تحول طول الحدود الجزائرية إلى مصدر قلق أمنى يزداد يوما بعد يوم، ليس فقط بسبب ما جرى في دول الجوار من انهيار لمنظومات أمنية كاملة، بل أيضا جراء تطور شبكات الجريمة المنظمة وانتشار تجارة السلاح بشكل غير مسبوق وتحول الجزائر إلى منطقة عبور بالنسبة لشبكات الهجرة السرية باتجاه أوربا، وهي كلها تحديات جديدة كانت وراء رفع نفقات الدفاع والداخلية بشكل قياسي. لكن بين تطمينات وزير الداخلية من تحكم الجزائر في تأمين حدودها، وبين مدلسي الذي يرى بأن الوضع القائم على الحدود الجنوبية لا يساعد الجزائر تماما، في إشارة إلى احتمال نشوب حرب في مالي طويلة المدى، بعد تدخل جيوش ''إيكواس''، لم يسبق للجزائر أن واجهت تحديات أمنية خطيرة بمثل ما يقف اليوم أمام بواباتها البرية الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية. أكثر من 17 مليار دولار للوفاء بالأعباء الجديدة انهيار المؤسسات الأمنية في الجوار فرض على الجزائر المواجهة لوحدها ترفض الجزائر قيام حرب جديدة على حدودها الجنوبية لسببين رئيسيين. الأول أنها تخشى تحمَل تبعات أزمة إنسانية بتدفق لاجئين توارق من شمال مالي إلى ترابها. والثاني تسرَب شحنات جديدة من السلاح الليبي الذي نقل بكميات كبيرة إلى مالي، في عز المعارك التي شهدتها ليبيا عام .2011 يدرك المسؤولون بالمؤسسة الأمنية في الجزائر أنهم أول من سيقع عليهم التفكير في مواجهات التحديات الأمنية الجديدة، بعد انهيار منظومات الدفاع والأمن في ليبيا وبعدها في مالي، وبدرجة أقل في تونس التي لا تقوى مؤسساتها الانتقالية الجديدة على الوفاء بالأعباء الأمنية الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل. ومسؤولو الأمن الجزائري هم أيضا أول من يتحمل وضع الترتيبات لمراقبة حدود البلاد ووقايتها من الأخطار. بعبارة أوضح، هم من عليهم إعداد خطة لنشر ما يكفي من الرجال وتوفير ما ينبغي من عتاد عسكري لتأمين الآلاف من الكيلومترات الحدودية المضطربة، المشتركة مع مالي وليبيا وتونس. ومن الواضح أن السلطات أعدَت العدة للوفاء بالنفقات التي تتطلبها الترتيبات الجديدة، التي يفرضها قيام حرب في شمال مالي وتوقع مزيد من الاضطرابات على الحدود الليبية والتونسية. فتوزيع ميزانية التسيير لسنة 2013 بموجب قانون المالية للعام الجديد، توَضح الإعتمادات المالية غير العادية المرصودة لقطاعي الدفاع والداخلية. الأول أخذ ما يقارب 826 مليار دينار (5,10 مليار دولار) بعيدا جدا عن الثاني، الذي خصصت له الدولة حولي 5,566 مليار دينار (2,7 مليار دولار)!. وسعت الجزائر بما تملك من نفوذ نسبي بالمنطقة إلى ثني النيجر وموريتانيا، كبلدين يوجدان على خط المواجهة، عن الانخراط في العمل الميداني والتعبئة لصالح العملية العسكرية في شمال مالي، لكن حكومتا البلدين وافقتا على الحرب من حيث المبدأ نزولا عند رغبة فرنسا. ووجدت الجزائر نفسها في نهاية المطاف، تواجه المخاطر على الحدود بمفردها. وحتى لو نجحت الجزائر في جرَ بلدان المنطقة إلى الموافقة على موقفها الرافض للحرب، سوف لن يساعدها ذلك في شيء على الأرض بسبب غياب هيئات