من أفضل الطاعات عند الله تعالى وأجل الأعمال الصالحة لمحو الذنوب الحج، لذلك جعله الله تبارك وتعالى فرضا، وكان ذلك في أواخر سنة تسع من الهجرة، وآية فرضه قوله تعالى "وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا" التي نزلت عام الوفود، أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء، وعن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال "حج مبرور"، رواه «البخاري» و«مسلم»، وعن «عائشة» رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال "لكنّ أفضل من الجهاد حج مبرور"، رواه «البخاري»، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة، فعن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة"، رواه «البخاري» و«مسلم»، والحاج إن حجّ ولم يرفث ولم يفسق تطهَّر من ذنوبه وآثامه فيرجع كيوم ولدته أمه، فعن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، رواه «البخاري» و«مسلم»، وعن «ابن عمر» عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، أخرجه «ابن ماجه»، وعن «ابن مسعود» رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلاّ الجنّة"، رواه «الترمذي». فريضة مرّة في العُمر اتفق العلماء أن الحج فرضية مرّة في العُمر بدليل الكتاب والسنة، أمّا الكتاب فقوله تعالى "وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"، وأمّا السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"، متفق عليه، والدليل على فرضية الحج مرة واحدة في العمر هو حديث «أبي هريرة» رضي الله عنه قال "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أيّها النّاس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل "أكلَّ عام يا رسول الله؟"، فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، رواه «مسلم»، وقد يجب الحج أكثر من مرة لعارضٍ كنذر كأن يقول مسلم "لله علي حجة"، وقد يحرم الحج كالحج بمال حرام، وقد يكره كالحج بلا إذن ممّن يجب استئذانه، كأحد أبويه محتاج إلى خدمته وكالدائن الغريم لمدين لا مال له يقضي به، وكالكفيل لصالح الدائن، إلاّ بالإذن. النبي الكريم أخّر أداءه يتحدّث الفقهاء عن مسألة: هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي؟ وقد اختلفوا فيها، فمنهم من قال بالوجوب على الفور، وهم أصحاب المذاهب الثلاثة؛ الحنابلة والحنفية المالكية، واستدلّوا بأدلة منها قوله تعالى "وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا"، وحديث "تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له"، أخرجه «أحمد» وصححه «الألباني»، وحديث "من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً"، رواه «البيهقي» وضعّفه «الألباني»، ورواية «الترمذي» "من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً"، وذلك لأنّ الله قال في كتابه "وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا"، وروى «سعيد بن منصور» و«البيهقي» عن «عمر بن الخطاب» أنّه قال "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان جدة -سعة مال- ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين"، وقال الشافعية و«أحمد» والحنفية بوجوب الحج على التراخي، قالوا "ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة، لأنّ فريضة الحج نزلت على المشهور عندهم سنة ست، فأخّر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر من غير عذر.