مالية: تعميم رقمنة قطاع الضرائب في غضون سنتين    الأسبوع الوطني للأبواب المفتوحة على التوجيه المدرسي والمهني من 4 إلى 8 مايو المقبل    السيد عطاف يجري بهلسنكي محادثات مع وزير التجارة الخارجية والتنمية الفنلندي    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51355 شهيدا و117248 جريحا    تصفيات كأس العالم لإناث أقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يواصل التحضير لمباراة نيجيريا غدا الجمعة    فضاء هام" للحوار والتفكير الاستراتيجي والعمل الميداني    قسنطينة : إعادة تشغيل المصعد الهوائي للمدينة    توقيف 12 عنصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة    الوزير الأول, نذير العرباوي, يترأس, اجتماعا للحكومة    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية    الجزائر تجدّد التزامها الثّابت بدعم حقوق الفلسطينيين    استحضار لبطولات وتضحيات الشهداء الأبرار    العدوان الصهيوني حوّل غزة إلى "أرض لليأس"    جريمة التعذيب في المغرب تتغذّى على الإفلات من العقاب    قانون التعبئة العامة يحدّد المسؤوليات في مواجهة التحدّيات    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    الصناعة العسكرية.. محرّك رئيسي لتطوير الاقتصاد الوطني    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    الذّكاء الاصطناعي ضمن الوحدات التكوينية لطلبة الدكتوراه    بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب    البطولة الافريقية المدرسية: انهزام المنتخب الجزائري أمام جنوب افريقيا (0-2)    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    وفد تشيكي من مدرسة براغ للسينما يزور المعهد الوطني العالي للسينما    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    مسيرة الحرية: رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين بأوروبا تندد باستهداف الصحفيين من طرف بلطجية المخزن    انطلاق أشغال المؤتمر ال25 للرابطة العربية لجمعيات الروماتيزم بالجزائر العاصمة    معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع    مولوجي تبرز جهود حماية ذوي الاحتياجات السمعية    الجزائر تؤكد التزامها بدعم دول إفريقيا    الجزائر تتعرّض لمؤامرة كبرى    استشهاد 600 طفل في غزّة خلال شهر    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51305 شهيدا و117096 جريحا    بطولة الرابطة الأولى: رئيس الاتحادية يدعو الأندية إلى ضمان السير الحسن للمقابلات في إطار التنافس النزيه    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تمنراست: الكتابة والنشر ضمن أولويات برنامج المحافظة السامية للأمازيغية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توقيعات هادئة: دولارات الرعب في الساحل الإفريقي
نشر في البلاد أون لاين يوم 01 - 05 - 2010

قضية السائح الجاسوس الفرنسي بيار كامات طرحت بقوة إلى أي مدى تتعامل الاستخبارات الفرنسية مع منطقة في الساحل الإفريقي شديدة الحساسية، هذه المنطقة التي تمتد جغرافيا من ساحل موريتانيا المطل على المحيط الأطلسي إلى غاية القرن الإفريقي حيث الصومال المطل على البحر الأحمر، وهي منطقة تصنف جغرافيا بأنها منطقة صحراوية هشة، شديدة الحرارة غالبا ما تشهد الجفاف الذي يؤدي إلى المجاعات تتسبب في هلاك الحرث والنسل، يضاف إليها أنها بيئة اجتماعية لا تعرف الاستقرار الاجتماعي.
حيث تتحرك فيها القبائل برعيها وغنمها وإبلها بحثا عن الكلأ والماء، وزاد من صعوبة العيش في هذه المنطقة الساحلية الصحراوية عجز السلطات المركزية في كل من مالي، النيجر، التشاد، موريتانيا وبوركينا فاسو على بسط نفوذها وسيطرتها الأمنية على الحركية الاجتماعية هناك، مع غياب أي مشروع للتنمية الاجتماعية قد يضبط حركية هذه المنطقة بعواصمها السياسية، مما جعل سكان المنطقة يمتهنون كل المهن غير الشرعية كمصدر للعيش من الاتجار بالبشر إلى تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة.
وهذا واقع يتضح بشكل كبير في شمال مالي والنيجر والتشاد، فالدول هناك تصنف عالميا في ذيل الترتيب من حيث مؤشرات التنمية البشرية فمثلا في سنة 2009 تم ترتيب موريتانيا في الرتبة 154 من بين 182 دولة كما تم ترتيب مالي في الرتبة 173 من ضمن 177 دولة في العالم في سنة ,2005 أي أن السلطة المركزية في كل من نواكشوط وباماكو لم يستطيعا تأمين الحاجيات الأساسية للسكان من حق التعليم وتأمين الصحة إلى السكن اللائق والماء الطهور الذي يجنب الأمراض المعدية ويؤمن عيش الأطفال والمرضعات والكهول الذين ينقص أملهم في الحياة بأقل من ثلاثين سنة مقارنة بنظرائهم في البلدان الإسكندنافية.
وعندما تغيب ثنائية الأمن من الخوف والأمن من الجوع تصبح المجتمعات الساحلية الصحراوية تربط حياتها بالجماعات التي تنشط في كل شيء غير مباح من تهريب السلع الغذائية والبنزين عبر الحدود إلى الهروين لبناء إمبراطوريات تتزعمها شخصيات قبلية تتحكم في الممرات والطرقات الوعرة التي تعجز السلطة المركزية عن الوصول إليها مما يشكل ما يسمى بمنطق الأراضي السيبة، وهذا الفراغ الأمني والتنموي يؤدي إلى تشكيل إمبراطوريات وهمية تدعمها دولارات الرعب.
ويتضح الأمر هنا مع ظاهرة اختطاف السواح الأجانب التي تمتهنها جماعات التهريب بالارتباط مع ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب والساحل، القضية الأولى كانت مع عبد الرزاق البارا واختطاف 32 سائحا تم مقايضتهم بفدية مالية حددت بملايين الدولارات وانتهت أخيرا مع الفرنسي بيار كامات الذي تم إطلاق سراحه بمقايضة مع أربعة أشخاص مطلوبين في قضايا إجرامية في كل من الجزائر وموريتانيا بضغط شخصي من الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير صاحب مؤامرة التدخل الإنساني، وهي سابقة خطيرة في المنطقة قد تدفع هذه الجماعات للبحث عن التمويل الذاتي بالمزيد من الاختطافات مقابل تقاسم دولارات الرعب، مما يجعل التجنيد واستمرار هذه الجماعات قائما لتوظيف هذه الأموال في إعادة رسكلتها واستثماراها في ترتيب إمبراطوريات الرعب وبناء التحالفات العضوية بين الجماعات الإجرامية التي تمتد من الاتجار بالبشر إلى الاتجار بالدين.
وليس من البساطة أن نفصل هذه الصعوبة في العيش الكريم بالنسبة لسكان المنطقة مع ما يجري من رهانات جيوبوليتكية حيث تتنافس القوى الكبرى على الموارد والمصالح المتواجدة بكثرة في المنطقة، فالنفوذ الفرنسي التقليدي الذي يتراجع في المنطقة لصالح الاهتمام المتزايد للصين بالموارد الطاقوية والبحث عن سوق ضخمة، يرافقه اهتمام أمريكي بمشروع أفريكوم وقلبها وعقلها على الطاقة كما أشار تقرير ديك تشيني في مطلع الألفية الجديدة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعتمد على نفط إفريقيا بنسبة 25 بالمائة في حدود سنة 2020 بعدما كانت تعتمد عليه إلا بنسبة 12 بالمائة من حاجياتها الخارجية.
ويضاف إلى ذلك أن منطقة غرب إفريقيا، حيث تمتد منطقة الساحل ستعرف ازدهارا في الاستكشافات، حيث من بين 8 ملايير برميل نفط تم اكتشافه في العالم في بداية الألفية الجديدة 7 منها موجودة في القارة الإفريقية، ويزيد من أهمية النفط في غرب إفريقيا أنه موجود في البحر مما يؤمن التموين بعيدا عن الاضطرابات التي قد تشهدها الإمدادات القادمة من الشرق الأوسط، حيث حالة اللاستقرار التي تخلقها إسرائيل ويضاف إليها الملف النووي الإيراني.
ولفهم الدوافع التي جعلت الرئيس الفرنسي يشرف شخصيا على إطلاق الجاسوس بيار كمات يكفي أن نطلع على الهيمنة الفرنسية على اليورانيوم في شمال النيجر، حيث تستغل شركة أريفا منذ أربعين سنة المناجم لاستخراج اليورانيوم الذي يؤمن أكثر من نصف حاجيات الشركة الفرنسية في مشاريعها التجارية والاقتصادية وذلك باستغلال اتفاقيات وعقود هي أقرب للمفهوم القانوني الموسومة بعقود الإذعان، حيث فرضت فرنسا شروطها في استغلال المناجم وخيرات الشعب النيجيري دون الاعتماد على السعر الحقيقي في الأسواق العالمية، وفي جانفي 2009 تم إبرام صفقة القرن بالنسبة لشركة أريفا حيث وقعت على اتفاق لاستغلال منجم إمورارن الذي صنف الاحتياطي الثاني عالميا بعد منجم ماك آرثر ريفر بكندا، ورغم ذلك، فإن كل المراقبين يشيرون إلى الاستغلال البشع لثروات المنطقة التي زادت من تهميش أغلبية السكان من ذوي الأصول الترقية، بل أن البيئة قد تضررت نتيجة الاستغلال لمادة شديدة الخطورة بسبب الإشعاعات وهو ما جعل بعض التقارير تتحدث عن تلوث المياه.
أما العلاقة المباشرة التي قد نفهما بين بيار كامات ومناجم اليورانيوم في النيجر فهي قائمة من حيث البحث الفرنسي عن دوائر قبلية وبارونات للتهريب لبناء تحالفات تضمن استقرار المصالح الفرنسية مع عدم استبعاد ضرب المصالح المتنافسة في المنطقة تحت غطاء تنظيمات وهمية تديرها الاستخبارات الفرنسية التي تعرف الأهمية الجيواستراتيجية الهامة لكي تضمن التمدد الفرنسي وبسط نفوذها من جديد على ثروات منجمية من اليورانيوم النيجيري إلى الذهب المالي إلى النفط الموريتاني. وكل من باريس وواشنطن تراقبان التمدد الصيني السريع في منطقة إفريقيا، حيث تتواجد آبار النفط في السودان وأنغولا، وكل الدول الإفريقية التي تعرف حالة عدائية مع فرنسا وواشنطن تقيم بكين معها علاقات تجارية ومصلحية وتطرح نفسها كبديل بضخ الإعانات للنظام القائم مقابل استغلال الحقول النفطية من قبل الشركات الوطنية الصينية للنفط، والكل يراقب بخوف وحذر هذا التصاعد المذهل لحجم التبادل التجاري بين الصين والقارة الإفريقية الذي لم يكن يتجاوز المليار دولار في سنة 2000 ليصل إلى ما يقارب 110 مليار دولار في سنة ,2009 وهذا التنافس الحاد بين القوى الكبرى الأوروبية والأمريكية والآسيوية في منطقة الساحل الإفريقي يضاف إليها البيئة الاجتماعية والجغرافية الصعبة تجعل الإستراتيجيات قائمة على تجزئة سكان المنطقة وفق المنطق الاستعماري التقليدي فرق تسد، حيث يقوم أمثال بيار كامات بهندسة خيوط الارتباط بين جماعات الإجرام ومصالح الشركات لإضعاف السلطات المركزية وإبعادها عن أي استغلال مباشر لمواردها وسيادتها، وتلك هي بداية القصة الأولى لدولارات الرعب في منطقة الساحل الإفريقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.