أنعش اللقاء الذي جرى مساء الأربعاء بين وزير الخارجية مراد مدلسي ونظيره المغربي الطيب الفاسي الفهري في الرباط الآمال في إمكانية حدوث اختراق قريب على مسار تطوير العلاقات بين البلدين، وجاءت تصريحات الجانبين متفائلة بخصوص حدوث تحول قريب في هذه العلاقات. اعتبر وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري أن تعزيز العلاقات المغربية-الجزائرية يندرج في إطار خارطة طريق “مقررة على أعلى مستوى”، وأوضح أن البلدين “اتفقا” في هذا الإطار على الكيفية والوسائل الكفيلة بتفعيل خارطة الطريق هذه، وتتقاطع هذه التصريحات مع ما ذهب إليه وزير الخارجية مراد مدلسي الذي قال أن الجانبين بصدد تقييم حالة التعاون الثنائي عبر لقاءات بين مختلف وزراء البلدين التي “بدأت تعطي نتائج ملموسة”، مضيفا أن تدعيم هذا التعاون “سيمكننا من الالتقاء أكثر و أخذ وقت أكثر لتبادل المعلومات حول التحديات والانشغالات الخاصة بنا و التفاهم بشكل أحسن”، وذهب مدلسي في تفاؤله إلى القول بأنه مقتنع بالتوصل بسرعة إلى السبل التي تجسد تطلعات الشعبين و بشكل خاص العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب بالإضافة إلى “هذا الطموح الذي يحدونا كمغاربيين لبناء الصرح المغاربي أو المشاركة في جميع الأحوال في بنائه”. اللقاء الذي جرى في الرباط على هامش لقاء عربي تركي، جاء تتويجا لخطوات سابقة على مستويات مختلفة، حيث تم تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وجرى تشكيل لجان لدراسة القضايا التي تمس العلاقات الثنائية في مختلف القطاعات، وحسب إشارات الطرفين فإن المنهجية التي تم اعتمادها تقوم أولا على حل المسائل الخلافية، وإعادة بناء العلاقات على أسس جديدة قبل الإقدام على إعادة فتح الحدود، وإطلاق إعلان سياسي يفيد بتجاوز التوتر الذي خيم على هذه العلاقة منذ قرابة عقدين من الزمن، وتأكيدا على هذه المنهجية قال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري، إن إعادة الدفء العلاقات المغربية الجزائرية “يمر عبر عدد من الخطوات القبلية التي تعتبر ضرورية بالنسبة لنا”، ومعلوم أن الجزائر أصرت خلال السنوات الأخيرة على جعل فتح الحدود البرية تتويجا لعملية التطبيع وليست مقدمة لها، في حين كانت المملكة لا تمل من الدعوة إلى فتح الحدود، وفي هذا السياق اعتبر وزير الخارجية المغربي في تصريحات نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية الخميس الماضي أنه إذا سارت عملية التعاون التي بدأت أخيرا في العديد من القطاعات بين المغرب والجزائر على ما يرام، فإنها ستسفر عن دفع قوي للعلاقات، مشيرا إلى أن البلدين سيقرران في مستقبل قريب جدا الخطوة المقبلة، وأشار الفهري إلى أن إن “الرباطوالجزائر تأخرتا كثيرا، نحن نعرف موقف كلا من الطرفين بشأن بعض الملفات وأيضا الخلاف حول قضية الصحراء”. التقارب الجزائري المغربي يبدو أنه جاء في سياق التكيف مع التطورات الإقليمية الجارية في المنطقة، فقد كان المتحدث باسم الخارجية الجزائرية قد أشار إلى أن مدلسي والفهري تناولا سيرورة الإصلاحات السياسية التي شرع في تطبيقها في البلدين وتطرقا إلى ضرورة تعميق وتعزيز المسار الديمقراطي معتبرين أن”المراحل التي تم قطعها في تعزيز دولة القانون تساهم بإرادة مشتركة في الاستجابة للمطالب المشروعة لشعوبهما وتدعيم الاستقرار في بلديهما وفي كل المنطقة”، وإلى جانب ذلك فإن عملية إحياء اتحاد المغرب العربي تبدو في صلب عملية إنعاش العلاقات بين البلدين الجارين، فقد تقرر عقد اجتماع مجلس وزارء اتحاد المغرب العربي لتقييم الوضع في المنطقة وتحديد آفاق التعاون والتكامل المغاربي، ويتعرف الطرفان أن الاتحاد المغاربي كان ضحية التوتر الذي يطبع علاقاتهما وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة المغربية عندما قال “لا يمكن أن يكون هناك مغرب عربي بدون مساهمة إيجابية وبدون انسجام بين مساهمة المغرب والجزائر”. القوى الخارجية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، تدفع هي الأخرى في اتجاه التقارب بين البلدين باعتبار أن ذلك سيساهم في تعزيز استقرار المنطقة بكاملها، ويمكن من بروز تكتل اقتصادي مغاربي الذي يعتبر مطلبا للقوى الكبرى، كما أن التحديات الأمنية التي تفرضها التطورات الأخيرة في المنطقة تحتم على كل الأطراف التعاون لمواجهة مخاطر أصبحت تأخذ أشكالا جديدة. الإشارات التي أطلقها الوزير المغربي عن وجود خارطة طريق لتطوير العلاقات تم الاتفاق عليها على أعلى مستوى تعكس استعجال الرباط للوصول إلى التحسين الكامل الذي يعني إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ 1994، وقد تحول هذا الهدف إلى أولوية بالنسبة للمملكة المغربية، غير أن الفشل في مرات سابقة جعل الوزير المغربي يلتزم الحذر في تصريحاته، وفي مقابل ذلك التزم الطرف الجزائري بالتركيز على دراسة كل تفاصيل العلاقات من أجل وضع أسس متينة لعلاقة مستقرة ومتكافئة تكون المصالح فيها متوازنة.