لعله حكيم من حكماء الهند، ويمكن أن يكون الذي جاء بعرش بلقيس، ذو الشعر المخضب، يغير لون شعره كيف ما شاء، يسأله أحد الثقلاء عن تغير لون وجهه، يجيب: - موضة.. والموضة عنده لا تتوقف على لون الشعر، بل تتعداه، ويمكن أن نقول للون والصبغة علاقة بالموضة، حين يغير لون شعره، يجب أن يغير البنطال والحذاء أيضا. في الآونة الأخيرة نسي صباغ الشعر، فظهرت فروة رأسه، كفروة خروف في البادية، لا هي بيضاء ناصعة، ولا صفراء فاقعة، وحين يقترب المرء منه تتضح معالم شخصيته، فهو يلبس قميصا مزركشا و سروالا مخططا كجلد حمار الوحش، باختصار يتغير هذا الرجل مع تغير لون صباغ شعره، ذات مرة أجاب على سؤال أحد الثقلاء: - لماذا لا تغير لون عينيك؟. - أصاب بالحساسية. وفعلا ان جلده حساس للغاية، مرة رشح نفسه إلى مؤسسة ثقافية، وكان يثق بالنجاح لثقته بالصباغ الذي يستعمله، إلا أنه أصيب بخيبة الأمل، فقد نجح غيره.. كان منافسه لا يحسب له حساب، لهذا خرج من جلده، ولم يستطع صبرا، فافتعل مشكلة مع جاره وضربه، ناسيا أن هذا الأخير له أخ يكنى بأبي طبلة، أبو طبلة جزار، لا يضرب إلا بالساطور أو (بكيلو) الحديد، ولهذا تسلح بآلة يخبئها على اللحم، وهو حريص أن لا يقع وجهه على وجه أبو طبلة، في هذه الحالة لا سمح الله، سيكون إما قاتلا أو مقتولا، لكن لم تخل الأرض من الطيبين، شكل المختار وفدا من الأعيان وقصدوه ولم ينس بنود اتفاقية للصلح. قدمت لهم القهوة المرة.. وضع المختار فنجانه على الأرض ورفض شربها: - لنا طلب أنت المثقف ولا يجوز أن تتصرف تصرف الجزارين. كبر الأمر عند من جاء بعرش بلقيس، لبسته الحمية القبلية، وصرخ: - بلا ثقافة.. لا أريد أن أراه. لم يشرب المختار القهوة.. وظلّ الفنجان يرتجف خوفا.. انصرف الوفد، وبقيت المشكلة قائمة، وراحوا يطلبون من الله أن يهديه السبيل، ويذكر صباغ شعره، كان أبو طبلة يأته في المنام مما زاد البلايا على أصاحبه، ولهذا قاموا بحفلة أدعية أن لا يكون أبو طبلة قد وقع تحت عيني من جاء بعرش بلقيس، وبالفعل عاد صابغا شعره بلون أسود، يتمنطق بمسدس على الطريقة الهتلرية: - أنا من جاء بعرش بلقيس. وقفز بنرفزة لولا حلم الله لكان الطبيب قد أصبح في خبر كان.. ولكن ابتسامة الطبيب هدأت من غضبه، تقدم إلى أن وصل الطاولة وسأله: - عندك وصفه لمرض النقرس.. - لمن الوصفة؟. - للفقيرة الخادمة. كان الطبيب يسجل الوصفة ويسرّ في نفسه: "أبو طبلة نزع فروة من جاء بعرش بلقيس".