أمنية وعسكرية أصلا كما هو الحال في النيجر. ففي هذا البلد صدر تقرير من الأممالمتحدة عام 2009، تحدث عن تواطؤ داخل الجهاز الأمني بالنيجر في قضية خطف الدبلوماسي الأممي لويس غواي ومرافقه عام 2008، وبيعهما لمختار بلمختار بغرض المساومة بهما، للحصول على فدية وتنازلات من بلدان المنطقة. أما الهيئات الأمنية في موريتانيا فهي ضعيفة إلى درجة أثبتت عجز الدولة عن مجرَد حماية المقرات الأمنية والممثليات الدبلوماسية الأجنبية من اعتداءات الخلايا التي تتبع تنظيم ''القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي''، فكيف الحال عندما يتعلق الأمر بوقاية حدود جرداء قاحلة من تسلل إرهابيين، ومن تسرب السلاح إلى عمق الاراضي الموريتانية؟! . انتقال الخطر من الغرب إلى الحدود الشرقية والجنوبية الجزائر مطالبة بإعادة النظر كليا في منظومتها الأمنية كان تأمين الحدود مع المغرب يمثل تحديا للجيش ولمختلف مصالح الأمن، بالنظر لطولها الذي يمتد على مسافة 1739 كلم وكثرة شبكات التهريب والجريمة المنظمة، ولذلك كان إلى وقت قريب هذا الشريط الحدودي الأكثر تركيزا في خريطة تواجد قوات الجيش الوطني الشعبي، بل حتى في عقيدته القتالية. غير أن الحرب في ليبيا وسقوط النظام في تونس والتمرد في شمال مالي، وما نجم عنها من تداعيات أمنية جديدة، فرض على الدولة الجزائرية إعادة الكثير من الحسابات الأمنية والدفاعية.فبين الجزائر ومالي حدود تتجاوز 1329 كلم وبينها وبين النيجر 951 كلم، وتربطها مع ليبيا 982 كلم من الحدود، ومع تونس 1010 كلم، وهي كلها دول شهدت اضطرابات عميقة كانت وراء سقوط منظومتها الأمنية بالكامل، ويكون هذا الأمر وراء ما ذهب إليه وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي الذي لفت انتباه نواب لجنة الشؤون الخارجية إلى أن الوضع القائم على الحدود الجنوبية لا يساعد الجزائر تماما''. مشيرا إلى أن الحكومة الليبية أبلغت الجزائر رسميا بقرار إغلاق الحدود البرية المتخذ قبل أيام، وأن القرار تم لأسباب أمنية داخلية''. وهذه التطورات التي تفجر عنها تهريب للسلاح لم يسبق له مثيل، اضطرت قيادة الجيش إلى تعزيز تواجد قواته وتواجده بالحدود الشرقية، من خلال نقل أعداد إضافية من الوحدات العسكرية البرية والجوية لتغطية شريط حدودي ظل آمنا طيلة عقود مقارنة بالشريط الغربي. لكن هل يكفي نقل قوات جديدة لتأمين الحدود الشرقية من عصابات مسلحة تملك أسلحة توازي في شدتها ما تتوفر عليه الجيوش النظامية؟ إن تحالف المهربين مع تجار المخدرات والإرهابيين مع شبكات الهجرة السرية وكذا مع الجريمة المنظمة، يزيد من صعوبة تأمين الحدود ويعقّد من عملية المراقبة بسبب قدرة هذه العصابات على تجنيد خلايا دعم في صفوف البدو الرحل أو لدى قاطني المناطق الحدودية بواسطة إغراءات مالية، وهو ما يفرض إعادة النظر في المنظومة الأمنية السابقة وجعلها تتماشى مع الوضع القائم الجديد. لقد سارعت قوات حرس الحدود إلى بناء أبراج مراقبة على طول الشريط الحدودي خصيصا لعمليات المراقبة الدائمة، وكان ذلك في إطار المخطط الاستعجالي لحماية الحدود، كما تم