يبدأ الفرقاء داخل حزب جبهة التحرير الوطني بداية من الاثنين القادم سلسلة لقاءات مستمرة من أجل إنهاء الخلاف بين القيادة الحالية ممثلة بالأمين العام وحركة التقويم والتأصيل التي يمثلها صالح قوجيل، ويمثل الذهاب إلى الانتخابات بقوائم موحدة الهدف الأساسي للطرفين في هذه المرحلة . يبدو التقويميون أكثر تفاؤلا بخصوص التوصل إلى اتفاق مع قيادة الحزب، فقد سبق لصالح قوجيل أن أكد أن حزب الأفلان يبقى واحدا رغم هذا الخلاف، رغم أنه أعلن أن عملية إعداد قوائم المترشحين تمثل إحدى النقاط الخلافية التي تأخر حلها رغم دنو آخر أجل لإيداع القوائم لدى وزارة الداخلية، وتوحي التصريحات الأخيرة لقوجيل بأن التوصل إلى الاتفاق بات وشيكا حيث ستعقد لقاءات بين الطرفين بشكل متواصل بداية من بعد غد الاثنين. التقارب بين الطرفين خرج إلى العلن قبل ثلاثة أسابيع من الآن عندما كشفت تقارير إعلامية عن تعليمات واضحة وصريحة من الرئيس بوتفليقة، تطلب من الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم، ومن رئيس المجلس الشعبي الوطني، وهو عضو قيادي في الأفلان، إنهاء الخلاف مع التقويميين بسرعة، وضرورة الاتصال بصالح قوجيل من أجل ترتيب المصالحة. رفض بوتفليقة التدخل في أزمة الأفلان خلال السنتين الماضيتين لم يترك أمام التقويميين إلا خيار الذهاب إلى الانتخابات التشريعية بقوائم مستقلة، وكان المقصود من هذا القرار إضعاف القيادة الحالية باعتبار أن الترشح إلى الانتخابات يعتبر مشكلة حقيقية داخل الحزب، وقد أصبح هذا الامتياز ورقة رابحة في يد القيادة من أجل كسب ولاء أعداد كبيرة من المناضلين الأكثر قدرة على السيطرة على القواعد، وفي نفس الوقت أثارت عمليات إعداد قوائم الانتخابات أزمات عميقة في الحزب وحالات من التمرد والانشقاق حتى أن بعض أعضاء الحزب اختاروا الترشح تحت راية أحزاب أخرى وعادوا إلى الحزب من موقع قوة بعد فوزهم في الانتخابات، وفي حالة التقويميين تكتسي الانتخابات أهمية أكبر بكثير، فالقول بأن الحركة ستدخل الانتخابات بقوائم مستقلة سيدفع كل معارضي بلخادم والذين يرون أن فرصتهم ضئيلة في الفوز بترشيح الحزب للانتخابات إلى الالتحاق بالحركة التقويمية التي ستضمن لهم أمرا من اثنين على الأقل، إما الترشح للانتخابات، أو احتلال مواقع متقدمة على المستوى القيادة المحلية للحزب، وفي المحصلة سيكون هؤلاء أمام فرصة للصعود درجات في سلم العمل الحزبي والسياسي. الانشقاق في الأفلان كان من المتوقع أن يترك آثارا على التوازنات السياسية من حيث إضعافه لحزب الأغلبية، وهو ما سيؤدي إلى خلط كل الحسابات، ولعل هذا ما دفع الرئيس بوتفليقة إلى استعجال المصالحة الداخلية حتى يدخل الأفلان الانتخابات كقوة أساسية، وستكون نتائج الانتخابات عاملا مهما في حسم الصراع الداخلي لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهو ما يعني أن الذي حصل هو تأجيل لأزمة الأفلان وإخضاعها لنوع من التحكيم الانتخابي الذي ستعرف نتائجه بعد اقتراع العاشر من ماي، وقد عزز هذا الاحتمال التزام بلخادم بالاستقالة من قيادة الحزب إن خسر الأفلان الانتخابات التشريعية القادمة، وهذا الالتزام له أكثر من دلالة، فهناك أولا الإشارة إلى الثقة في إمكانية تحقيق نتائج جيدة، وهو أمر يبدو أنه يهم الرئيس بوتفليقة نفسه الذي يريد للأفلان أن يكون قويا حتى يلعب دور القوة السياسية القادرة على حفظ التوازن على الساحة الوطنية، لكن هناك أيضا رغبة التقويميين في الظهور بمظهر الحريص على وحدة الحزب وأنهم لا يريدون أن يكونوا سببا في تمزيق الأفلان وإضعافه بدخول الانتخابات بقوائم متصارعة. الحاصل الآن هو عملية تفاوض صريحة بين الطرفين تقوم على ضمان ترشيح رموز الحركة التقويمية وهو ما يعني منحهم أوراقا سياسية لإدارة مرحلة ما بعد الانتخابات، على أن يؤجل النظر في الخلاف حول القيادة إلى ما بعد الانتخابات، ورغم أن الطرفين يقولان بأن الأمر لا يتعلق باقتسام غنائم إلا أن الواقع هو أن الصراع على المناصب القيادية وعلى الترشح للانتخابات وحتى على الحقائب الوزارية كان هو المحرك لكل الانشقاقات التي شهدها الحزب في السابق ولا تشذ الحركة التقويمية عن هذه القاعدة، كما أن حرص الرئيس بوتفليقة على إنهاء هذا الخلاف جاء ليؤكد أن المطلوب من الأفلان في المرحلة القادمة سيكون لعب دور سياسي يتعلق بمنع الانزلاق نحو خلخلة عميقة للتوازنات السياسية. من هنا يبدو أن أول أثر لمصالحة الأفلان على الساحة الوطنية سيكون تعزيز حظوظ التيار الوطني في تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات وهو ما يتيح استمرار التحالف السياسي القائم حاليا من حيث الجوهر، وإذا أضيف إلى هذا التمزق الحاصل في التيار الإسلامي فإن توازنات ما بعد الانتخابات قد لا تختلف كثيرا عما هو قائم حاليا، فضلا عن الآثار الداخلية لهذه المصالحة والتي قد تجعل الأفلان أوفر حظا في الانتخابات من أن يذهب إلى الانتخابات مشتتا.