شهدت أزمة جبهة التحرير الوطني تطوّرات جديدة قد تُدخل الحزب في نفق جديد من الصراع الذي انتقل هذه المرة إلى أورقة المجلس الشعبي الوطني، حيث رفض نواب الأفلان في الغرفة السفلى للبرلمان التعيينات الجديدة التي أقرّها منسق المكتب السياسي، عبد الرحمان بلعياط، بعد إبعاده غالبية الأسماء التي شغلت مناصب المسؤولية في العام الأوّل من العهدة التشريعية الحالية، واعتبروا أن الأخير لا يملك صلاحيات تسيير الحزب. اضطر رئيس المجلس الشعبي الوطني، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، إلى تأجيل المصادقة على قائمة نوابه إلى الدورة المقبلة للبرلمان، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ هذه الغرفة وحتى في مسار جبهة التحرير الوطني التي رفض نوابها الانصياع لتعيينات منسق المكتب السياسي، عبد الرحمان بلعياط، المتهم ب "اختيار مقربين منه" لشغل مناصب المسؤولية في الغرفة السفلى للبرلمان. واللافت في هذه التعيينات هو إزاحة غالبية الأسماء السابقة باستثناء النائب محمود قمامة الذي تحوّل إلى منصب نائب رئيس بدلا من رئيس لجنة النقل، إضافة إلى إبقاء البروفيسور صلاح الدين بورزاق على رأس لجنة الصحة. كما بقي رئيس لجنة المالية والميزاينة خليل ماحي بموجب تعيينات بلعياط، فيما تمّ تعيين ثمانية أمناء محافظات في مناصب المسؤولية بالمجلس الشعبي الوطني من بينهم لخضاري أمين محافظة تيزي وزو المعيّن رئيسا للجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات، إلى جانب استبعاد رئيس الكتلة الطاهر خاوة وتعويضه بالنائب من سيدي بلعباس أمحمد لبيد، في حين كان نواب الرئيس الخمسة عن الأفلان: محمود قمامة، محجوب بدة، فاطمة الزهراء بوروس، محمد سحنون، ومسعود كعوباش من ولاية سطيف وهو مقرّب من بلعياط الذي كان وراء ترشيحه في التشريعيات الماضية في قائمة الحزب. وقد عرف بهو المجلس الشعبي الوطني في جلسة أمس الأوّل حركة غير عادية ميّزها قرار الدكتور ولد خليفة إلغاء جلسة المصادقة على قائمة نوابه، وبحسب ما أفاد به الطاهر خاوة المتمسك بمنصبه رئيسا للمجموعة البرلمانية، فإن رئيس المجلس ساند النواب واعترض على قائمة تعيينات منسق المكتب السياسي، متهما بلعياط ب "استهدافي لأنني كنت أوّل من أعلن دعمه لرئيس الجمهورية في 2003″، وذهب أكثر من ذلك بقوله إن "بلعياط معروف عنه التيار الذي ينتمي إليه" وكان يقصد بأنه يعمل ضد سياسة رئيس الجمهورية رئيس الحزب. وأضاف خاوة أنه "كل النواب هنا يدعمونني ويطلبون الانتخاب ولذلك قررنا الانتخاب وكل ما صدر عن بلعياط ملغى ومؤجل إلى بداية الدورة الخريفية"، مشدّدا بأسلوب شديد اللهجة على أن "منسق المكتب السياسي تجاوز صلاحياته وقرّر تنحيتي وهو أمر غير قانوني لأن المادة 42 من القانون الأساسي صريحة وهي تنصّ على أن الوحيد الذي له صلاحية تعيين رئيس الكتلة هو الأمين العام للحزب دون سواه"، وهو موقف دعّمه فيه النائب سليمان سعداوي الذي صرّح بأنه كان واجبا على عبد الرحمان بلعياط اعتماد آلية الانتخاب بدلا من التعيين تفاديا لأيّ توترات. من جهتها اتهمت النائبة حبيبة بهلول، وهي عضو في المكتب السياسي، بلعياط بخرق القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، وأردفت بأنه "كان يفترض أن أشارك في إعداد هذه القائمة على حسب ما تم الاتفاق عليه من أجل وضع مقاييس لاختيار ممثلي الحزب في هياكل البرلمان، لكن للأسف لم أشارك في اختيار القائمة، وهذه التعيينات تمت خارج المقر المركزي للأفلان.. وأقول هذا الكلام على مسؤوليتي". وبنفس الحدّة بدا موقف النائب أحمد خرشي الذي كان من أشدّ المعارضين لبقاء بلخادم، حيث علّق على التعيينات قائلا: "بلعياط وجماعته عاثوا فسادا في الحزب وأبعدوا كل الطاقات الفاعلة والإطارات ذات الكفاءة..". وأمام هذه الاتهامات حاولت "الأيام" الاتصال بمنسق المكتب السياسي عبد الرحمان بلعياط لكنه رفض الحديث بحجة أنه كان في اجتماع، لكن الثابت في هذه التطوّرات أن جبهة معارضي بلعياط بدأت في الاتساع خصوصا أمام التماطل الحاصل في عقد الدورة الطارئة للجنة المركزية، فالأزمة داخل بيت جبهة التحرير الوطني لا تزال تراوح مكانها بعد مرور قرابة النصف عام على إزاحة الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم. وما حصل أمس الأوّل كشف عن فتح جبهة جديدة بين بلعياط ونواب الحزب بالغرفة السفلى للبرلمان الذين تركوا الانطباع بأنهم يرفضون الاعتراف به مسؤولا بنفس صلاحيات الأمين العام، كما يأتي الحراك كذلك بعد أيام من بيان صادر عن القيادي أحمد بومهدي الذي حمل اتهامات مباشرة إلى منسق المكتب السياسي بالعمل على عرقلة تهيئة أجواء انتخاب أمين عام جديد، وهو ما ردّ عليه الأخير بأنه لن يتنازل عن صلاحياته التي قال إن القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب منحهما إياها.