تراجعت حركة مجتمع السلم خطوة إلى الخلف عندما أعلن رئيسها أمس عدم انسحاب وزراء الحركة بعد أسبوع من إعلان الانسحاب من التحالف الرئاسي، ولم يقدم أبو جرة سلطاني إجابات واضحة حول الأسئلة المتعلقة بطبيعة العلاقة مع الرئيس «بوتفليقة» وموقع الحركة من التوازنات السياسية التي قد تسود في المرحلة القادمة. بعد الضجيج الإعلامي الذي حرصت حمس على إثارته بإعلانها عن قرار الانسحاب من التحالف الرئاسي أراد رئيس الحركة، من خلال تصريحاته التي أدلى بها في ندوة صحفية عقدها أمس، أن يحجم هذه الخطوة ويحصرها في مجرد خلاف حزبي مع شريكي التحالف الرئاسي كان سببه الأساسي “جمود هذا الائتلاف على مستوى الأفق لأنه بعد تسع سنوات لم يستطع أن يكون تحالفا عموديا”، فضلا عن “رفض شريكي التحالف طلب حركتنا بترقيته إلى شراكة سياسية”. التناقض بدا واضحا في تصريحات سلطاني، فهو من جهة يقول بأن أحد أسباب الخلاف مع الشريكين هو “انفراد الأفلان والأرندي في التداول على رئاسة الحكومة رغم أن وثيقة التحالف تنصّ على التداول الثلاثي”، لكنه يعود ويقول “لا أحد طالب بالوزارة الأولى لأننا لا نؤمن بالمحاصصة وإنما نؤمن بإرادة الشعب، ونحن لا نستعدي لا الأفلان ولا الأرندي كوننا متأكدون بأننا سنتقاطع في محطات أخرى”، غير أن النقطة الأهم التي أراد أن يركز عليها رئيس حمس هي عدم وجود خلاف مع الرئيس بوتفليقة، ولعل هذا ما يبرر البقاء في الحكومة رغم الانسحاب من التحالف الرئاسي، ويذهب سلطاني أبعد من هذا عندما يعتبر أن الوزراء معينون من الرئيس وهم ليسوا وزراء أي حزب من الأحزاب المشاركة في الحكومة. الندوة الصحفية التي عقدها «سلطاني» أمس كان من المقرر عقدها الأسبوع الماضي، حيث كان رئيس حمس قد أشار الأسبوع الماضي، عندما أعلن الانسحاب من التحالف الرئاسي، إلى أن قرار الانسحاب من الحكومة أو البقاء فيها سيتم الإعلان عنه خلال اليومين القادمين، غير أن الأمر تأخر أسبوعا كاملا وهو ما يوحي بأن ردود الأفعال التي أثارها الانسحاب من التحالف أثرت على قرار الحركة، رغم أن مؤشرات كثيرة كانت توحي بأن حمس أقرب إلى البقاء في الحكومة من الانسحاب منها. التركيز على حسن العلاقة مع الرئيس هو المحور الأساس الذي تقوم عليه توجهات الحركة، فمنذ إطلاق مشروع الإصلاح السياسي، حرص سلطاني على رفع سقف مطالب الإصلاح، لكنه في مقابل ذلك شدد على أن المطلوب ليس تغيير النظام بل إصلاحه، وعندما برزت الخلافات في البرلمان حول محتوى القوانين والتعديلات التي أدخلها النواب على تلك المشاريع سارعت حمس إلى القول بأن إصلاحات الرئيس تتعرض للمقاومة من قبل بعض الأحزاب، وكان المقصود أساسا جبهة التحرير الوطني، وقد تقاطع هذا الموقف مع موقف الأمينة العامة لحزب العمال، وشخصيات أخرى من السلطة والمعارضة، اتهمت الأغلبية البرلمانية بإجهاض إصلاحات الرئيس وإفراغها من محتواها، وقد دعا هؤلاء الرئيس بوتفليقة إلى إجراء قراءة ثانية للقوانين، أو وحتى التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان لإنقاذ الإصلاحات. أمام الفرز الذي بدأت تحدثه الإصلاحات حاولت حمس أن تتنصل أولا من تهمة إجهاض الإصلاحات بالقول إن الأفلان والأرندي وحدهما يتحملان مسؤولية تعديل القوانين، ومن خلال سعي سلطاني إلى لعب دور المدافع عن الرئيس بوتفليقة ومشروعه السياسي، ومن هنا جاءت التصريحات الأخيرة التي قال فيها سلطاني إن الإصلاحات لم تعد عميقة ولا جدية وأنها أصبحت تعكس نظرة حزبية ضيقة بعد التعديلات التي أدخلت عليها، وقد كان واضحا أن حمس تبنت التحليل الذي قدمته بعض الأوساط المعارضة والذي يقوم على القول بأن خلافات داخل السلطة هي التي تعيق الإصلاحات، وأن التعديلات التي أدخلها نواب الأغلبية على مشاريع القوانين تعكس هذه الخلافات، وأنها كانت موجهة ضد الرئيس. رئيس الجمهورية كان قد حسم هذه المسألة في خطابه يوم 21 ديسمبر الماضي بمناسبة افتتاح السنة القضائية، وحينها أكد بأن الإصلاحات هي إصلاحات الشعب الجزائري، وأن اختلاف رؤية أحزاب التحالف الرئاسي حول هذه الإصلاحات يعتبر أمرا طبيعيا في الممارسة الديمقراطية، وقد أنهت هذه التصريحات الجدل حول موقف الرئيس، وحقيقة وجود خلافات داخل السلطة، بل وأغلقت ملف علاقة بوتفليقة بأحزاب الأغلبية البرلمانية، غير أن ذلك لم يمنع سلطاني من السير قدما على نفس الطريق، حيث يجري الآن تقديم الانسحاب من التحالف الرئاسي على أنه خلاف حزبي وسياسي مع الأفلان والأرندي، في حين أن العلاقة مع الرئيس تبقى ثابتة ومستقرة. الحساب الذي تجريه حمس اليوم يبدو بسيطا، فهي تسعى إلى تقديم نفسها بديلا عن الأفلان والأرندي في المرحلة القادمة، والأمر هنا موجه أساسا ضد بقية أحزاب التيار الإسلامي، على اعتبار أن حمس يمكن أن تكون الحزب الأول في مرحلة ما بعد الإصلاحات، وتشكل الحكومة الإسلامية الأولى بالتحالف مع أحزاب وطنية أو علمانية، وهو ما يمكن أن يكون تكرارا لما جرى في تونس والمغرب وما قد يجري في مصر أيضا، غير أن هذه الحسابات تسقط العامل الأهم وهو الناخب الذي يعتبر الحكم الأخير في أي عملية انتخابية نزيهة.