يدرك العاقل أن للصوم حكما شرع لأجلها، إذ فيه تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة، كما أنه تربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، وهذا جهاد شاق يعوِّد الصبر والتحمل ويعلم قوّة الإرادة ومضاء العزيمة ويعدّ الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة، حلوها ومرها وسائر متقابلاتها، ليجعل منه رجلا كاملا في عقله ونفسه وجسمه، يستطيع أن يتحمّل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة، وقد شرعه النبي صلى الله عليه وسلم علاجًا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، قال "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء"، رواه «البخاري» و«مسلم»، والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنَّةً قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم"، رواه «البخاري» و«مسلم»، والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيِّرها الغرائز، والصيام أيضًا يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرّف الإنسان قدره ويحسّ بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق، والصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس، فيه صحة بدنية أسهب الأطباء في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة، ففي الحديث "صوموا تصحوا"، رواه «الطبراني»، ويعوّد الصوم على النظام والتحري والدقة، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معيّن وحرمة الإفطار قبل حلول موعده، قال تعالى "وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْل"، كما أن في الصيام الصادق اقتصادًا وتوفيرًا يفيد منه الصائم وتفيد أسرته وتفيد الأمة.