يقولُ لها، وهما ينظران إلى وردةٍ تجرحُ الحائطَ: اقتربَ الموتُ منِّي قليلاً فقلتُ له: كان ليلي طويلاً فلا تحجب الشمسَ عنّي! وأهديتُهُ وردةً مثل تلك... فأدَّى تحِّيَته العسكرية للغيبِ، ثم استدارَ وقالَ: إذا ما أردتك يوماً وجدُتك فاذهبْ! ذهبتُ... انا قادمٌ من هناك سمعتُ هسيسَ القيامةَِ، لكنني لم أكن جاهزاً لطقوس التناسخ بعد، فقد يُنشد الذئب أغنيتي شامخاً وانا واقفٌ، قرب نفسي، على أربعٍ هل يصدقني أحد إن صرختُ هناك: أنا لا أنا وأنا لا هُو؟ لم تلدني الذئابُ ولا الخيل... إني خُلقتُ على صورةِ الله ثمّ مُسختُ إلى كائنٍ لُغويّ وسمّيت آلهتي واحداً واحداً، هل يصدِّقني أحد إن صرختُ هناك: أنا ابن أبي، وابن أمي... ونفسي وقالت: أفي مثل هذا النهار الفتّي الوسيم تفكِّر في تبِِعات القيامةِ؟ قال: إذن، حدِّثيني عن الزمن الذهبي القديم فهل كنتُ طفلاً كما تدّعي أمهاتي الكثيرات؟ هل كان وجهي دليل الملائكةِ الطيّبين إلى الله، لا أتذكّر... لا أتذكّر أني فرحتُ بغير النجاة من الموت! من قال: حيث تكون الطفولةُ تغتسل الأبدية في النهر... زرقاء؟ فلتأخذيني إلى النهر/ قالت: سيأتي إلى ليلك النهر حين أضُمُّك يأتي إلى ليلك النهر/ أين أنا الآن؟ لو لم أرَ الشمسَ شمسينِ بين يديكِ، لصدّقتُ أنكِ إحدى صفات الخيال المروَّض لولا هبوبُ الفراشات من فجر غمّازتيك لصدّقتُ أنّي أناديكِ باسمك ليس المكان البعيد هو اللامكان وانتِ تقولين: "لا تسكن اسمك" "لا تهجر اسمك"! ها نحن نروي ونروي بسرديّة لا غنائيةٍ سيرةَ الحالمين، ونسخرُ مما يحلّ بنا حين نقرأ ابراجَنا، بينما يتطفّلُ عابر دربٍ ويسأل: اين انا؟ فنطيل التأمّل في شجر الجوْز من حولنا، ونقول له: ههنا. ههنا. ونعود الى فكرة الأبدية! * * * لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي دون ان نتأكَّد من صحة الأبدية. في وسعنا أن نحبَّ، وفي وسعنا أن نتخيّل انّا نحبُّ لكي نُرجئَ الانتحار، اذا كان لا بدَّ منه، الى موعد آخر... لن نموتَ هنا الآن، في مثل هذا النهار الزفافيّ، فامتلئي بيقين الظهيرة، وامتلئي واملئيني بنور البصيرة/ ينبئني هذا النهارُ الخريفيُّ أنّا سنمشي على طرق لم يطأها غريبان قبلي وقبلَك الا ليحترقا في البخور الالهي. ينبئني أننا سوف نسمعُ طيراً تغني على قدر حاجتنا للغناء... خفيفاً خفيَّ التباريح، لا رعوياً ولا وطنياً فلا نتذكّر شيئاً فقدناه/ إن الزمان هو الفخ قالت: إلى أين تأخذني؟ قال: لو كنتِ اصغرَ من رحلتي هذه، لاكتفيتُُ بتحوير آخر فصل من المشهد الهوميري... وقلتُ: سريرُك سرّي وسرُّك، ماضيك يأتي غداً على نجمة لا تصيب الندى بأذى، أنام وتستيقظين فلا انت مُلتفَّةٌ بذراعي، ولا أنا زُنّار خصرك، لن تعرفيني لأن الزمان يُشيخ الصدى وما زلتُ أمشي... وأمشي وما زلتِ تنتظرين بريدَ المدى أنا هو، لا تُغلقي بابَ بيتك ولا ترجعيني الى البحر، يا امرأتي، زبدا أنا هُوَ، منْ كان عبداً لمسقط رأسك... او سيّدا أنا هو بين يديك كما خلَقتْني يداكِ، ولم اتزوَّج سواكِ ولم أُشفَ منك، ومن نُدبتي ابداً وقد راودتني آلهاتُ كل البحار سدى أنا هو، من تفرطين له الوقت في كُرة الصوف، ضلَّ الطريقَ إلى البيت... ثم اهتدى سريرُك، ذاك المخبّأُ في جذع زيتونة هو سرِّي وسرُّك... قالت له: قد تزوَّجَني يا غريبُ غريبٌ سواك فلا جذع زيتونة ههنا أو سرير، لأن الزمان هو الفخ/ ينبئُني ضوءُ هذا النهار الخريفيّ أني رأيتكِ من قبل، تمشين حافيةَ القدمين على لغتي، قلت: سيري ببطءٍ على العشب، سيري ببطءٍ لكي يتنفَّسَ منك ويخضرّ. والوقت منشغلٌ عنك...سيري ببطءٍ لأُمسك حلمي بكلتا يديّ. رأيتك من قبلُ حنطيّةً كأغاني الحصاد وقد دلّكتها السنابل، سمراءَ من سهر الليالي، بيضاءَ من فرط ما ضحك الماءُ حين اقتربتِ من النبع. سيري ببطءٍ، فأنّى مشيتِ ترعرعت الذكرياتُ حقولاً من الهندباء، رأيتك من قبلُ في الزمن الرعويّ على قدر ليل الغريب تنامُ الغريبةُ/ فاحتجبي، واظهري، والعبي، واكسري قدري بيديك الحريريتين، ولا تخبريني إلى أين تمضين بي في دهاليز سرِّك، لا تخبريني الى أين تمضين بعدي إلى أين أذهبُ بعدَك. لا بعد بعدك. ولنعتنِ الآن بالوردة الليلكية ولتُكمل الأبديةُ أشغالَنا دوننا، إن أطلنا الوقوف على النهر أو لم نُطل. سوف نحيا بقية هذا النهار. سنحيا ونحيا. وفي الليلِ، إن هبط الليل، حين تنامين فيّ كروحي، سأصحو بطيئاً على وَقْع حلم قديم، سأصحو واكتب مرثيتي. هادئاَ هادئاً. وأرى كيف عشتُ طويلاً على الجسر قرب القيامة، وحدي وحراً. فإن أعجبتْني مرثيتي دون وزن وقافية نمت فيها ومتُّ وإلا تقمصت شخصيةَ الغجريّ المهاجر جيتارتي فرسي في الطريق الذي لا يؤدي إلى أيّ أندلسِ سوف أرضى بحظّ الطيورِ وحريةِ الريح. قلبي الجريح هو الكون. والكون قلبي الفسيح. تعالي معي لنزورَ الحياةَ، ونذهبَ حيث أقمنا خياماً من السّرو والخيزران على ساحل الأبدية. إن الحياة هي اسم كبير لنصر صغير على موتنا. والحياة هي اسمك يطفو هلالاً من اللازورد على العدم الأبيض، استيقظي وانهضي، لن نموتَ هنا الآن، فالموت حادثةٌ وقعت في بداية هذي القصيدة، حيث التقيتُ بموت صغير وأهديته وردة، فانحنى باحترام وقال: اذا ما أردتك يوماً وجدتك/ فلنتدرب على حُبِّ أشياءٍ ليست لنا، ولنا... لو نظرنا اليها معاً من علٍ كسقوط الثلوج على جبلٍ سيغنّي لك الغجري، كما لم يغنِّ: أقولُ لها لن أُبدِّلَ أوتارَ جيتارتي لن أبدّلها لن أحمّلها فوق طاقتها لن أحمّلها لن أقولَ لها غير ما تشتهي ان أقول لها حملتني لأحملها لن أبدِّل أوتارَها لن أبدّلَها لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي