تناولت جلسات الملتقى المغاربي حول "الزوايا والقضاء وأيام الإنشاد الديني" الذي نظّم بتندوف في إطار إحياء الطبعة ال10 لموسم العلاّمة «سيدي المختار بلعمش» في ذكرى وفاته ال143 مختلف القضايا المتعلّقة بالشأن الديني في جانبه الاجتماعي، ومن بين الموضوعات التي ناقشها المشاركون موضوع "نماذج من القضاء الجزائري في فترات زمنية سابقة"، ليتبع ذلك اختتام أشغال اللقاء بتنظيم حفل كرّمت فيه الفرق المشاركة. تطرّق الدكتور «بن معمر محمد»، أستاذ التاريخ الإسلامي ورئيس قسم الحضارة بجامعة وهران إلى عائلة الشيخ «بوطالب» بوصفها نموذجا أنتجته الزوايا والطرق الصوفية لتولي منصب القضاء بمدينة معسكر إبان العهد الفرنسي، هذه الشخصية القانونية التي ولدت في سنة 1784 -كما قال المحاضر- كانت لها علاقة وطيدة بالأمير «عبد القادر»، مما دفع بالفرنسيين آنذاك إلى جعله تحت تصرّفهم خشية أن يستغله الناس للتحريض ضد سلطتهم ومحاربتهم، وتناول المحاضر مراحل تحويل القضاء الشرعي الإسلامي الجزائري إلى قضاء مدني فرنسي، مرورا بتفتيت الملكيات العقارية وإصدار قوانين جديدة لإخضاع الشعب الجزائري، وساهم مثل هؤلاء القضاة الجزائريون في توعية الشعب بأغراض الاستعمار وأهدافه المدمرة كلما سمحت الظروف بذلك، ومن جهته استعرض الأستاذ «محمد برسان» من جامعة بشار في مداخلته التي حملت عنوان "دور الزاوية الزيانية بمدينة القنادسة في فض النزاعات بمناطق نفوذها" مدى قدرة الزاوية باعتبارها السّلطة الدينية المعنوية على إخماد نار فتنة محلية كانت قائمة بالمنطقة وتحقيق الصّلح بين المتنازعين، علما أن هذا النزاع استمرّ أكثر من 30 سنة بهذه المنطقة، وأشار المحاضر إلى نجاح سلطة الزاوية الزيانية التي كانت تتمتع بنفوذ روحي كبير في هذه المناطق في توقيع معاهدة سلام بين طرفي النزاع وكانت تقضي أيضا بعدم الإخلال بمضمونها، وتطرق الأستاذ «مصطفى بن واز» من جامعة بشار إلى نموذج عن العائلة «البلبالية» التي عاشت بمنطقة «تبلبالة» بضواحي منطقة بشار، مبرزا دور زاوية «ملوكة» التي وجدت في هذه العائلة في مجال القضاء، كما توقف الأستاذ «بن واز» عند انتقال القضاء من مدينة «تمنطيط» بمنطقة «توات» إلى زاوية «ملوكة» ب«تبلبالة» التي تذكر مصادر تاريخية أنها أنشئت في نهاية العهد المرابطي بقدوم هذه العائلة من المدينةالمنورة، مرورا بمدينة «تفيلالت» بالمغرب الأقصى قبل استقرارها بالمنطقة، وقد حاول المحاضر أن يقف عند نقطتين أساسيتين في مداخلته، تتعلقان بالتحديد بالدور الذي قامت به هذه العائلة في هذه المناطق وكذا أسباب انتقال القضاء من «تمنطيط» إلى «ملوكة» نتيجة عدم وجود متخصصين قضاة بتلك المنطقة والفراغ الذي ساد بسبب الحكم في مسائل أثارت الفوضى بالجهة آنذاك، إلى جانب أن منطقة «ملوكة» أضحت مركز إشعاع حضاري ساهم بطريقة مباشرة في إضفاء بعد حضاري جعلها منطقة استقطاب للقضاة، كما استعرض في النقطة الثانية أهم القضاة الذين حكموا في هذه الفترة وحاولوا ألا يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم حتى أنهم تمكّنوا من إعطاء صبغة قضائية واضحة للمنطقة. مخطوطات منسيّة تنتظر نفض الغبار اختتمت فعاليات موسم «سيدي بلعمش» بتنظيم حفل تم خلاله تكريم الفرق المشاركة في هذه التظاهرة، وحضر مراسم اختتام المهرجان أساتذة جامعيون من دولتي موريتانيا ومالي وأخرون قدموا من مختلف الجامعات الجزائرية والذين أشرفوا على تأطير الملتقى وكذا مثقفون وممثلو المجتمع المدني، إلى جانب الفرق والفعاليات المشاركة في هذه التظاهرة، وفي تقييم لسير نشاطات هذا الموعد الثقافي السنوي، أجمع المتدخلون على نجاح التظاهرة بالنظر إلى حضور غالبية الأساتذة المدعوين، مؤكدين على ضرورة تثمين مثل هذه المناسبات التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على التراث الوطني، وأوضح محافظ المهرجان «بلعمش أمانة الله»، وهو أحد أحفاد الولي الصالح بأن اختيار شعار هذه السنة هو ترسيخ لمبدأ المحافظة على الذاكرة الوطنية من خلال الاهتمام بالثقافة التأسيسية الأصيلة لهذا الشعب العربي الإسلامي واستغلال الرصيد العلمي والثقافي الذي تزخر به الجزائر والذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأشار إلى أن زاوية «بلعمش» تسعى إلى أن ترقى بمثل هذه التظاهرات والمحافل العلمية بطبعات دولية، وأشاد شيخ الزاوية بالمشاركة المتميزة للمؤطرين باختلاف بلدانهم من خلال الثقافة التي تعكس المستوى والعمق التراثي الذي يربطها بالمنطقة من خلال الموروث الحساني بكل أبعاده الظاهرية والباطنية من التفكير إلى اللسان إلى الأدب ثم إلى المظهر، وأكد المصدر نفسه بأن خزائن الزاوية تتوفر على مخطوطات لا تقل أهمية علمية عن المؤلف الشهير والفريد من نوعه في العالم "تاريخ مايورقا" ل«إبن هرير المخزومي»، نسبة لجزر «مايورقا» الإسبانية، حيث تمتلك هذه الزاوية مجموعة كبيرة من المخطوطات الثمينة من حيث القيمة الفنية من خط وزخرفة ومن حيث القيمة الجوهرية الفكرية والعلمية، وللإشارة فقد تم في نهاية الحفل تكريم الفائزين بالمراتب الأولى ضمن المنافسات الرياضية والفكرية التي تزامن انطلاقها مع الفاتح نوفمبر، بعد جولة طويلة في ظل برنامج تضمّن إلقاء 20 محاضرة، ساهم فيها أساتذة وفدوا من عدة جامعات بالوطن ومن موريتانيا ومالي والجمهورية العربية الصحراوية، والتي تم فيها تناول محاور ذات صلة بمسألة القضاء في الدول المغاربية وأنواعه وتراجم القضاة وقضايا التحكيم العرفي والقضاء في منطقة «تومبوكتو» بمالي باعتبارها واحدة من الحواضر العربية الإسلامية.