يقول العارفون إن ترك راحة الدنيا وطلب راحة الآخرة من أكمل صفات الزاهد، ومعنى هذا الكلام هو أن يخلو قلب المسلم الزاهد مما خلت منه يداه، ويعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا أمرها زائل، قال تعالى "كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاما"، وقد نهى الله تعالى عن الاغترار بالدنيا وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين وحذّرنا من مثل مصارعهم وذمّ من رضي بها، ومن تيقّن من زوال شقاء الدنيا ونعيمها، ترك الرغبة فيما لا ينفع، لأن ما ينفع يفيد في الدار الآخرة، لكن الزهد فيا ينفع للآخرة ليس من الدين، بل صاحبه داخل في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين"، وليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها، فقد كان «سليمان» و«داود» عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء الكثير، وكان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر وله تسع نسوة وكان «علي بن أبي طالب» و«عبد الرحمن بن عوف» و«الزبير» رضي الله عنهم من الزهاد، مع ما كان لهم من الأموال، وسئل الإمام «أحمد» رحمه الله تعالى "أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد"، قال "نعم، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه"، وقال «الحسن» "ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك".