فرضت التطورات التي تعرفها منطقة الساحل في السنوات الأخيرة مزيدا من التحديات الأمنية على الجزائر انطلاقا من استمرار الحرب في مالي وتزايد وتيرة العنف في ليبيا وتصاعد المد السلفي في تونس وصولا إلى محاولة جماعات تهريب السلاح والاتجار بالمخدرات، وإدراكا منها لهذه المخاطر رفعت بلادنا من حالة التأهب عبر شريط حدودي قوامه 6 آلاف كلم ونجحت حتى الآن في كسب الرهان. رفعت الجزائر من وتيرة التنسيق الأمني مع شركائها في بلدان الساحل من أجل وضع حدّ لنشاط الجماعات الإرهابية التي تحاول الاستثمار في حالة عدم الاستقرار التي تعرفها بعض دول الجوار لتنفيذ عمليات إرهابية وزيادة حجم انتشارها، وقد نجحت الإستراتيجية الأمنية المعتمدة منذ سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وكذا تفاقم الوضع في مالي في تحييد نشاط جماعات تابعة لتنظيم "القاعدة". وقد أدركت الجزائر منذ بداية الحراك الذي عرفته تونس مرورا بليبيا وقبلهما تدهور الوضع في مناطق بشمال مالي، أن الوضع لا يحتمل التأجيل أو التهاون، وهو ما جعلها تضاعف من حدة الاستنفار الأمني على طول شريطها الحدودي مع هذه الدول من جهة بالإضافة زيادة حجم التنسيق الأمني، مثلما استفادت بلادنا من تجربة الاعتداء الإرهابي الذي استهدف قاعدة الحياة ب "تيقنتورين" بداية العام الحالي، وبقدر ما كانت هذه التجربة أليمة إلا أنها دفعت نحو اتخاذ مزيد من الاحتياطات كانت بدايتها التعامل الاستثنائي للقوات الخاصة للجيش مع تلك العملية. ومنذ اندلاع الحرب في مالي لتحرير مناطق الشمال من سيطرة متمردين مسلحين، أقدمت الجزائر على غلق حدودها الممتدة على طول 1376 كلم لمنع تسلل الجماعات الإرهابية، وقد ساهم هذا القرار في تحييد الكثير مكن العناصر المحسوبة على "القاعدة" وسهّل على الجيش المالي المدعوم من طرف قوات مجموعة غرب إفريقيا "إيكواس" وقوات فرنسية التقدّم واستعادة السيطرة على مدن إستراتيجية مثل "غاو" و"تومبوكتو"، وبالمقابل دفعت خيارات الجزائر ما يسمى ب "حركة تحرير الأزواد" إلى إعلان تراجعها عن مطلب الحكم الذاتي والقبول بالعودة إلى طاولة الحوار. وعلى الجهة الشرقية تبدو الجبهة أكثر سخونة أمام استمرار الانفلات الأمني في ليبيا التي تشهد هجمات متكرّرة تستهدف مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، وبالمقابل عجزت حكومة علي زيدان في ضمان استتباب الأمن والسيطرة على الميليشيات المسلحة التي باتت تفرضها منطقها وسلطتها على سلطة الدولة، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على مستوى أمن الحدود لاسيما وأن الجزائر تتقاسم شريطا قوامه 982 كلم مع طرابلس، ولذلك فقد تمّ اتخاذ التدابير والاحتياطات الضرورية في وقتها من خلال مضاعفة مراكز المراقبة وتعداد قوات حرس الحدود بالتنسيق بين مصالح الدرك الوطني وقيادة الجيش الوطني الشعبي. ولا يختلف الوضع كثيرا على طول الحدود البرية مع تونس الممتدة على مسافة قدرها 965 كلم خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي عرفتها منطقة الشعابني، وهو ما اضطر السلطات الأمنية في بلادنا إلى تعزيز التواجد الأمني ما حال دون تسلل جماعات إرهابية كانت قوات الجيش التونسي تطاردها. وهناك أطراف تحاول استغلال تصاعد مدّ التيار السلفي وتزايد الأعباء على حكومة علي لعريض من أجل تصعيد الموقف في تونس، وخاصة جماعات التهريب ومجموعات إرهابية. ومن هذا المنطلق سارعت الجزائر إلى إقناع شريكيها تونس وليبيا بتوقيع اتفاق مشترك منتصف شهر جانفي من هذا العام يقضي بتبادل المعلومات ورصد كل التحرّكات المشبوهة لغلق كل المنافذ الأمنية أمام شبكات تهريب السلاح، وقد أعطت الاتفاقية ثمارها في وقت وجيز رغم أن التحدّيات لا تزال كبيرة أمام حالة عدم الاستقرار التي يشهدها البلدان الجاران. وتضاف كل هذه العوامل إلى ما يجري على الجدود الغربية للجزائر التي تشهد منذ أعوام تنامي نشاط شبكات تهريب المخدرات والبنزين، حيث فرض هذا الوضع على بلادنا زيادة حجم التواجد الأمني كان آخرها رفع عدد مراكز المراقبة الحدودية، ورغم صعوبة التضاريس الجغرافية إلا أن عناصر حرس الحدود وأعوان الجمارك تمكنت من صدّ الكثير من محاولات التسلل إلى جانب حجز كميات معتبرة من المخدرات والقنب الهندي والكيف المعالج. وانطلاقا من كل هذه المعطيات يتضح أن تجربة الجزائر الطويلة في مجال محاربة الإرهاب كانت مفيدة هي الأخرى في هذا الظرف، وبرأي خبراء أمنيين ليس من السهولة بما كان التحكم أمنيا في شريط حدودي مضطرب يفوق 6 آلا كلم بهذه الطريقة لولا الثقل الكبير الذي تمثله بلادنا في منطقة لا يبدو انها ستعرف الاستقرار على المدى المنظور.