أعادت الجزائر قضية التوتر في العلاقة مع مصر إلى أصلها من خلال التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية «مراد مدلسي» لجريدة الشرق الأوسط عندما قال إنه لا حاجة لوساطة بين البلدين لأن الاتصالات لم تنقطع بينهما أبدا، وتؤكد تصريحات الوزير ثبات الجزائر على موقفها الذي يعتبر أن لا وجود لأزمة بين البلدين. طالب وزير الخارجية بوقف الحملة التي تشنّها وسائل الإعلام المصرية، وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها موقف رسمي جزائري من التصعيد الإعلامي الخطير الذي قامت به وسائل إعلام مصرية خاصة والتحق بها قطاع من الإعلام الرسمي بعد خسارة المنتخب المصري لكرة القدم ورقة التأهل إلى نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، ورغم أن تصريحات وزير الخارجية اتّسمت بالهدوء كانت بعيدة عن التشنج فقد حملت رسالة قوية من الجانب الجزائري تفيد بأن التهدئة التي يتحدث عنها البعض تمر أولا عبر وقف الحملة الإعلامية الشرسة التي تعرضت لها الجزائر دولة وشعبا ورموزا. الموقف الرسمي الجزائري، الذي جاء بعد ثلاثة أسابيع من حادثة الاعتداء على لاعبي الفريق الوطني في القاهرة وما نجم عنها من احتقان والحملة الإعلامية التي تلتها، أعاد وضع القضية في نصابها، فالمشكلة تكمن أساسا في هذه الهجمة الإعلامية التي ألحقت الأذى بالشعب الجزائري من خلال المساس برموزه، أما ما سبق هذا من أحداث فكان من الممكن معالجته في إطار الهيئات الدولية التي تتولى التحكيم في مثل هذه الحالات وعلى رأسها الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، وقد كان وزير الخارجية موجودا بالقاهرة أثناء حادثة الاعتداء والتقى رسميين مصريين وطالب بتوفير الحماية للبعثة الجزائرية وقلل من آثار ما جرى على العلاقة بين البلدين والتي وصفها بالممتازة. خلال الأسابيع الماضية حرصت الدولة الجزائرية، سواء من خلال المسؤولين أو من خلال وسائل الإعلام العمومية، على عدم الانزلاق نحو الحرب الإعلامية، وقد أثار الموقف المتأني والرصين للدولة الجزائرية تقدير الجزائريين في الداخل والخارج، وعزز الاعتقاد بأن كل ما يجري كان مسألة داخلية مصرية حيث تم افتعال أزمة دبلوماسية مع الجزائر من أجل تحويل الأنظار عن ضياع حلم المصريين في التأهل إلى نهائيات كأس العالم، وقد ظهر منذ البداية حجم الرهان السياسي الذي كان مرتبطا بهذا الحلم والخيبة التي ترتبت عن الإقصاء، وقد كان من المتوقع بداية أن تهدأ الحملة الإعلامية بعد فترة امتصاص صدمة الإقصاء رغم أن وسائل الإعلام المصرية تجاوزت كل الحدود في تهجمها على الشعب الجزائري ودولته ورموزه. ورغم أن بعض الرسميين المصريين أدلوا بدلوهم في الحملة فإن الموقف الرسمي الجزائري ظل ملتزما بعدم الخلط بين المواقف المعبر عنها في الاتصالات التي تجري عبر القنوات الرسمية والتي قال مدلسي إنها لم تنقطع أبدا، وبين المواقف التي يتم التعبير عنها في وسائل الإعلام سواء من طرف بعض الإعلاميين والمثقفين أو حتى بعض المحسوبين على النظام الحاكم ومنهم أبناء الرئيس المصري، وهو الموقف الذي عبره سفيرنا لدى القاهرة عبد القادر حجار الذي قال إن علاء مبارك لا يمثل الدولة المصرية وذلك ردا على دعوة هذا الأخير إلى طرد السفير الجزائري من مصر، ويحمل الموقف الجزائري إشارة مهمة إلى أن ما يتم إطلاقه من تصريحات في وسائل الإعلام المصرية لا يعبر حقيقة عن الموقف الرسمي للقاهرة ولا يتطابق مع ما يقال في القنوات الرسمية، وهذا يؤكد أن هناك تصريحات موجهة للاستهلاك الإعلامي المحلي من أجل تهدئة الخواطر وامتصاص صدمة الإقصاء وما ارتبط بها من خيبة سياسية يصعب إخفاؤها، ومرة أخرى يتأكد الطابع الداخلي للأزمة. المسألة الأخرى التي صححها وزير الخارجية هي قضية التعويضات التي أثارها الإعلام المصري، وقد أشار الوزير إلى أن هناك نظام تأمين معمول به في كل الدول وهناك قوانين تعالج مثل هذه الحالات، وهو ما يعني أن تسييس مسألة التعويضات والأضرار التي لحقت ببعض محلات شركة أوراسكوم يعتبر محاولة لإبعاد ما جرى عن إطاره الحقيقي، ولعل هذا التصحيح من جانب الجزائر ينزع ورقة أخرى من أيدي من أرادوا جعل الجزائر مطية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، حيث تم تقديم مطلب التعويض على أنه يعكس الرد المصري الحازم على ما سمي مساسا بكرامة المصريين ومصالحهم، ويرتبط مطلب التعويض هذا مع مطلب رفعه بعض الإعلاميين المصريين وهو الاعتذار، وهنا أشار مدلسي إلى أن الجزائر طالبت أولا بالاعتذار عن حادثة الاعتداء على الفريق الوطني لكنها تخلت عن هذا المطلب رغبة منها في التهدئة وهو ما يعني أن لا تنازل من جانب الجزائر وأن كل ما يقال عن الاعتذار ليس له أي طابع رسمي، وفي هذا الصدد قال سفيرنا لدى مصر إن مطلب الاعتذار لم يقدم رسميا من أي مسؤول مصري من الذين تحادث معهم خلال الأسابيع الماضية. هكذا أعادت الجزائر وضع القضية في إطارها الصحيح باعتبارها محاولة للاستغلال السياسي لحدث رياضي أتت بنتائج غير متوقعة، وأن ما جرى على المستويات الرسمية سواء لإدارة الأزمة أو حلحلتها لم يكن بالضرورة متطابقا مع ما نقلته وسائل الإعلام هنا وهناك، ولعل خفوت الحملة على الجزائر في الإعلام المصري يؤكد أن الرسميين في القاهرة أعطوا أوامرهم بإنهاء اللعبة.