في أول رد فعل له على انسحاب “عمرغول”من حمس وتوجهه إلى تأسيس حزب جديد قال أبو جرة سلطاني إنه لا يمكن تجاوز حمس في أي عملية لبناء تكتل إسلامي وطني ديمقراطي، واعتبر أن حركته هي شعرة الميزان، وتعكس هذه التصريحات قراءة سلطاني لأزمة حزبه وتوجهات الوزير المنشق. لا يأتي رئيس حمس على ذكر غول إلا عرضا، وحتى البيان الذي صدر عن اجتماع المكتب التنفيذي الوطني الذي درس القضية لم يشر إطلاقا للأزمة، وبدت حمس وكأنها تستعجل طي هذه الصفحة سريعا، وفضلت أن تبعث رسائلها إلى السلطة مباشرة لأنها تعتقد أن وراء انشقاق غول مشروعا سياسيا كبيرا يهدف إلى إعادة ترتيب التوازنات لتسيير المرحلة القادمة، وهي مرحلة حساسة من حيث بناء النظام السياسي على قواعد جديدة سيحددها الدستور القادم. ما يلمح إليه سلطاني يقوله شريكه في تكتل الجزائر الخضراء حملاوي عكوشي، الذي يقود الإصلاح، بلغة واضحة لا تحتمل أي لبس، فقد اعتبر أن السلطة أغرت غول، وقد أعدته إلى لعب هذا الدور من أجل تفتيت الحركة، ويذهب أكثر من ذلك ليعتبر أن السلطة تكون قد زورت الانتخابات لصالح التكتل الأخضر في العاصمة خدمة لغول وليس للإسلاميين، ورغم أن هذه الرواية غير متماسكة إلا أنها تعكس المخاوف التي تسيطر على أحزاب التكتل الإسلامي التي تواجه وضعا مستجدا لم يكن في الحسبان. عندما قررت حمس أن تتحالف مع النهضة والإصلاح كانت تتوقع التحاق أحزاب إسلامية أخرى، ورغم أن الخلافات القديمة بين أبناء الحركة الإسلامية لا تزال قائمة فلم يكن أمام حمس إلا المضي قدما في مشروع التحالف هذا، فهي تريد أن تكون سباقة إلى طرح الفكرة لأنها لا تريد أن تخسر زعامتها للتيار الإسلامي، وهي تريد أيضا أن تقدم عرضا واضحا للسلطة يقوم على بناء حلف إسلامي معتدل مستعد للمشاركة في الحكومة بأقل مطالب ممكنة، وكان جلب النهضة والإصلاح إشارة إلى التوجه المعتدل لهذا التكتل الذي يقدم نفسه كنظير للأحزاب الإسلامية التي فازت بالانتخابات في تونس والمغرب ومصر. نتائج الانتخابات التشريعية جاءت معاكسة تماما لتوقعات قادة تكتل الجزائر الخضراء، فقد خسرت الأحزاب الثلاثة الانتخابات، وكانت حمس الخاسر الأكبر، ولم يفلح سلطاني وشريكاه في تمرير خطاب التزوير لتبرير الهزيمة، بل وجد نفسه أمام أخطر هزة تعرفها الحركة مع إعلان غول رفض القرارات الصادرة عن مجلس شورى الحركة والتي تقضي بالانتقال إلى المعارضة وعدم المشاركة في الحكومة القادمة، وقد تحول الرفض فيما بعد إلى انشقاق أفقد التكتل الأخضر بعض المقاعد في البرلمان، وأحدث زلزالا عنيفا في حمس التي هي قاعدة التكتل وأساسه، والأرجح أن فصولا مثيرة من هذه الأزمة ستشكل الحدث قبل وأثناء انعقاد مؤتمر حمس في شهر جانفي المقبل. المؤكد الآن هو أن حمس لم تعد شريكا مأمون الجانب في نظر السلطة، فاختيارها التحالف مع حزبين إسلاميين لمقارعة التحالف الرئاسي الذي يضم الأفلان والأرندي أبان عن نيتها في فرض نفسها كقوة سياسية مستقلة، واختيارها للمعارضة يؤكد أنها تبحث عن القيادة في الحكم حتى وإن التزمت بتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة لتضم كل التيارات الفاعلة على الساحة السياسية، وقد أظهرت خطوتها بتشكيل تكتل الجزائر الخضراء سعيها إلى فرض التصور السياسي الذي طرحه أبو جرة سلطاني والذي يقوم على التحالف بين الأسر السياسية وليس بين الأحزاب. الضربة التي تلقتها حمس بانشقاق غول وضعت التكتل الإسلامي أمام المجهول، فمن ناحية هناك رفض جزء من قادة حمس وقواعدها لاستمرار هذا التحالف على اعتبار أنه بني على حساب مصالح الحركة، ومن ناحية أخرى يقدم غول اليوم بديلا للسلطة لإشراك الإسلاميين دون الخضوع لمساومات حمس وشروطها، والأهم من هذا أن بروز حزب غول كشريك إسلامي جديد يعطي الانطباع بوجود فاعلين جدد وبتجاوز التحالفات القديمة التي توحي بالاستمرار في النهج القديم وهو ما ينقض خطاب التغيير والإصلاح المعتمد على المستوى الرسمي، وهذا المعطيات لا بد أنها داخلة في حسابات سلطاني وهو ما جعله يلمح إلى وجود محاولات لتجاوز الحركة وأن ذلك غير ممكن. نقطة الضعف الأساسية في خطاب سلطاني بخصوص دور الحركة هو أن نتائج الانتخابات بينت أن حمس لم تعد تملك الحضور الذي يؤهلها لفرض شروطها أو حتى لفرض نفسها كرقم لا يمكن تجاوزه، وليس غول وحده من يمثل البديل بل هناك أحزاب إسلامية أخرى تنازع حمس قيادة التيار، وهي تطرح خيارات مختلفة تماما، وهذا يفتح أمام السلطة المجال للاختيار بين بدائل عديدة قد تجعلها قادرة على الاستغناء عن حمس التي أصبحت رمزا لمرحلة يريد الجزائريون تجاوزها. إبراهيم عبد الله شارك: * Email * Print * Facebook * * Twitter