عاد رئيس حركة مجتمع السلم إلى التأكيد على أن فك الارتباط من التحالف الرئاسي ليس موقفا شخصيا من الرئيس، بل هو موقف من حزبي الأفلان والأرندي والحكومة المتحزبة، وذهب أبعد من ذلك عندما قال إن ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة يبقى خيارا واردا إذا قرر المجلس الشوري للحركة ذلك. أبو جرة سلطاني رغم إقراره بأن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع سنة 2014، فإنه لا يفوت أي فرصة من أجل تجديد الولاء للرئيس بوتفليقة، والفصل بشكل واضح بين العلاقة مع الرئيس من جهة والتحالف الرئاسي من جهة أخرى، وهو أمر لا يزال غامضا بعض الشيء خاصة وأن اتهام الحكومة بالتحزب لم يمنع حمس من البقاء فيها، وقد أثار هذا القرار تساؤلات عديدة حول جدية الحركة في الانتقال إلى المعارضة. عملية التحضير لأخذ وجهة جديدة بدأ فعليا مع بداية ما يسمى «الربيع العربي» غير أن حمس بدت مترددة في اتخاذ القرارات الحاسمة بعد أن أدركت أن الجزائر فعلا لها خصوصيتها وأن وهج «الثورات العربية» لا يمكن أن يكون سببا كافيا لحدوث التغيير بالطريقة التي توقعها كثيرون ومن ضمنهم حركة مجتمع السلم التي سارعت منذ الوهلة الأولى إلى تكييف خطابها مع تلك المستجدات، وقد تبنت الحركة من خلال خطاب رئيسها أبو جرة سلطاني تلك «الانتفاضات العربية» وزكتها غير أنها حرصت في البداية على عدم ربط ما يجري في المحيط الإقليمي بالاحتجاجات التي شهدتها الجزائر في الخامس من جانفي الماضي، وقد تبنت الخطاب الرسمي بهذا الخصوص وقالت إن الجزائريين كانوا سباقين إلى الثورة وأنهم ليسوا بحاجة إلى استيراد هذه الثورة من أي مكان كان، بيد أن خطاب الحركة عرف تحولا واضحا مع بدء مطالبة الشريك الآخر في التحالف الرئاسي جبهة التحرير الوطني بتعديل جذري للدستور، وكان أول رد فعل قد جاء من حمس التي تبنت المطلب وسارعت إلى طرح مقترحاتها بالتفصيل من خلال الحديث عن الانتقال إلى نظام برلماني وتحديد عدد الفترات الرئاسية والفصل بين السلطات وإطلاق الحريات، ومع هذا التفصيل بدت الحركة مترددة في مغادرة سفينة التحالف حيث قال سلطاني: “إن الحركة لا تدعو إلى رحيل النظام وإنما تطالب بإصلاح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي”. الحد الفاصل بين البقاء في موقع المشاركة في الحكومة وتبني مطلب التغيير بلهجة المعارضة بدأ يتلاشى خاصة عندما اختار أبو جرة سلطاني أن يشن هجومه على التحالف الرئاسي الذي اتهمه بالجمود وهدد بمغادرته بدعوى أنه يمثل الاحتكار السياسي ويعتبر استمرارا للحزب الواحد، وقد كشفت هذه المواقف المتشنجة عن غموض كبير في رؤية حمس لما يجري، فهي من جهة جزء من التحالف الرئاسي الذي يمثل الأغلبية في المجالس الانتخابية ويسيطر على الحكومة، ومن جهة أخرى تشعر بالعزلة داخل التحالف وتخشى أن خطوات سياسية يتم الإعداد لها دون علمها، وبالإضافة إلى هذا كان اضطراب مواقف حمس بين المشاركة والمعارضة يعود في جزء منه إلى قراءة غير سليمة للإصلاحات، حيث كانت هناك مخاوف من أن تتأخر الإصلاحات ويأتي ضغط من الشارع يجعل التغيير اضطراريا وغير متحكم فيه، وهو أمر سيجعل حمس تدفع الثمن سياسيا مثل بقية أحزاب التحالف الرئاسي، ومن هنا جاء الحرص على ترك بعض المنافذ للتنصل من أعباء المشاركة مستقبلا، وقد اشترطت حمس في وقت سابق حدوث انتكاسة في الإصلاحات كشرط لرفع الدعم عن الرئيس، ثم بعد ذلك تبنت الحركة خطابا يقوم على اتهام الشريكين في التحالف بالسعي إلى إجهاض الإصلاحات وتحزيبها، غير أن هذه الاتهامات رد عليها الرئيس بوتفليقة في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية في شهر ديسمبر الجاري عندما أكد مسؤوليته على الإصلاحات وأن الخلافات بين أحزاب التحالف هي من مظاهر الديمقراطية. ويبدو أن حركة مجتمع السلم عندما قررت البقاء في الحكومة بعد انسحابها من التحالف الرئاسي أرادت أن توجه رسالة إلى الرئيس بوتفليقة تخبره من خلالها بأنها لا تزال حليفا له، وأن خلافاتها مع الأفلان والأرندي هي مجرد خلافات حزبية تعكس ظاهرة ديمقراطية صحية، وأبعد من هذا فإنها اليوم تشير إلى أنها يمكن أن تكون بديلا حتى عن الحزبين المتحالفين، وهو ما يعزز أطروحة الدور السياسي الذي بدأت تبحث عنه الحركة التي اقتنعت بأن المرحلة القادمة تتطلب شكلا جديدا من التحالفات، وأن التحالف الرئاسي مهما كانت العلاقة بين أطرافه سيكون مصيره الزوال خلال الانتخابات التشريعية القادمة.