المواقف التي تتخذها رئيسة حزب العمال «لويزة حنون» من نتائج الانتخابات تبدو غريبة إلى أبعد الحدود، ففي اجتماع حزبي عقدته يوم الخميس الماضي بقسنطينة قالت إن التزوير تم جهارا نهارا، وكأنها برّأت وزارة الداخلية من هذا الفعل وألصقت التهمة برؤساء الدوائر والإدارة المحلية، وبرأيها فإن هؤلاء يخشون التغيير لأنه يهدد مصالحهم. هذا التحليل لا يستقيم لسبب بسيط هو أن وزارة الداخلية هي التي تُشرف على تنظيم الانتخابات، ورؤساء الدوائر لا يملكون القرار، وهم بكل تأكيد لا يستطيعون المغامرة بالتزوير، وأكثر من هذا، من السذاجة الاعتقاد أن كل رؤساء الدوائر في الجزائر يفكرون بنفس الطريقة في يوم واحد، وعندما تعترف «حنون» ضمنيا بأن وزارة الداخلية لم تزوّر الانتخابات فهي في حقيقة الأمر تؤكد نزاهة العملية ومصداقية النتائج، ويبقى الموقف المعلن من طرف حزب العمال في هذه الحالة مجرّد موقف سياسي موجّه لمناضلي الحزب وللمتعاطفين معه بالدرجة الأولى. «حنون» تتجه الآن نحو مطلب حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة ينبثق عنها مجلس وطني تمثيلي، وهذا المطلب هو نفسه المطلب الذي يطرحه زعيم جبهة القوى الاشتراكية منذ الاستقلال، ورفع هذا المطلب اليوم يعني إلغاء كل ما تم بناؤه منذ قرابة خمسين عاما، والمؤكد أن عملية بناء الدولة، وهي عملية تراكمية، لا يمكن أن تقوم على هذا المنطق الذي يميل إلى الإلغاء والهدم، ثم إن «لويزة حنون» تقول بأن البرلمان غير تمثيلي، ليس لأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية كانت ضعيفة، ولكن لأن النواب وافقوا، حسب رأيها، على قانون إلغاء تأميم المحروقات، ورفضوا قانونا آخر يمنع استيراد الأدوية التي تصنع بالجزائر، وإذا اتبعنا هذا المنطق فإنه يجب حل البرلمان كلما اختلف حزب مع الأغلبية السائدة في هذا البرلمان، ثم إن حزب العمال ممثل في هذا البرلمان ولم نسمع قبل اليوم «لويزة حنون» تطعن في تمثيل نواب حزبها للمواطنين الذين منحوهم أصواتهم. السياسة ليست مجرد تلاعب بالخطابات والشعارات وتغيير المواقع، والمعارضة ليست مزيّة في حد ذاتها، بل المزيّة هي تقديم البدائل ومواجهة الفشل بكل شجاعة، وهذه هي أخلاق السياسة.