اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالصيام وأكرمنا فيه بفضله وكرمه، فجعلنا بين ثلاث مراحل؛ الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وضاعف لنا فيه الأجر والثواب في كل الأعمال، فحثَّنا ذلك كله على العبادة والطاعة، فأقبل المسلمون على الطاعات وامتلأت المساجد بصفوف المصلين وحفلت المقارئ بقارئي القرآن وأصبح البذل والجود والتواصل والتراحم سمة ظاهرة في المجتمع، وغدا رمضان وسيلة لتهذيب النفس وتربيتها على الجوع والعطش في سبيل الله، وعلى اتخاذ الزهد منهجا للحياة، وفي ظل هذه المظاهر الإيجابية غزت المسلمين مظاهر سلبية اختصت برمضان أيضًا، ولا تسل عن هذا التناقض وكيف حدث، فإن الواقع يشهد به ويؤكده، فإلى جانب امتلاء المساجد بالعُمَّار، جلس كثير من المسلمين في المقاهي والخيام الرمضانية، وأصبح هذا هو مكانهم الدائم ومأواهم الوحيد كل ليلة، وكما كان رمضان وسيلة للزهد والتقشف، صار علامة للتبذير والإسراف، وأخذت الموائد تزدان بمأكولات خاصة برمضان، وكأنه أصبح احتفالية طعامية، أما العادات الطيبة التي أرساها لنا رمضان من صلة الرحم والتعاون وحب الخير، فقلبها البعض إلى مجال للحديث فيما هو غير نافع، أو ضار كالغيبة والنميمة وتفشَّت بين المسلمين ظاهرة في غاية السوء وهي الكسل وكثرة النوم وقلة العمل، وكأنه شهر الكسالى والخاملين لا شهر الجدّ والنشاط.