10 بالمائة في معاشات التقاعد    التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي محور لقاء وطني    الاحتلال الصهيوني يستهدف الحرم الإبراهيمي    جيش الاحتلال يقصف أنحاء متفرقة في قطاع غزة    السودان : مقتل 9 أشخاص وإصابة العشرات في قصف لقوات الدعم السريع    بوشكريو يكشف عن قائمة تضم 33 لاعباً    انطلاق أشغال إنجاز مصنع تحلية مياه البحر    أسبوع للمساعدة الاجتماعية بولايات الجنوب    الأطعمة المدخّنة.. إقبال ومُخاطرة بالصحة    تتويج صرخة صمت    والي الجزائر يتفقد أشغال الشطر الثاني للطريق السريع الرابط بين مركب محمد بوضياف وخرايسية    الجزائر تحتضن اجتماعًا استشاريًا إفريقيًا لخبراء مكافحة الإرهاب    اتفاقية تعاون بين المحافظة السامية للرقمنة ووزارة الشباب لاستغلال موارد الحوسبة السحابية السيادية    افتتاح الأيام الوطنية للديودراما بالشلف بمشاركة فرق مسرحية من عدة ولايات    هذه المحاولات تمثل اعتداءً على العقد الاجتماعي الوطني    إطلاق منصة للتواصل بين المؤسسات    الدولة الجزائرية تعتمد بطاقة "Mastercard" رسميا    انطلاق التسجيلات لدورة فيفري 2026    دعوة"الماك"مصيرها الزوال..!؟    جهود لحماية التنوع البيئي بالشريعة    الرئيس ينمنع هدم السكنات غير القانونية في الشتاء    الجيش الوطني الشعبي قوة تصدير سلم وأمن واستقرار    الجزائر بذلت جهودا جبارة لترقية قيم العيش معا في سلام    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    الملتقى الوطني الموسوم بعنوان الكتابة السردية النسائية الجزائرية (الوعي والتحول)    وحدة الوطن والتحام الأمة مبعث قوة ومناعة الجزائر    سقوط أوهام المتاجرين بالوحدة الترابية    دعم الاستثمار وتحسين معيشة المواطن    مسراتي تشارك بقطر في مؤتمر أممي حول مكافحة الفساد    الرئيس تبون جعل الشباب ركيزة التنمية والاستقرار    أنشطة التكرير تنتعش وتلبي الحاجيات    الحية يؤكد رفض "حماس" لكل مظاهر الوصاية والانتداب    نساء المغرب في مواجهة آلة القمع وسياسات التفقير    وفاة الفنان الموسيقار والملحن نوبلي فاضل    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    بلومي يعود من بعيد ويتخلص من شبح الإصابة    جدل كبير حول مستقبل رياض محرز مع الأهلي السعودي    حركة تنموية بخطى ثابتة في عاصمة الحمامات المعدنية    إنتاج 482 ألف قنطار من الزيتون بمعسكر    ياسين براهيمي يكشف سّر رحيله المبكر عن أوروبا    درك مدريسة يوقف لصوص المواشي    مغامرة انسانية عمادها البساطة والإبداع    هل إقالة المدير هي الحل؟    قافلة لاستكشاف السياحة التاريخية    من أسماء الله الحسنى .. الحليم    فتاوى : سجل في موقع مراهنات وأعطوه هدية    خنشلة : مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تاريخ مشرف    اللعبان بركان وبولبينة ضمن قائمة"الخضر"في ال"كان"    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    بسبب مشاركة المنتخب الوطني في البطولة الافريقية للأمم-2026..تعليق بطولة القسم الممتاز لكرة إلى اليد    عودة مفاجئة وثنائي جديد..بيتكوفيتش يعلن عن قائمة "الخضر " لكأس أمم أفريقيا 2025    الدور ال16 لكأس الجزائر:اتحاد الحراش يطيح بشبيبة القبائل، جمعية الشلف ووفاق سطيف يحسمان تأهلهما    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم علاوة كوسة / سطيف.الجزائر
رواية أوردة الرخام.. (الجزء30)
نشر في الأيام الجزائرية يوم 16 - 07 - 2011

(تابع).. أينك ..لآتيك.. مخفّفا عنك حملك الثقيل فأخاف على قلبك المرهف أن ينفطر.. أين يمكن أن أجدك.. أنا أعلم أنك تسكن عيون المكروبين المدموعة.. وقلوب المحرومين.. ونظرات اليتامى المقهورين ولكن يجب أن نلتقي .. لا تجعلني أصدق أنك تنتظر من لن يأتي خلف المدى ..أو فر من أمكنة المكان ... لا تجعلني أصدق ما ورد في أشعارك من أنه انسحبت من أمامك خارطة الزمان .. لا أريدك أن تقول ثانية إنني نغمة أنكرتها الأوتار ...
ولا بأنك حرف ضيعته الأبجدية في رحلتها الأخيرة.. لست آنت من يرضي بما قضته الآلهة على سيزيف..ولست من قتل الحسين حتى تجلدك سوط الندم .. ولا أنت من احرق روما لتشعل سيجارتك ...
وما إن سمعت سيغورني كلمة روما حتى أعلت صوتها بالنواح فصحا عبد السلام من سكر صرخاته وقال في نفسه ..
- سيغورني التي جاءت لأخفف عنها عذاباتها قد صرت أضيف جرحا آخر إلى جراحاتها ؟!!! فاستدار صوبها ووضع يديه على وجهها ومسح دموعها ..واصطنع صبرا واستعار بسمة مرتعشة وضمها إلى صدره .. وربت على كتفيها وتقدم منها الثلاثة الآخرون ..وأيقن الجميع أن الوقت ليس مناسبا للوقوف على الإطلال بل بالمسارعة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بناية الآتي قبل أن يصير أطلالا .. والكل ينتظره ما يشير إليه عبد السلام لأن المفاتيح بيده ...
* * * * * *
حط البساط ومن عليه قرب الغابة الكثيفة..توغل الرفاق فيها سائرين بين أشجارها وفي مسالكها الوعرة..صمت رهيب عبد السلام هو دليل الفوج ..يدنون من نبع قد نضب منذ سنين ..كاد يمحي أثره لتعاقب الأزمنة عليه .. النبع صار محاطا بخمسة أشخاص واقفين تكلم عبد السلام بلسان العارف :
-هذه هي غابة" عين السلطان " سميت بهذا الاسم نسبة إلى سلطان عثماني كان يقيم بالقرب منها.. كان لا يشرب إلا من ماء هذا النبع الصافي يأتي بنفسه إليه ويشرب بحفنة يده.. حتى أقعده المرض الفراش ومات.. كانت إبنته الصغرى تأتي كل مساء لتقف مطولا أمام النبع وتذرف ما طاب من دمع وتستعيد ما تيسر من ذكريات ..وذات مساء رآها راعي القرية المجاورة تغسل صخرة كانت موجودة قرب النبع وتمعن النظر إليها ..ثم غادرت النبع متسللة بين الأشجار الكثيفة حثيثة الخطوات واتجهت شمالا على حيث الأحجار الضخمة المنتشرة هناك.. وإقترب الراعي من الصخرة فوجد رسما منقوشا عليها لم يفهم معناه ولا رآه من قبل ..عاد إلى قطيعه .. جاء الصباح ..ليصبحوا أهل القرية على خبر اختفاء بنت السلطان ..شهادة الراعي كانت غريبة .. الصخرة التي أخبرهم عنها لم يعثروا لها عن أثر..رحلت ابنة السلطان ورحل سرها .. معها ..
* * * *
حط البساط مرة أخرى بمن عليه وسط تلك الأحجار الضخمة.. انتشر الرفاق الخمسة بينها يفتشون ويبحثون عن شيء لا يعرفونه وربما سر يكتشف السر ؟! ..وفجأة أنفرد عبد السلام بنفسه وراح يعض على شفته السفلى ..وتداخلت في صدره مشاعر الحسرة على حالة سيغورني و الندم على كل لحظة عاشها من دون أن يقاسم فيها هذه المعذبة بعضا من مآسيها !! راح يجمع شتات ذاكرته ويعصرها فلربما يعثر على حل ومخرج من هذا المأزق وقد صار الرفقاء كلهم يعلقون عليها كل الآمال في فك تلك الطلاسم في أن يعيد للمعذبة بسمتها الغائبة ...
توفيق ..ورشيد .. في حيرة ..وتيه ..وذرات من صمت منثورة على شفاههما ..
أسعيد.. المفجوع ..يلعق المرارة مكرها .. وبعض من الأدوية المرة فيها للناس شفاء .. ويطارد خيطا من أمل والإمساك عن ارتشاف المآسي يكون دوما عندما يتبين خيط الأمل من خيط اليأس ..
سيغورني ..تعلم .. وهم لا يعلمون .. أن هاته الحجارة المترامية على الأرض.. إنما كانت بالأمس مدينة رومانية عامرة آهلة بالسكان ..فنظرت إلى الحجر الأول الذي صادفته عيناها وهي تقول في نفسها.. -ربما كان حجر الزاوية في قصر الملك ؟... وهذا الحجر الضخم..قد يكون لبنة حصن منيع كان يحيط بالمدينة ؟ .. وذلك أيضا قد يكون مقعدا من مقاعد المسرح..إيه يا سيغورني يوم كنت أميرة كان مقعدك من ذهب صاف ... واليوم صارت تتشفى فيك مقاعد من حجر ؟!! إيه يا ابنة الملك قد انهار حصن صبرك المنيع ومثلث الفجائع على مسرح الأيام ما شاء لها أن تمثل ...
* * * *
كان يمشي وحيدا تحت أجنحة الليل.. يحاول أن يفر من واقعه المرير.. يحمل ألما في قلبه بحجم الكون.. ويسلك دروبا وعرة بطول الأبدية .. يجلس صامتا حزينا فوق تلك الصّخرة الصماء.. يجرب كل ليلة أن يحسب النجوم ويحاول أن يعرف منتهى "درب التبان" ..يحاول.. يقترح .. على القمر بدائل لا يعرفها عن الشمس.. الشمس هي النهار والقمر هو الليل "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار".....هكذا كان "قيس" يقضي لياليه الطويلة بعد رحيل أمه عنه إلى الدار الباقية .. هو يعلم أنه سينساها يوم يعدّ النجوم واحدة واحدة.. ستبرد نار فراقها وتنطفئ يوم تدرك الشمس القمر .. سينساها حين يعرف منتهى "درب التبان " سينسى أمه ..حبيبته..حضنه الدافئ حين يعرف سر جفاف " العين الكحلة " و"العين البيضة ".. لم يؤمن بتاتا بحكايا العجائز التي مفادها أن" العين الكحلة " كانت تتدفق ماء عذبا فراتا ..يستسقي منها أهل القرية أجمعون.. وأنها جفت ذات ليلة من ليالي الصيف... وقد قصدها طفل صغير يتيم الأبوين.. طفل استيقظ صباح يوم العيد على صوت للمفرقعات...فرأى أترابه سعداء مغتبطين.. يلبسون أجمل الثياب وقد سرح كل واحد منهم شعره كما شاء والده.. حملوا بأيديهم نقودا وألعابا ..يتراقصون ويغنون .. اليوم عيد ..لبسنا الجديد.. وصحتنا كالحديد وعيشنا دوما سعيد " ..انزوى اليتيم في ركن مهجور .. وقد جثم على التراب .. ولم يخش أن تتسخ ثيابه البالية وأسماله التي لبسته منذ زمن لم يعد يذكره لطول الأمد .. كانت الآلام تتفرقع في قلبه .. والحزن يؤنسه... وشعره الذي كان خيوط حرير في حياة والديه صار أشواكا يابسة تخدش شعوره .. يحمل في يديه جراحات الأمس ..يدان امتدتا تسألان العابرين والجيران والأغنياء.. فما لاقى إلا الازدراء والسخرية والاحتقار.. يبيت على الطّوى ويظله.. جفت عروقه فابتلت وجنتاه بالدمع .. قصد "العين الكحلة " كي يروي ظمأه فمد يديه إلى العين فامتزج دمعه بالماء وما اختلط... بينهما برزخ لا يبغيان ..وجده أول من قصد " العين الكحلة " صباحا جثة هامدة.. وماء العين قد شربته " العين الكحلة " عندما اشتدت بها الحمى حين رأته في تلك الصورة .. فغسلته بمائها وكفنه سكون الليل وأقبره الضياع بعد أن كبرت عليه وحشة الكون أربعا .. هكذا حكت العجائز .. وهكذا روى عنها "قيس" .. الذي فقد أمه قبل أيام .. وسينساها يوم تجف عين الفوارة التي كلما مر قربها إلا وتفحص الأسرار المحيطة بها .. فلربما يعثر على أربع جثث هامدة قرب منابعها الأربع ؟!.. سينساها يوم تصير "العين الكحلة " ليست مدعاة لإغراء الرجال ..فكثير من "الأعين السوداء " سّودت أيام عاشقيها ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.