نصب نقاط ملاحظة أرضية بين المراكز المتقدمة كدعم إضافي، وخصوصا في الممرات المحتمل أن يسلكها المهربون والمهاجرين غير الشرعيين، حيث تعمل في النهار كنقاط ملاحظة لتتحول في الليل إلى كمائن لصد أي تسلل بري عبر الحدود. كما تم اللجوء إلى حفر خنادق وعوائق هندسية لمنع عبور عربات المهربين وتجار الأسلحة والمخدرات، ولكن يبق فوق هذا وذاك الأهم هو كيفية توفير المعلومة واستغلالها، ولن يتحقق ذلك سوى من خلال التكوين الجيد وإعمار المناطق النائية بالسكان وإشراك قاطني الشريط الحدودي ضمن مخطط المراقبة العام، لأن عين المواطن هي الحزام الأمنى الأول خصوصا في الصحراء. حوار الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بن عومر بن جانة ل ''الخبر'' حماية الحدود تفرض على التشكيل الأمني الجزائري تكلفة باهظة ما تقديرك لخطورة الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية للجزائر؟ الخطورة كبيرة، والسبب عدم الاستقرار في دول الجوار إلى جانب عوامل التهديد المختلفة، أهمها انتشار السلاح الليبي بكثافة وبمختلف الأحجام والعيارات والذخائر، وهي الآن بين أيد غير آمنة، وظهور مليشيات مسلحة ذات الانتماء القبلي وحركات الانفصال التي ترفع مطالب اجتماعية وسياسية، زيادة على تواجد جماعات إرهابية وعصابات إجرامية تموّل شبكات إجرام تحترف الاختطاف والفدية، إضافة إلى استفحال المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية. كل هذه الآفات ظهرت نتيجة انفلات أمني نجم عنه انهيار المؤسسات الإدارية والأمنية. وفي ظل هذه الظروف، إذا لم تحسن دول إكواس تنفيذ التدخل العسكري المرتقب، سوف تزداد الأوضاع تعقيدا وقد يخلّف مآسي وكوارث خاصة الموجات البشرية التي ستلجأ حتما إلى الجنوب الجزائري. هذا الاحتمال سيزيد الوضع الأمني خطورة وترتفع كلفته المادية والبشرية. هل تعتقد أن انهيار المؤسسات الأمنية في دول الجوار جعل الجزائر تواجه التحديات الأمنية بمفردها؟ لقد ترتب عن الارتكاز على القوة العسكرية في إدارة الأزمة في ليبيا، وخاصة تدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا، انعكاسات خطيرة تمثلت في تفكك المؤسسات السياسية والإدارة وانهيار كلَي للمؤسسة العسكرية والأمنية في ليبيا. وانجرَ عن العملية العسكرية المتسرعة واستبعاد أية مقاربة سياسية، تعقيدات أمنية مباشرة خطيرة على منطقة الساحل وعلى مالي بالتحديد. وأمام غياب مؤسسات أمنية في مالي وليبيا، أصبح لزاما على الجزائر التكفل لوحدها بمراقبة وحماية الحدود البرية التي تجمعها بهاتين الدولتين. وبالنظر لحجم التهديدات، اتخذت الجزائر إجراءات وقائية بصفة منفردة. والتشكيل الأمني الذي عهد له حماية الحدود الطويلة يتطلب تسخير إمكانيات ضخمة وقوة بشرية هائلة، زيادة على التنظيم الهندسي الميداني من فتح للطرق والمسالك، وكذلك إنشاء قواعد تموين وقواعد لطائرات الاستطلاع الجوي، وحوامات الإسناد والتدخَل، زيادة على الوسائل البشرية التي يجب نشرها على طول هذه الحدود. أكثر من ذلك، تتطلب صيانة وتموين هذا التشكيل الأمني الضخم تكلفة مالية وبشرية باهضة. ما الذي يصعَب من تأمين الحدود على الرغم من اجتماعات التنسيق الأمني المتكررة؟ التعاون الأمني بين الدول لحماية الحدود، يتطلب توفر إرادة سياسية ومؤسسات شرعية ووجود مؤسسات إدارية وأمنية قوية وفعالة من حيث النشاط الميداني، المرتكز على القوانين والأنظمة الاجرائية التي تحدد بدقة إجراءات مرور الأفراد والممتلكات عبر الممرات الحدودية الرسمية. وفي غياب هذه العوامل لدى بعض دول الجوار، تصبح لقاءات التنسيق الأمني محاولات اجتهادية للطرف المتضرر وهو الجزائر وشكلية للأطراف الأخرى. الجزائر: حاوره حميد يس الدكتور أحمد عظيمي ل ''الخبر'' أخطر التحديات الحدودية للجيش غياب أي جهة يمكن التنسيق معها الوضع على الحدود مقلق عبر عدة جبهات، هل في قدرة الجيش الجزائري تأمين الشريط البري في غياب تنسيق مع دول الجوار؟ ليس من السهل تماما تأمين شريط بري يقارب ال7 ألاف كلم، الأمر في غاية الصعوبة لأن الجزء الأكبر من الشريط الحدودي يقع في منطقة صحراوية حيث تتطلب مجهودا وإمكانيات خاصة، لكن لحد الآن إمكانيات الحماية متوفرة مقارنة بالظروف المحيطة، صحيح ربما أن الجزائر لا تتميز بالحكامة في التصرف في إمكاناتها الكبيرة، لكنها على مستوى مهام الجيش في حراسة الحدود يمكن ملاحظة أن ما هو موفر هو الأفضل في المنطقة سواء في مكافحة الإرهاب أو التهريب والجريمة. تقنيا هذا النوع من العمليات يتطلب إمكانيات جوية تتم عادة بالمروحيات وأجهزة تكنولوجية خاصة بمسح الصحراء وتواجد بشري كبير. هل يمكن الحديث عن صعوبة تأدية الجيش الوطني الشعبي لمهمة في ظروف تغيب فيها السلطات الأمنية في بعض بلدان الجوار؟ بالنسبة للشريط الحدودي الغربي، المؤكد أن المغرب يقود حربا غير معلنة منذ بداية الإرهاب في الجزائر، وقد سمح بتمرير السلاح حينها وحتى أسلحة إسرائيلية وكميات غير محدودة من المخدرات التي يقع القليل منها في أيدي الأجهزة الأمنية والجزء الأكبر يجد طريقه للاستهلاك في الجزائر وخارجها. أما الشريط الشرقي، فهي حدود مفتوحة على كل الاحتمالات ولم تعد هناك سلطة أمنية قائمة في ليبيا، أما الحدود الجنوبية فهي الأخطر في رأيي لأن الدولة غير موجودة تماما في شمال مالي وتوقعات بنشوب حرب فيها قد يخلف قرابة 700 ألف نازح ستؤول المسؤولية الأكبر في إيوائهم على الجيش الجزائري. هل سيؤدي وضع مثل هذا إلى تقديم الجزائر تنازلات بالتنسيق مع بلدان الجوار بناء على واقع أمني صعب؟ بعض بلدان الجوار لا توجد فيها سلطة ودولة تماما، إذا تحدثنا عن تنسيق عسكري مفترض مع المغرب، فهذا غير ممكن، لأن الرباط تعلم أن شمال إفريقيا لا يتحمل إلا دولة قوية وكبيرة واحدة، لذلك يعمل بكل الوسائل لإضعاف الجزائر وهو حاليا يشجع على نشوب حرب في مالي، مما يدفع إلى إضعاف قدرات الجزائر وبالتالي تقوية النظام الملكي. أما التنسيق مع ليبيا فهو شبه متوقف منذ عامين والسلطة غير ممركزة، لذلك مع من يجري هذا التنسيق؟ في رأيي التنسيق الممكن حاليا هو مع تونس الدولة الوحيدة التي حافظت على معالم الدولة والاستقرار إلى حد كبير. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة