انتقل إلى رحمة الله صباح أمس الشيخ العلامة المجاهد «عبد الرحمن شيبان» رئيس جمعية العلماء المسلمين ووزير الشؤون الدينية الأسبق بعد مرض عضال . وتمت مواراة جثمان الفقيد الثرى أمس بمسقط رأسه ببلدة "الشرفة"، دائرة "مشدّالة" ولاية البويرة، بعد إلقاء النظرة الأخيرة عليه بمقر جمعية العلماء المسلمين ب"حسين داي" في العاصمة، وعن مسيرة الفقيد الحافلة بالنضال والإنجازات يقول نجله الدكتور «نوفل شيبان» أنّه في الثالث والعشرين من شهر فيفري 1918 ولد الفقيد المرحوم الشيخ عبد الرحمن شيبان ببلدة "الشرفة"، دائرة "مشدّالة"، التابعة لولاية البويرة، وتعلم القرآن الكريم وتلقى مبادئ العربية، والتوحيد، والفقه، بمسقط رأسه وبالزاوية السحنونية بالزواوة، وبني وَغْليس، على الضفة الشمالية لوادي "الصومام" في بجاية. حَجَّ والده الشيخ محمد البشير شيبان إلى بيت الله الحرام سنة 1928، في مجموعة من أهل الشرفة، مكونة من ثمانية عشر شخصا، وعمر الابن لا يتجاوز العاشرة، وأمام الملتزم بالكعبة الشريفة دعا الوالد والإمام المعلّم للابن عبد الرحمن أن ينجح في دراسته، وأن يصبح عالما من العلماء وينجح كُلّ من يتعلم عليه. وفي العشرين من عمره شدَّ الرحال إلى جامع الزيتونية بتونس سنة 1938، ونال شهادة التحصيل في العلوم سنة 1947، وإلى جانب ذلك كان يقوم بالنشاط الثقافي، حيث ترأس جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين بتونس. وبعد تخرجه عيّنه رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإمام المرحوم "محمد البشير الإبراهيمي" أستاذا للبلاغة والأدب العربي، بمعهد الإمام عبد الحميد بن باديس بقسنطينة سنة 1948، وصُنِّف من أساتذة الطبقة الأولى بالمعهد (مستوى شهادة العالمية) سنة 1954، بقرار من المجلس الإداري لجمعية العلماء، إلى جانب الأساتذة: الشيخ "نعيم النعيمي"، والشيخ "أحمد حماني"، والشيخ "عبد المجيد حيرش"، والشيخ "عبد القادر الياجوري"، وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعا- كان الشيخ الراحل عضوا عاملا في جمعية العلماء، وعضوا في لجنة التعليم العليا المكلفة بإعداد مناهج التربية والتعليم، والكتب المدرسية بمدارس الجمعية المنتشرة في أرجاء القطر الجزائري، كما عمل محرِّرا في جرائد النجاح، والمنار، والشعلة... وغيرها، ويعد «شيبان» من الكُتاب الدائمين في جريدة (البصائر) لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بتكليف من الإمام الإبراهيمي المدير المسؤول عن الجريدة. ويعد المجاهد شيبان الذي التحق بالثورة والعمل في ميدان الإعلام التابع لهامن المجاهدين في المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، وعضوا في لجنة الإعلام للجبهة، ومشاركا في تحرير جريدة "المقاومة الجزائرية" لسان حال جبهة وجيش التحرير الوطني، وفيها كتب عدة مقالات هامة تحت ركن «صفحات خالدة من الإسلام» يُسقِط فيها الماضي على الحاضر، وفي عهد الاستقلال جمع نخبة من أعضاء جمعية العلماء ومعلميها، لإحباط دعوة تجعل «اللائكية» أساسا للدستور الجزائري المقبل، نشرته الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية في 9 أوت 1962، فكان الرد الحاسم بتوجيه نداء إلى الشعب الجزائري للتمسك بدينه، نُشر في الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية في 22 أوت 1962، ونشرته صحيفة بريطانية في أواخر أوت 1962. كان الشيخ "شيبان" نائبا للمرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة بإدراج المعلمين والأساتذة الذين كانوا في التعليم العربي الإسلامي الحر، وقد نجح بمعية بعض النواب العلماء في استصدار مرسوم رئاسي يقضي بإدماج المعلمين الأحرار في سلك التعليم الرسمي حسب درجاتهم، كما تولى رئاسة اللجنة الوطنية المكلّفة بالبحث التربوي التطبيقي والتأليف المدرسي، للمرحلتين: الإعدادية والثانوية بوزارة التربية الوطنية، حيث أشرف على تأليف نحو (20) كتابا في القراءة، والأدب، والنقد، والتراجم، والبلاغة، والعروض، والتربية الإسلامية. وكان الراحل عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى، وشارك في الندوات العلمية والدينية والتربوية، داخل الوطن وخارجه، وعُين وزيرا للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980 – 1986) حيث أشرف على تنظيم ستة ملتقيات سنوية للفكر الإسلامي منها: ملتقى القرآن الكريم، فالسنة النبوية، فالاجتهاد، فالصحوة الإسلامية، فالإسلام والغزو الثقافي، فالإسلام والعلوم الإنسانية، كما أنّه عضو من المؤسسين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلا للجزائر حتى الآن، وساهم مساهمة فعالة في تأسيس معهد أصول الدين بالعاصمة «معهد العلوم الإسلامية حاليا»، كما بذل جهدا في افتتاح «جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية» بقسنطينة، وتعيين الداعية المصلح الإسلامي المرحوم الشيخ «محمد الغزالي» رئيسا لمجلسها العلمي، وتمكينه من إلقاء دروسه المتلفزة المشهورة المتمثلة في "حديث الاثنين". طبع آثار إمام النهضة الجزائرية المرحوم الشيخ عبد الحميد بن باديس، وفي طليعتها (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ومجالس التذكير من حديث البشير النذير)، وشجع قراءة صحيح البخاري، قراءة رواية ودراية في مساجد العاصمة وفي أرجاء الجزائر، كما ترأس بعثات الحج الجزائرية إلى الأراضي المقدسة «1980-1986». ساهم الراحل الشيخ العلامة «عبد الرحمان شيبان» بعد التقاعد في تجديد نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ 1991 بعد صدور الإذن بتكوين مختلف هيئات المجتمع المدني، حيث كان النائب الأول لرئيس الجمعية الشيخ أحمد حماني – رحمة الله عليه - ورئيسا لتحرير جريدة البصائر لسان حالها، كما داوم على إلقاء دروس دينية في التفسير، والحديث، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، في المساجد والمراكز الثقافية في العاصمة وغيرها، وتولى رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وإدارة جريدة البصائر الأسبوعية، لسان حال الجمعية منذ سنة 1999 وعلى صفحاتها دافع عن مبادئ الجمعية، ورد الشبهات عنها في سلسلة من المقالات تحت عنوان «حقائق وأباطيل». استرجع في 27 جانفي 2002 "نادي الترقي" التاريخي الذي وُلدت في أحضانه جمعية العلماء بالعاصمة سنة 1931 فاستأنف نشاطاته بمحاضرات أسبوعية، وبعث تراث جمعية العلماء المتمثل في جرائدها الشريعة، السنة، الصراط، الشهاب، والبصائر كاملة «12 مجلدا»، وأسس وأشرف على شُعب جمعية العلماء في مختلف الولايات. فرحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.