اقتضت حكمة الله أن يكون الرجل قائما على الأسرة، وهذا يستلزم أن يكون له إلى جانب الزوجة حقوق وواجبات، ومن أهم هذه حقوق الزوج ألا تكون الزوجة ناشزا، فإذا نشزت فإن الشريعة الإسلامية أعطت للرجل حق التأديب الذي يكون باستخدام مجموعة من الوسائل التربوية عبر مراحل، والقرآن الكريم يصف لنا علاجا حدده ليكون طريق سلامة ونجاح، وهو يقرّ أن التأديب حق للرجل، فمن مقتضيات الحقوق الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الأخلاق، وللتأديب حد أدنى وهو الوعظ والإرشاد، وحد أعلى، وهو الضرب غير المبرح أي، يردع ولا يوجع، وحد أوسط وهو الإعراض والهجر، وذلك ليختار الزوج منها ما يكون مناسبا لعلاج زوجته، وهذا ما أشارت إليه الآية القرآنية، قال تعالى "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرا. وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيرا"، فالآية الكريمة أرشدت إلى استخدام وسائل التأديب لعلاج نشوز الزوجة وجعلتها على مراحل ثلاث؛ الأولى الموعظة، الثانية الهجر في المضجع والثالثة الضرب غير المبرح، أما الرابعة الإصلاح. الوعظ يكون الوعظ باللين والرفق والرحمة والحكمة، حيث يذكرها بالله تعالى وبما أوجبه عليها من طاعة زوجها وعدم مخالفتها له ويخوفها ويرهبها بعاقبة عصيان الزوج دنيا وأخرى، كما يرغبها في ثواب الله الذي أعطاه للطائعات الحافظات للغيب، عسى أن تؤثر فيها هذه الموعظة وتحل المشكلة، وهنا لا يجوز الهجر والضرب، قال تعالى "فإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلا"، فإن لم يؤثر فيها هذا الكلام والوعظ فإنه يلجأ إلى المرحلة الثانية من العلاج. الهجر في المضجع يأتي دور الهجر بعد الموعظة الحسنة إذا لم تثمر، فيهجر الرجل زوجته فيما دون ثلاثة أيام، لأنه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وقيل يخوفها بالهجر أولا ثم يهجرها، وقيل يهجرها بأن لا يجامعها ولا يضاجعها على وقيل يهجرها بأن لا يكلمها حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها لأن ذلك حق مشترك بينهما، فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها، وقيل يهجرها بأن يفارقها في المضجع ويضاجع أخرى في حقها وقسمها إن كان له أكثر من واحدة، وقيل يهجرها بترك مضاجعتها وجماعها لوقت غلبة شهوتها وحاجتها لا في وقت حاجته إليها، فإذا هجرها فإن تركت النشوز وإلا ضربها عند ذلك ضربا غير مبرح، وقد يكون نشوز الزوجة بعدم الاستجابة لزوجها إذا دعاها إلى الفراش، يقول «ابن العربي» "فالذي قال يوليها ظهره جعل المضجع ظرفا للهجر، فأخذ القول على أظهر الظاهر، وهو حبر الأمة، وهو حمل الأمر على الأقل، وهي مسألة عظيمة من الأصول، والذي قال يهجرها في الكلام، حمل الأمر على الأكثر الموفي، فقال لا يكلمها ولا يضاجعها، ويكون هذا القول كما يقول: اهجره في الله"، وروى «ابن وهب» عن «مالك» أنه قال "بلغنا أن ابن عبد العزيز كان له نساء فكان يغاضب بعضهن، فإذا كانت ليلتها يفرش في حجرتها وتبيت هي في بيتها، فقلت لمالك: وذلك له واسع قال: نعم، وذلك في كتاب الله تعالى: «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، والذي قال لا يكلمها وإن وطئها فصرفه نظره إلى أن جعل الأقل في الكلام، وإذا وقع الجماع فترك الكلام سخافة، هذا وهو الراوي عن «ابن عباس» ما تقدم من قوله، والذي قال يكلمها بكلام فيه غلظ إذا دعاها إلى المضجع جعله من باب ما لا ينبغي من القول، وهذا ضعيف من القول في الرأي، فإن الله سبحانه رفع التثريب عن الأمة إذا زنت وهو العتاب بالقول، فكيف مع ذلك بالغلظة على الحرة". الضرب غير المبرح عن «سليمان بن عمرو بن الأحوص» قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال "استوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"، والشاهد عندنا قوله صلى عليه وسلم "واضربوهن ضربا غير مبرح"، فالضرب مشروط بأن يكون غير مبرح، ويحرم على الزوج أن يسيل دم زوجته أو يكسر عظمها أو يخدش وجهها، لأن الوجه أشد حساسية لأنه لطيف يجمع المحاسن وأعضاؤه لطيفة نفيسة وأكثر الإدراك بها. لا يجوز الضرب المبرح، إذ لم يجز أن ينهمر الدم في شيء من التأديب لأنه من أسباب التلف، والتأديب يراد به التقويم والحمل على الطاعة، وبتوافر هذه الضوابط يكون الضرب مباحا، أما إذا رجعت المرأة عن نشوزها بعد الضرب وأطاعت زوجها في غير معصية الله، فلا سبيل له عليها، قال تعالى "فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلا". آخر مراحل التأديب.. الصلح بعد فشل المراحل السابقة، تأتي مرحلة الصلح، وهذه المرحلة تقتضي وجود حَكَمَيْنِ يعينهما القاضي ليحاولا الإصلاح، فيبعث حكمان من جهة الحاكم أو من جهة الزوجين أو من يلي عليهما لينظرا في أمرهما، وينفذ تصرفهما في أمرهما بما رأياه من تطليق أو خلع من غير إذن الزوج ولا موافقة الحاكم، ذلك بعد أن يعجزا عن الإصلاح بينهما، قال تعالى "فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا"، أي رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهما، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة، ويخلو كل حكم منهما بصاحبه ويفهم مراده، ولا يخفى حكم عن حكم شيئا إذا اجتمعا، قال الإمام «مالك» رحمه الله أن الحكمين يجوز قولهما بين الرجل وامرأته، في الفرقة والاجتماع، فإن توصلا إلى طريق مسدود تم اللجوء إلى التفريق بينهما بالطلاق كآخر حلّ لإصلاح حال كل واحد منهما.