صمت وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي "دهرا"، وعندما نطق بعد صمت اعتبره المراقبون حكمة وسياسة جادة، نطق "كفرا"، ذلك لأن تصريحاته التي اختار لها وسيلة إعلام خارجية، أثارت استياء شعبيا كبيرا، حيث تلقت "الشروق" أمس مئات المكالمات تنتقد تصريحات مدلسي، وتدرجها في خانة "التنازلات" التي لن يرضى بها الجزائريون حتى وإن اعتذرت الحكومة المصرية بشكل رسمي، وذلك كون الإهانات والحملة الشرسة التي طالت الجزائر ورموزها، جعلت من الاعتذار مطلبا شعبيا غير قابل للتنازل أو التفاوض كون القضية تجاوزت الأطر الحكومية وأصبحت قضية شعبية محظة. * تصريحات مدلسي التي اختار لها وسيلة إعلامية أجنبية، حتى تكون قناة لنقل رد الفعل الجزائري الرسمي، حيال تصريحات وزير الشؤون الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، أثارت الكثير من الاستياء والانتقاد الشعبي، إذ وصلت قاعة تحرير "الشروق" المئات من المكالمات الهاتفية، التي رأت في تصريحات مدلسي تنازلا عن حق الجزائريين، وأجمعت كل المكالمات أن تعامل الجزائر مع "التكالب" المصري كان غاية في الحكمة، وتسييرها للقضية أعطى الانطباع بوجود دبلوماسية صامتة جادة في تسيير الأزمات، كما التقت كل المكالمات عند نقطة أن تشويه رموز الثورة، وحرق الراية الوطنية والتشكيك في تاريخ الجزائر، ووصف الشعب الجزائري "بالحقير" و"الجزمة"، كلها "جرائم" لا يجوز التنازل عنها، معتبرين أن الاعتذار أصبح واجبا على مصر شعبا وحكومة، ومن حق الشعب الجزائري أن يرفض الاعتذار، على خلفية أن التطاول والسب والشتم تجاوز كل الخطوط الحمراء التي يمكن غض الطرف عنها. * وفي ذات السياق أجمع المتصلون على ضرورة رفض الجزائر استقبال الوفد الشعبي، الذي أظهر رغبة في المجيء لمحو عار الفضائيات المصرية وتطاولها، وقال هؤلاء "يجوز لوزير الشؤون الخارجية أن يصرح كما يشاء، لكن لا يحق له التنازل عن حقوق الشعب الجزائري"، مؤكدين أن الحديث عن علاقة الأشقاء، أصبحت شعارات جوفاء، ووصلت الانتقادات حد وصف تصريحات مدلسي بالمتخاذلة وغير المعبرة للموقف الشعبي. * مدلسي الذي فضل الإعلام الأجنبي، كقناة لمرور صوته، أصدر بيانين فقط منذ بداية الأزمة، ولم يتجاوز مجموع البيانين مجتمعين خمسة سطور، في وقت التقى نظيره المصري إعلام بلده لمرتين متتاليتين منذ نشوب الأزمة حتى يفوضه مهمة نقل تصور الحكومة المصرية، والإجراءات التي تنوي اتخاذها لمعالجة الأزمة وحماية رعاياهم والإجابة عن انشغالات الرأي العام المصري. * تصريحات مراد مدلسي، تمنى المتصلون لو كانت على نفس درجة قوة ودهاء تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى الذي قال "نرفض الخوض في كل ما يفسد فرحتنا، وعندما نعمل لا نتكلم"، وتصريح رئيس مجلس الأمة الذي قال "نحن صنيعة الشعب وعندما يتحدث نصمت"، إلى جانب تأكيدات وزير التضامن، جمال ولد عباس، احتفاظ الحكومة بتسجيلات تدين العدوان المصري، كما وجه وزير الداخلية يزيد زرهوني رسائل مشفرة قرأت لوما للمصريين بسبب رفضهم التنسيق الامني بالقاهرة، كما انتقد وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بلخادم، تعاطي مصر مع اعتداءات القاهرة. * هذه التصريحات والصمت الضمني شكل مفخرة للجزائريين، واعتبروه حكمة عكس التصريحات المبهمة لمدلسي، الذي اكتفى بتجديد مطلبه المتعلق بوضع حد للحملة التي تستهدف الجزائر رافضا فكرة أي وساطة حجته في ذلك أن الاتصال لم "ينقطع أبدا" مع المصريين! . * الحديث الهاتفي الذي خص به مدلسي صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن، فضل أن يكون قناة لنقل أمانيه فأعرب فيه عن أمله "في أن يوضع حد للحملة التي تستهدف الجزائر وان يتم الإصغاء لأحمد أبو الغيط بخصوص تحقيق التهدئة، كما قال أنه في الجزائر ليس هناك أي خلط بين المستوى السياسي وتسيير المؤسسات التي في الجزائر كما في مصر أخذت كل احتياطاتها لتأمين نفسها ضد الأخطار من خلال التأمينات وغيرها، في محاولة لإسقاط مطلب التعويض عن الخسارة التي لحقت المؤسسات المصرية، غير أن ممثل دبلوماسيتنا، صمت ولم يشر لوضعية طلبتنا الذين دخلوا على كراس متحركة. * وفي رد غامض، لا يعكس الاستياء الشعبي الجزائري من حرق هيئة المحامين المصريين للراية الوطنية وبخصوص شكوى اتحاد المحامين العرب أوضح رئيس الدبلوماسية الجزائرية أن الجزائر تحترم هذه الهيئة! لكنها ذهلت لتصريحات بعض المسؤولين الذين يتحدثون باسمها وبشكل غير مقبول. * وردا على سؤال حول ما إذا كانت الجزائر تنوي الاعتذار اكتفى مدلسي بالقول إن "هذا أمر غير جدي وغير معقول"، مستندا على عدم مطالبة الجزائر مصر بالاعتذار عن الاعتداء على الحافلة في القاهرة "وكأن جرائم المصريين اقتصرت في الاعتداء على حافلة اللاعبين، فيما أغفل الوزير الحديث عن الاعتداءات التي طالت الجمهور، وكذا الإساءات التي لحقت كل ما هو جزائري، ناهيك عن السب والشتم".