لجيش يمشط إحدى المناطق الساخنة، فجأة رصاص ينطلق من فوق ومن تحت ومن كل الاتجاهات، انفجارات كبيرة، الموت يتربص بالجميع، هو كان ضمن القوات العسكرية لم يصب، واصل إطلاق النار، صراخ وصياح وجهاد وشهادة، هو يواصل من جهة إطلاق النار ومن جهة أخرى نجدة رفاقه المجروحين، إصابة خفيفة في رأسه لم ترجعه إلى الوراء، واصل اختراق النار، الحياة والموت كانتا متساويان، المهم نجدة الرفاق ممن أصابتهم نيران الجماعات الإرهابية. افجأة انقشع ذاك الدخان وذاك الرصاص وتلك النار، شهداء سقطوا، جرحى متألمين، وهو لا زال واقفا، حمل بعض رفاقه، أسعفهم على كتفه، في ثكنته العسكرية أعاد رسم تفاصيل المعركة، تفاصيل الموت، صياح صراخ، وفجأة فقد الذاكرة، حملوه إلى المستشفى بلا وعي ولا ذاكرة، بعد مدة فر من المستشفى بلا وعي وبلا ذاكرة أيضا، تاه في الشوارع لأكثر من خمسة أشهر، لتنتشله الحماية المدنية، هرب من المستشفى ليعاد إلى مستشفى آخر بلا اسم ولا رسم ولا عنوان فاقدا للذاكرة، ويحاكم فيما بعد بتهمة العصيان والفرار من المستشفى قبل تبرأته، هو الآن مجرد رقم من أرقام ضحايا تلك الواقعة مرمي على الهامش ومنسي ومجنون في هذا الزمن. الحروف السابقة ليست من نسج الخيال وليست ''سيناريو'' لفيلم منتظر إخراجه عن حقبة التسعينيات، إنه واقع سرده المقاوم المدعو حواس محمد بن الوالي ل ''البلاد''، حدث سنة 1996ولا تزال تداعياته ممتدة إلى غاية 2009، بطله أو ضحيته إبنه المدعو ''حواس عبد الحميد'' الذي لبى نداء الوطن ذات 1996، مثله مثل الآلاف من الشباب، استجابة لدعوة الخدمة الوطنية، لم يكن يعلم بأن نهايته ستكون مع نهاية تلك المعركة، هو لم يستشهد ولم يصب إصابة بليغة، لكنه ضحية تلك الواقعة، شهيد حي منذ 13سنة. والد الضحية المنحدر من بلدية فيض البطمة بالجلفة، اتصل ب ''البلاد''، ليكشف عن تفاصيل ما حدث لفلذة كبده، مدعما بملف ثقيل وعريض يحوي شكاوى مرفوعة لأكثر من جهة، شهادات طبية مدعمة، تروي قصة ''حواس عبد الحميد'' الموجود حاليا على الهامش بذكريات عن معركة دامية في مواجهة جماعة إرهابية، أصابت رفاقه في مقتل، وأصابته في مقتل الرفاق. الوالد، يقول في إحدى شكاويه المرفوعة بأن ابنه توجه إلى أداء الخدمة الوطنية سنة 1996بثكنة خميس مليانة، وفي إحدى دوريات الجيش لتمشيط منطقة واد ''الزبوج'' وقع اشتباك كبير مع جماعة إرهابية، أين استشهد العديد من رفاق إبنه الذي أصيب بجروح خفيفة في رأسه، قاوم وساعد في إسعاف بعض رفاقه من شهداء الواجب الوطني، من ثم تم نقله إلى المستشفى العسكري بعين النعجة في 03/28/ 1996بعد أن ظهرت عليه أعراض فقدان الذاكرة والجنون نتيجة للإصابة. ويشير بيان الإقامة بالمستشفى المركزي للجيش المؤرخ في 10/09/2000تحت رقم قبول 305104إلى أن حواس عبد الحميد، الرتبة طالب صف ضابط، دخل إلى مصلحة الأمراض العقلية منذ تاريخ 28/03/1996وخرج منها في 07/05/1996.