أجلت حركة مجتمع السلم البت في أزمتها الداخلية إلى حين عقد المؤتمر في شهر جانفي المقبل، وقد اختارت القيادة أن توجه خطابها إلى السلطة بدل أن تقدم تفسيرات للقاعدة التي تشعر بالقلق حيال مستقبل الحركة بعد الانشقاقات التي حدثت فيها . أصرت القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم على التلميح بأن صفحة استقالة عمر غول طويت، وأن مؤسسات الحركة تبقى فوق الأشخاص، وقد أرادت أن تبدو مطمئنة من خلال تجاهل الإشارة بشكل واضح إلى هذا الانشقاق، وبدل تقديم الإجابات عن الأسئلة التي تطرحها القاعدة حول مستقبل حمس فقد جاء البيان الصادر في أعقاب اجتماع المكتب التنفيذي الوطني حافلا بالانتقادات الموجهة للسلطة ولم يحمل أي إشارة إلى وجود نية في إجراء تقييم للقرارات التي اتخذتها الحركة خلال السنوات الأخيرة، وخاصة القرارات التي صدرت منذ مطلع السنة الجارية والمتعلقة أولا بالانسحاب من التحالف الرئاسي ثم التحالف مع حركتي النهضة والإصلاح الوطني وفي النهاية عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية وقرار عدم المشاركة في الحكومة القادمة. حسب أبو جرة سلطاني فإن حمس تبقى قوة لا يمكن الاستغناء من أجل بناء تحالف إسلامي وطني ديمقراطي، ولعله يشير هنا إلى أن التحالف الذي حكم الجزائر خلال أزيد من عقد لا يمكن إعادة تشكيله باستبدال حمس بحزب إسلامي آخر، وتبدو الإيماءات واضحة إلى أن عمر غول يسعى إلى تأسيس الحزب الجديد الذي سيكون شريكا في الحكم خلفا لحمس التي اختارت الانسحاب والانتقال إلى المعارضة دون أن يحصل هذا القرار على الإجماع داخل القيادة، وهذا التوجه نحو تقديم الحركة على أنها ضحية مؤامرة من قبل أجنحة في السلطة يؤجل الأزمة ولا يقدم علاجا لها. حسب تصور القيادة الحالية فإن الأولوية اليوم هي طمأنة القواعد خاصة وأن القيادات هي الأخرى لم تحسم أمرها، فاستقالة عمر غول لم تجر استقالات بالجملة إلى حد الساعة، غير أن هذا لا يمكن أن يكون مؤشرا على طي صفحة الأزمة، فهناك كثير من الشخصيات المؤثرة التي لم تتخذ قرارها بشكل نهائي، والمؤتمر القادم الذي سيعقد بعد خمسة أشهر سيكون محفوفا بالمخاطر، كما أن إعلان غول عن تأسيس حزبه وقدرته على إقناع مزيد من إطارات حمس للالتحاق به سيكون له تأثيره في حينه وليس مستبعدا أن هناك من فضل عدم إعلان قراره بهذا الشأن لأن لديه ما يقوم به في المرحلة داخل الحركة. الخيار الذي لجأ إليه سلطاني بسيط وهو يقوم على إقناع القواعد بأن جهات من خارج الحركة هي التي تحرك هذه الأزمة، وهو ما يؤكده قوله ”الصفحات التي يراد لها أن تفتح قد طويت ولسنا مستعدين لقراءة كتب قرأناها من قبل”، وهو كالعادة لا يسمي أي جهة لأن الغموض هو الذي يضمن التفاف القواعد في مثل هذه الظروف العصيبة، وفي نفس الوقت يتوجه إلى السلطة بعرض واضح من خلال تأكيده على العزم على ” أن نثبت أن الحركة عنصر استقرار للجزائر وعنصر توازن وهي شعرة الميزان”، وأن ”من يعتقد أنه قد يتخطى هذه الحركة فهو مخطئ وأن المعادلة الثلاثية وطني ديمقراطي إسلامي لن يتخطوها إلا في وجود الحركة لأنها شعرة الميزان”. والحقيقة أن هذا الخطاب في جوهره لا يعكس التحول إلى المعارضة، بل هو يكرس أسلوب الصفقات السياسية التي دأبت حمس على عقدها خلال العقدين الماضيين، فهناك من جهة محاولة للوقوف على مسافة من السلطة وإملاء بعض الشروط، ومن جهة ثانية الإصرار على إشراك الحركة في أي تحالف سياسي يحكم الجزائر مستقبلا، وتأكيد دور الحركة في الاستقرار هو في حقيقته إشارة إلى أن حمس ماضية في سياسة الحفاظ على الوضع القائم، وأنها غير معنية بمشروع التغيير الذي تتحدث عنه القيادة منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في البلاد العربية. مشكلة حمس الأساسية اليوم هي أن خطابها لا ينسجم مع الوقائع على الأرض، فنتائج الانتخابات التشريعية حجمت تمثيل الحركة في البرلمان، كما أن هذا الخطاب يرتكز على قيادة حمس للتيار الإسلامي في الجزائر وهذه ليست حقيقة مسلم بها، فالأحزاب الإسلامية مشتتة، وجزء منها يرفض التحالف مع حمس، وانشقاق عمر غول وتوجهه إلى تأسيس حزب جديد سيزيد من شتات أحزاب هذا التيار وضعفها، بل إن تكتل الجزائر الخضراء الذي تقوده حمس بات مهددا بالانهيار بسبب تصاعد المطالب داخل حمس بفضه والتوجه إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي للحركة. الحديث عن حاجة السلطة إلى مشاركة حمس ينقض بشكل كامل شعارات الاحتكام إلى الإرادة الشعبية، وهو معاكس لادعاءات التزوير التي تدفع بها الحركة لتبرير هزيمتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأكثر من هذا هو يقوم على قراءة غير دقيقة للساحة السياسية، فالتيار الإسلامي فقد كثيرا من بريقه، وهم لم يعد يغري الناخبين، والتطورات التي شهدها المجتمع الجزائري خلال العقدين الماضيين تدفع باتجاه تجاوز التصنيفات التقليدية بين وطني وإسلامي وديمقراطي، واختيار غول لشعار جزائر الجميع يعكس هذا التوجه إلى إقناع المجتمع بمشاريع سياسية لا تقوم على إيديولوجيا بقدر ما تسعى إلى تقديم الإجابات للأسئلة الملحة التي تمثل حاجات المجتمع. إبراهيم عبد الله * شارك: * Email * Print