تمثل الأزمة السورية امتحانا عسيرا للعمل العربي المشترك وتضع مستقبل الجامعة العربية أمام علامة استفهام كبرى، وإلى جانب ذلك أصبح البحث عن موقف متوازن هاجسا لكثير من الدول المعنية بهذه الأزمة، ومن ضمنها الجزائر التي أثار رفضها للتدخل الأجنبي وتصويتها لصالح قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة تعليقات كثيرة. منذ بداية الأزمة حرصت الجزائر على تأكيد رفضها للتدخل الأجنبي، غير أنها عبرت منذ اللحظة الأولى عن امتعاضها من تصاعد العنف في البلاد واعتبرت أن هذا غير مقبول، ومن الوهلة الأولى بدأ أن التوفيق بين رفض التدخل في الشأن السوري والدعوة إلى وقف العنف لن يكون يسيرا، فالضغط الخارجي أصبح شديدا، وحتى بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والتي تؤثر على القرارات الدولية مثل روسيا والصين أصبحت غير قادرة على الاستمرار في دعم حلفائها الذين يعانون من أزمات داخلية معقدة. أول ما يجب تسجيله بهذا الخصوص هو أن السياق الإقليمي والدولي الذي جاءت فيه هذه الأزمات يميزه الضغط الخارجي الشديد من أجل تغيير الأنظمة ولو على المستوى الشكلي فقط، فأنظمة الحزب الواحد، والحكم الشمولي، لم تعد مقبولة في عالم يرفعه كباره شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالعودة إلى الموقف من الأزمة الليبية يتضح أن الجزائر اتخذت نفس الموقف، ففي الحالة الليبية كانت الجامعة العربية قد اتخذت قرارا باللجوء إلى مجلس الأمن لطلب حماية المدنيين، وقد تحفظت الجزائر على القرار غير أنها لم تصوت ضده، وفي القرار الأخير بخصوص سوريا كان هناك تصويت لصالح القرار وإعلان صريح بعدم تطبيق الشق الخاص بسحب السفراء، وهذه المواقف تعكس حساسية الموقف، حيث تلتزم الجزائر بعدم تجاوز التوافق العربي من جهة، لكنها تسعى إلى رفض التدخل الأجنبي. في حالة ليبيا كان هناك هامش للحركة وفره الاتحاد الإفريقي الذي يعتبر الطرف الأقوى على المستوى القاري، وقد وفر قرار الاتحاد الإفريقي الرافض للتدخل الأجنبي والذي لم يعترف بالمجلس الانتقالي كممثل لليبيا قبل سقوط نظام القذافي غطاء للجزائر التي ظلت متوجسة من التدخل الأجنبي ممثلا في حلف شمال الأطلسي، لكن لا بد من الاعتراف أيضا أن الجزائر لم تشق الصف العربي، ولم تعارض القرار لأنها تدرك جيدا أن موازين القوى على المستوى العالمي رجحت كفة التغيير في ليبيا، وكان الوقوف ضد الجامعة العربية سيضع البلاد في حالة من العزلة الإقليمية والدولية، وقد تبين فيما بعد أن التزام الجزائر بتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص ليبيا لم يعفها من مواجهة حملة دبلوماسية شرسة قادتها عدة دول واتهمت فيها بأنها تدعم القذافي، ولا تزال آثار هذه الحملة تسمم العلاقة مع العهد الجديد في ليبيا. لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لسوريا رغم أن الوضع يبدو أكثر تعقيدا من حيث التدخلات الإقليمية والدولية، وأقل ضغطا على الجزائر بالنظر إلى أن الأحداث تجري في منطقة بعيدة نسبيا من الناحية الجغرافية، فالجامعة العربية ليست الجهة التي تتخذ القرار، وقد كانت الورقة المقترحة على المجلس الوزاري والتي رفضتها الجزائر بشدة، تمثل وصفة متكاملة للتدخل الأجنبي وتكرار السيناريو الليبي، لكن المشكلة هو أن دمشق لم تتحرك بالسرعة المطلوبة، فقد أفرز التعامل الأمني مع الاحتجاجات منذ بدايتها تعقيدات جديدة، كما بدت الحكومة السورية أكثر اهتماما بالموقفين الروسي والصيني من حل الأزمة التي تفاقمت في حين بقي الإصلاح مجرد وعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ. بطء تحرك النظام السوري أصبح يعقد اليوم مواقف الدول التي تريد أن تمنع تدخلا أجنبيا في سوريا، فبالأمس عاد وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى القول بأن دمشق واثقة بأن روسيا والصين، اللتين استعملتا حق النقض لمنع قرار يدين سوريا ويفرض عليها عقوبات، لن تغيرا موقفهما، لكن في مقابل هذا اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة رسالة واضحة لروسيا والصين، وأكثر من هذا فإن حديث الأمين العام للجامعة العربية عن إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن لطلب إجراءات لحماية المدنيين، وهو ما يعني طلب التدخل، أصبح الآن يهدد بقلب كل الموازين على المستوى الدبلوماسي وجعل سوريا في وضع بالغ الخطورة. هذا المأزق هو الذي يفسر الآن لماذا لجأت الجزائر إلى قبول القرار العربي رغم اعتراضها على التدخل الأجنبي، فهناك سعي إلى تمرير رسالة مفادها أن الجامعة العربية قادرة على اتخاذ القرار المناسب وعلى ممارسة الضغط على دمشق دون أن تكون هناك حاجة لطلب التدخل الأجنبي، ففي حال رفض القرار ستفشل الجامعة العربية وهو ما يعني فتح المجال أمام التدخل المباشر للقوى الكبرى، وهنا يبرز دور الحكومة السورية، فقد أطلق وزير الخارجية مراد مدلسي رسالة واضحة عندما قال إن تعليق عضوية سوريا يمكن أن يرفع بداية من غد الأربعاء عندما يعقد اجتماع وزاري عربي في الرباط على هامش لقاء عربي تركي، والمطلوب الآن هو تجاوب سوري واضح لتنفيذ خطة الحل العربية، ويبدو أن دمشق تلقت الإشارة بوضوح وردت عليها على لسان وليد المعلم الذي قال إن بلاده لا زالت مقتنعة بالحل في إطار الخطة العربية، وأنها ترحب بوفد اللجنة الخماسية ومن تريد أن تصحبه من وفود عسكرية وإعلامية للإطلاع على الحقائق القائمة على الأرض.