ذهب رئيس حركة مجتمع السلم إلى أبعد من التكتل الإسلامي الذي تم ترسيمه مع حركتي النهضة والإصلاح الوطني بالدعوة إلى تشكيل تحالف بعد الانتخابات التشريعية يضم الإسلاميين والوطنيين والديمقراطيين، وتشير ردود الفعل الأولية إلى أن أفكار حمس قد تبقى مجرد مقترحات لن تجد طريقها إلى التجسيد. حسب أبو جرة سلطاني فإن ما تحتاجه الجزائر اليوم هو الانتقال من تحالف الأحزاب إلى تحالف الأسر السياسية، وسيقوم هذا التحالف على الإصلاحات بعد أن كانت تحالفات الماضي قائمة على المصالحة الوطنية، غير أن المقترح يبدو وكأنه إعادة صياغة للتحالف الرئاسي الذي لم يمض على انسحاب حمس منه أكثر من شهرين، فقد تم تقديم التحالف الرئاسي السابق على أنه تكتل يضم الوطنيين والإسلاميين، وحتى إن كانت الأحزاب التي تصنف في خانة التيار الديمقراطي غير ممثلة فإن حضور التجمع الوطني الديمقراطي، القريب بخطابه من الديمقراطيين، كان يعطي هذا التحالف صفة التكتل الجامع، ومع ذلك فقد رأت حمس أن الأحداث تجاوزت التحالف الرئاسي. تحالف ثلاثة تيارات سياسية تتقاسم الساحة يبدو أمرا مثاليا إلى أبعد الحدود، لكنه يعيد إلى الأذهان المطالب التي رفعتها حمس في وجه شريكيها السابقين عندما دعت إلى ترقية التحالف الرئاسي إلى ما سمته شراكة سياسية، وقد برر الأفلان والأرندي رفضهما للفكرة بالتذكير بطبيعة التحالف الذي قام من أجل دعم برنامج الرئيس بوتفليقة وتطبيقه، وأكثر من هذا ذهبت جبهة التحرير الوطني إلى حد القول بأن ما تقترحه حمس هو عودة إلى الحزب الواحد، والآن أيضا قد يظهر التحالف بين التيارات الأساسية في البلاد على أنه عودة إلى الحزب الواحد وهو أمر يبدو متناقضا تماما مع التطورات الجارية وحتى مع المسار الذي تأخذه الإصلاحات الجاري تنفيذها. حمس التي تريد أن تلعب دور القوة السياسية الجامعة لم تستطع إلى حد الآن إقناع أهم الأحزاب الإسلامية بالدخول في التكتل الذي بات يجمعها مع حركتي النهضة والإصلاح الوطني، فقد رفض جاب الله صراحة هذا الخيار منذ البداية، حيث اعتبر أنه من الضروري أن تكون للحزب مواقفه الثابتة، وقناعات لا تتغير، ورفض التحالف الذي يجعل من الحزب مجرد أداة للتزكية وظيفتها تبييض الممارسات وتنفيذ برامج الغير، ولا يزال جاب الله متمسكا بموقفه ووصل به الأمر إلى حد القول بأنه يائس من تحقيق الوحدة بين الإسلاميين، والموقف الذي اتخذته جبهة التغيير التي يقودها عبد المجيد مناصرة المنشق عن حركة مجتمع السلم لا يبدو بعيدا عن موقف جاب الله، فقد اشترط مناصرة انسحاب حمس من الحكومة للالتحاق بالتحالف، وهو شرط لم يستسغه سلطاني الذي لا يبدي أي نية في الأخذ بهذا الخيار. تكتل حمس والنهضة والإصلاح يبدو وكأنه موجه ضد جبهة العدالة والتنمية التي يقودها جاب الله، فالأخير يعتبر نفسه وريثا للتيار الإسلامي، وهو يتوقع الفوز بالانتخابات، في حين تدرك حمس أن ماضيها القريب قد يصعب عليها مهمة الانتقال إلى مواقع المعارضة، وهو ما يجعلها اليوم تستمر في إطلاق المبادرات الجامعة، والدعوة إلى مشاركة الجميع في تحمل مسؤولية قيادة البلاد بدعوى أن الجزائر أثقل بكثير من أن تحكم بتيار واحد، لكن المفارقة هنا هي أن الفشل في توحيد التيار الإسلامي يجعل تحقيق التقارب بين التيارات الثلاثة الكبرى، والتي تفصلها تناقضات جوهرية في الخطاب والتصورات، أمرا مستحيلا. فكرة التحالف على قاعدة الإصلاحات كما سمتها حمس جاءت غامضة وعامة، فالخلافات عميقة بين الإسلاميين وغيرهم، فحزب العمال يشن حملة ضد هذا التيار وأحزابه ويتهمه بالعمل على تنفيذ أجندة أمريكية في المنطقة، وتسعى أحزاب كبرى مثل الأفلان والأرندي إلى الحد من حظوظ هذا التيار في الانتخابات، في حين ترى بعض أحزاب المعارضة من التيار الديمقراطي أن الإسلاميين يشكلون خطرا على الجمهورية وأن مجرد التفكير في احتمال فوزهم بالانتخابات يمثل كابوسا مرعبا، وتعكس هذه الأحكام حالة من التنافر لا يمكن تجاوزها بمجرد الإعلان عن النية في تشكيل جبهة عريضة تضم كل القوى السياسية مثلما يقترح رئيس حمس. التفصيل الآخر هو أن فكرة جمع تيارات في تحالفات يمثل صيغة للعمل السياسي في حالة الأزمات كما حدث مع الجزائر في السنوات الماضية، وقد بررت حمس مشاركتها في الحكم خلال العقدين الماضيين بالقول أنها قدمت خدمة للدولة والشعب، لكن التناقض الحاصل الآن هو أن الانسحاب من التحالف الرئاسي يمثل إعلانا بنهاية مرحلة الأزمة التي تتطلب تلك الأشكال من التحالف، في حين أن الدعوة إلى تحالف جديد مع كل التيارات يمثل استمرارا للعمل بالصفقات السياسية التي تهدف إلى تجاوز الأزمات دون أن تضع القواعد المتينة لممارسة سياسية يحكمها القانون وتسود فيها إرادة الشعب، وهنا تبدو حمس وكأنها غير قادرة على الانسجام مع المرحلة الجديدة، بل إن ثقتها في جدية الإصلاحات وعمقها تبدو مهزوزة إلى أبعد الحدود. لقد بدأت الإصلاحات في إفراز حالة من التنافس المحتدم بين مختلف الأحزاب سواء من نفس التيار السياسي أو من تيارات مختلفة، والأرجح أن الظاهرة التي ستبرز بعد الانتخابات هي التحالف والتكتل على أساس سياسي ومصلحي سواء على مستوى البرلمان أو على الحكومة في مراحل لاحقة، وبالنظر إلى وصف الرئيس «بوتفليقة» الانتخابات بأنها ستكون فاصلة بين عهدين فإن المنطقي هو أن تكون الانتخابات سببا في رسم التوازنات السياسية في المرحلة اللاحقة، حيث يعود القرار إلى الناخبين وليس إلى قادة الأحزاب.