أخلطت الحسابات الانتخابية كل الأوراق على حركة مجتمع السلم ورئيسها الذي لم يعد يُفرز بين التناقض الحاصل في تصريحاته التي تعكس في الواقع حالة التخبّط التي وصلت إليها »حمس«. أبو جرة سلطاني لا يصدّق ما حدث في تونس ومصر بعد أن توالت انتصارات الإسلاميين، ومع ذلك فإنه يوهم نفسه ويتوهّم بأن حزبه قادر على أن يكرّر السيناريو نفسه في الجزائر. بعد 15 عاما من الارتماء بين أحضان السلطة وتذوّق »نعيم الاستوزار« والإقامة في محميات الدولة مع ضمان تغطية كافة التكاليف، وبعد ما يربو عن عقد من الزمن من »الفخفخة« والتسبيح بحمد التحالف الرئاسي، أطلّ علينا رئيس »حمس« ليقدّم للجزائريين، والطبقة السياسية على وجه التحديد، مواعظ في كيفيات ممارسة السياسة وفي إتقان العمل الحزبي، مبيّنا بالحجة والدليل بكل ما أوتي من حكمة على أن البقاء في هذا الائتلاف »كفر وردّة« بالمعنى السياسي. وبعد كل الامتيازات التي حصلت عليها حركة مجتمع السلم، يخرج سلطاني بكل »صحة وجه« إلى الجزائريين مخاطبا إياهم بأن التحالف الرئاسي يتحمّل كل الأوزار في غلق اللعبة السياسية في البلاد، ويبرّر انسحاب حزبه منه بمحاولة »التحرّر من الوصاية« و»الاستقلالية في صنع القرار« تحت غطاء أن »الأرندي والأفلان رفضا مطلبنا بتطوير التحالف إلى شراكة سياسية«. لم نفهم إن كان الرجل نسي أو تناسى فر رمشة عين أنه كان إلى وقت قريب لا يرى صالحا في البلاد إلا التحالف، ولا يؤمن إلا بالتحالف. الغريب في أمر هذا الرجل أنه لم يثبت على موقف واحد، ولا شكّ أن مكاسب الإسلاميين في مصر وتونس وبعدهما المغرب أيقظت فيه، وفي حركته، ضمير العودة إلى المعارضة ووهم الانقضاض على الحكومة في تشريعيات 2012، ويبدو هذا الاحتمال الأقرب إلى الصواب خاصة بعد »الرقية التركية« التي استنار بها في زيارته الأخيرة إلى أنقرة فعاد متبرّكا ب »الشيخ أردوغان«. ما يهمّنا هي تصريحات رئيس »حمس« الذي يقول إن من بين العوامل التي دفعت بحزبه للانسحاب من التحالف الرئاسي رفض شريكيه السابقين في تدوير منصب رئاسة الحكم بشكل ثلاثي، ولم يتوقف عند هذا الحدّ لأنه جزم بأن هناك بندا صريحا في وثيقة 16 فيفري 2004 تنصّ بوضوح على هذا الأمر، وبعد أيام ينقلب على عقبيه وينفي في حوار مع الزميلة »لوكوتيديان دورون« وجود نصّ بهذا الخصوص، فأيهما نصدّق »سلطاني 8 جانفي« أم »سلطاني 15 جانفي«؟، لكن الثابت في الاثنين أن »سلطاني الشيخ« لا يُفترض أن يمارس »الكذب المكشوف«. في كلّ الأحوال بدا التناقض واضحا وصارخا في خرجات سلطاني، فهو من جهة يقول بأن أحد أسباب الخلاف مع الشريكين هو »انفراد الأفلان والأرندي في التداول على رئاسة الحكومة رغم أن وثيقة التحالف تنصّ على التداول الثلاثي«، ثم يعود ويصرّح »لا أحد طالب بالوزارة الأولى لأننا لا نؤمن بالمحاصصة وإنما نؤمن بإرادة الشعب، ونحن لا نستعدي لا الأفلان ولا الأرندي كوننا متأكدون بأننا سنتقاطع في محطات أخرى«، غير أن النقطة الأهم التي أراد أن يركز عليها هي عدم وجود خلاف مع الرئيس بوتفليقة، ولعل هذا ما يبرر البقاء في الحكومة رغم الانسحاب من التحالف الرئاسي، ويذهب أبعد من هذا عندما يعتبر أن الوزراء معينون من الرئيس وهم ليسوا وزراء أي حزب من الأحزاب المشاركة في الحكومة. الحساب الذي تجريه حمس اليوم يبدو بسيطا، فهي تسعى إلى تقديم نفسها بديلا عن الأفلان والأرندي في المرحلة القادمة، والأمر هنا موجه أساسا ضد بقية أحزاب التيار الإسلامي، على اعتبار أن »حمس« يمكن أن تكون الحزب الأول في مرحلة ما بعد الإصلاحات، وتشكل الحكومة الإسلامية الأولى بالتحالف مع أحزاب وطنية أو علمانية، وهو ما يمكن أن يكون تكرارا لما جرى في تونس والمغرب وما قد يجري في مصر أيضا، غير أن كل هذه الحسابات الظرفية تسقط العامل الأهم وهو الناخب الذي يعتبر الحكم الأخير في أي عملية انتخابية نزيهة. ما فعله رئيس »حمس« لا يُعبر عن وضوح في الرؤيا بقدر ما يؤكد حالة التردّد، فقبل أشهر كانت التحوّلات التي شهدتها بعض الدول العربية قد دفعت »حمس« إلى الاقتراب أكثر من صفوف الحركات المعارضة في العالم العربي، ورغم الحرص على تأكيد الخصوصية الجزائرية فإن طرح مشروع الإصلاح السياسي فرض حالة من الفرز لم تترك هامشا واسعا للمناورة أمام الأحزاب السياسية وعلى رأسها حركة مجتمع السلم التي تعوّدت على تطوير خطاب توفيقي يقوم على تبرير المشاركة مع عدم التخلي عن نقد السياسات.